شاشة الناقد

«لأجل سما»
«لأجل سما»
TT

شاشة الناقد

«لأجل سما»
«لأجل سما»

لأجل سما
* إخراج: وعد الخطيب وإدوارد ووتس
* تقييم: ***
الصورة أقوى من الكلمات
«إلى سما» (أو «لأجل سما» كما يمكن تسميته أيضاً) فيلم دامغ من مطلعه إلى آخره. ساعة ونصف الساعة وبضع دقائق من رصد ما تعنيه الحرب على عائلة وأشخاص ومدينة حلب. القصف متواصل والهرب والضحايا أيضاً. في وسط المطحنة أم تتوجه إلى طفلتها الوليدة برسالة صوتية وصوّرية حول الحياة وسط أشلائها والمدينة التي أضحت، في غضون سنوات قليلة (2012 إلى 2016) من محاولات الجيش السوري وحلفائه إعادتها إلى سيطرته، معالم مهدمة مخيفة، وهي تنازع الموت ومخيفة أكثر عندما تدخل فترة الصمت المطبق.
الفيلم التسجيلي الماثل (تم عرضه في «كان» ويبدأ دورة متواصلة حتى موسم الجوائز على أمل دخوله سباق الأوسكار) هو وجهة نظر مخرجته السورية وعد الخطيب الممرضة التي تزوّجت من حمزة الطبيب الجراح بعد قصة حب سريعة. كلاهما يعمل في مستشفى يستقبل المصابين والنازفين دماً وأسى. بعد زواجهما رزقا بطفلة جميلة منحاها اسم «سما». عندما ينتهي الفيلم بعد ثلاث سنوات من ولادتها، سما باتت أكبر قليلاً والأم ما زالت تناجيها. أكثر من ذلك، أنجبت، بعد خروجها من المدينة، طفلة أخرى. هناك ابتسامة كبيرة على وجهها الآن.
تقدم المخرجة نفسها بصورة تعود إلى عشر سنوات مضت ثم تدلف الحياة الحاضرة. توجه رسائلها وتعليقاتها إلى ابنتها وتقول لها، في أحد المشاهد الأخيرة «سما. أنا بعرف إنك عمتفهمي شو عمبصير. بقدر شوف هالشي بعيونك».
إنه واحد من التعليقات التي تبثها وعد لطفلتها وكلها لها دور يمتزج جيداً مع الرغبة في تدويل حالة خاصة - عامّة ذات همّ شخصي وآخر سياسي. الهم الأول نراه متمثلاً في تلك العلاقة العاطفية الكبيرة التي تربطها بابنتها وبزوجها وحنانها الأمومي البديع والمؤثر صوب طفلتها التي وضعتها خلال الحرب. الهم الثاني يتمثل في النافذة المفتوحة تلقائياً على المشهد العام للمدينة المنكوبة وبعض ما شهدته من قصف «النظام وحلفاؤه»، كما يرد في الفيلم، انتقاماً للمعارضة التي جسدتها المدينة منذ اندلاع الثورة ولسنوات بعد ذلك.
لكن من ناحية ثانية، وبالحياد الذي على الناقد أن يفرضه على نفسه، فإن تلك التعليقات ذاتها ساذجة. نحن لا بد نعلم أنه لا يمكن لطفل دون الثالثة فهم ما يدور ولا يمكن لأحد (بما فيها الأم) أن «تشاهد» فهم طفلتها بالنظر إلى عينيها. لكن هذا التعليق ليس الوحيد الذي يستوقف المرء ويتمنى لو أنه لم يكن. ففي مطلع الفيلم نسمعها تقول لابنتها: «إنت أهم شي صار بحياتنا، بس شو هالحياة اللي جبتك عليها؟ إنت ما اخترتي هالشي… حتسامحيني؟».
صورياً، الفيلم أقوى فيما يعرضه لأن الصورة أفصح من الكلمات. في الفيلم لحظات لا تُـنسى تجسد الواقع الدائر كما هو وبكل فظاعته ووحشيته. المباني المهدومة. سحب الجثث. المشاهد المتتالية للمستشفى، حيث يقوم أبطال الحياة بمحاولة إنقاذ الضحايا. وفي المرات لتي ترتفع فيها الكاميرا (عند مطلع الفيلم وفي مشهدين لاحقين آخرين) من مستوى الأرض لترمي نظرة فاحصة وصامتة لمدينة منكوبة، يرتفع كذلك مستوى الفيلم ودائماً في التوقيت الملائم تماماً بين مشاهد موت وحياة.


مقالات ذات صلة

«الهنا اللي أنا فيه»... فيلم كوميدي يُراهن على صراع الزوجات

يوميات الشرق صناع الفيلم خلال العرض الخاص بالقاهرة (حساب ياسمين رئيس على «فيسبوك»)

«الهنا اللي أنا فيه»... فيلم كوميدي يُراهن على صراع الزوجات

بخلطة تجمع بين الكوميديا والمشكلات الزوجية يراهن فيلم «الهنا اللي أنا فيه» على شباك التذاكر في الصالات السينمائية مع طرحه اعتباراً من الأربعاء 18 ديسمبر.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق لعبت بطولة فيلم «ذنوب مخفية» للمخرج سيرج الهليّل (تمارا حاوي)

تمارا حاوي تشارك في «ذنوب مخفية» ضمن «مهرجان بيروت للأفلام القصيرة»

تجد تمارا الأفلام القصيرة ترجمة لصُنّاع السينما الجريئة. وتؤكد أن عرض فيلم «ذنوب مخفية» في بيروت، شكّل محطة مهمة، بعد تنقُّله في مهرجانات عالمية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز