السهل الممتنع يلتقي بالابتكار المقنن

اليوم الثاني من أسبوع لندن لربيع وصيف 2013.. تصاميم مضمونة مرشوشة بالأنوثة

جوليان ماكدونالد و من عرض باربرا كاساسولا و جاسبر كونران و من عرض «سيبلينغ» و  جاسبر كونران
جوليان ماكدونالد و من عرض باربرا كاساسولا و جاسبر كونران و من عرض «سيبلينغ» و جاسبر كونران
TT

السهل الممتنع يلتقي بالابتكار المقنن

جوليان ماكدونالد و من عرض باربرا كاساسولا و جاسبر كونران و من عرض «سيبلينغ» و  جاسبر كونران
جوليان ماكدونالد و من عرض باربرا كاساسولا و جاسبر كونران و من عرض «سيبلينغ» و جاسبر كونران

يتهيأ لك أن المصممين الذين يقع عليهم الاختيار لعرض تشكيلاتهم في توقيت مبكر جدا، التاسعة صباحا وفي يومي السبت أو الأحد تحديدا، غير محظوظين أو لا يؤخذون على محمل الجد. فالفكرة التي تخطر على البال هي أن عدد الحضور سيكون شحيحا، على أساس أن معظمهم سيفضلون أن يبدأوا يومهم بعد العاشرة صباحا، لكن عرض باربرا كاساسولا، التي افتتحت اليوم الثاني من أسبوع لندن، دحض هذه الفكرة. فقد سجل حضورا كبيرا ممن سحرتهم بأسلوبها الأنثوي في المواسم الماضية، وجعلتهم يفضلون الاستيقاظ مبكرا على الاسترخاء ساعة زيادة في يوم إجازتهم. المصممة البالغة من العمر 30 عاما أخذتنا في رحلة إلى موطنها الأصلي، البرازيل، مصرِّحة بعد العرض بأنها استوحت التشكيلة من فنانة برازيلية اسمها ليجيا بابي، وأيضا من الشمس البرازيلية ساعة الغروب، التي تمتد، بالنسبة لها، إلى الساعات الأولى من الفجر، أي مع بزوغ أول خيوط الشمس، الأمر الذي تفسره درجات الألوان التي استعملتها، والتي لم يضاهها تنوعا سوى تنوع الأقمشة. فقد كان واضحا أن المصممة كانت تحتاج إلى هذا التنوع لخلق ذلك التناقض المثير، الذي ظهر في الكثير من الإطلالات، بين الأنثوي والذكوري وبين السميك والشفاف، وكان فيه حرير الموسلين البطل بلا منازع، لأنه كان جزءا مهما لخلق تلك البليسيهات الدقيقة، التي شدت الأنفاس وبدت وكأنها كسرات أمواج تتراقص على درجات ألوان جريئة حينا، مثل البرونزي والنحاسي والأحمر التوتي والفضي، والألوان «المطفية» حينا آخر، مثل الرمادي والبنفسجي والبرتقالي المحروق والأسود. بالنسبة للخطوط، فقد كانت أيضا بسيطة تبتعد عن الجسم ببضع سنتمترات حتى لا تشده فتبدو الأقمشة وكأنها تلتصق به. فكرة باربرا أن تبدو المرأة أنيقة في كل قطعة تقترحها، وبأسلوب سهل يعطي الانطباع بأنها لم تبذل أي جهد يذكر. سهولتها أيضا تكمن في إمكانية استعمالها لكل مناسباتها، بما في ذلك المساء والسهرة، من دون أن تحتاج إلى إضافات تزينها. فتفاصيلها، رغم هدوئها، فضلا عن ألوانها الغنية، كافية لتجعلها تبدو في قمة الأناقة. ومع ذلك لا بد من القول إن التنورات ذات البليسيهات الدقيقة هي الأكثر لفتا للأنظار لدقتها. فهي تتماوج مع كل حركة من دون أن تغرق في الرومانسية، لأن المصممة نسقت بعضها مع جاكيتات توكسيدو، وبعضها الآخر مع قمصان مفصلة لتخلق من التناقض تناغما مدهشا. ولن نستغرب أن نرى العديد من هذه القطع تغطي صفحات المجلات الفنية، قبل مجلات الموضة، بعد أن تظهر بها فنانات أظهرن إعجابهن بأسلوب كاساسولا من قبل، من مثيلات كايت بوسوورث، غوينيث بالترو وغيرهما.
بعدها قدم جاسبر كونران في قاعة «سومرست هاوس» عرضا لا يقل أناقة وسلاسة، وإن كان بروح مختلفة. فقد مزج الفني بالسبور ليمنح تشكيلته خفة ستروق للمرأة أيا كان عمرها وأسلوبها. والملاحظ هذا الموسم أن القاسم المشترك بين العديد من المصممين أنهم قرروا الابتعاد عن التعقيدات الفنية، ربما لأنهم يدركون أن موسم الصيف يتطلب تصاميم خفيفة ومنسدلة لا تكون مشدودة على الجسم. والأهم من هذا أن تكون بألوان تفتح النفس، وهذا ما أدركه المصمم المخضرم، الذي استعمل أقمشة الحرير والجرسيه تحديدا، وطبع بعضها بنقشات مستوحاة من الطبيعة، وأيضا من الفنان جاكسون بولوك المعروف بأسلوب يحاكي رش الألوان على الكنفس. جاسبر كونران استعمل هذا الأسلوب في فساتين باللون الأبيض رسمها باللون الأزرق تتميز بخصور مطاطية ومرنة، وبطول يلامس الركبة أو يتخطاها إلى نصف الساق، وأخرى تصل إلى الكاحل بحيث تبدو وكأنها قفاطين.
عرض «سيبلينغ» في المقابل كان مختلفا وأكثر جرأة، وإن كان من الصعب تسويقه للكل. كان مستوحى من نيويورك في الثمانينات من القرن الماضي، كما سجلتها عدسة كاميرا كل من المصورتين أيمي أرباس وماريبول، اللتين كانتا تصوران كل ما يجري في المدينة وسكانها من وجهة نظرهما، وحسب الحلقات الاجتماعية التي كانتا تدوران فيها. فريق «سيبلينغ» المكون من كوزيت ماكريري، سيد براين وجو بايتس، عاد إلى هذه الصور وأخذ منها إيحاءات كثيرة تلعب على الأنثوي المائل إلى الصبياني خصوصا، من دون أن يغيب أسلوب الدار المعهود باستكشاف تقنيات جديدة وجريئة. بالعكس، ظل قويا وواضحا في قطع «كروشيه» محاكة من القنب، وأخرى بأشرطة مطاطية تخلف انطباعا بأنها إثنية. لكن تبقى الـ«تي - شيرتات» والكنزات الخفيفة التي ظهرت في أول العرض الأكثر واقعية من الناحية التسويقية، وإن كانت «سيبلينغ» تؤكد أنها ترفض الاستكانة إلى المضمون وتفضل الاختلاف الذي يخاطب شرائح الشباب تحديدا.
أما بالنسبة لجوليان ماكدونالد، فقد كان مثلجا للصدر تخيفه من الأنثوي الذي يدغدغ الحواس ويلعب على كشف المفاتن، الذي غلب على تصاميمه في المواسم الماضية.
في المقابل، قدم تشكيلة أنيقة موجهة لشرائح أكبر من النساء، وإن كانت تخاطب على وجه الخصوص فتيات المجتمع المخملي مثل تامارا إكلستون، التي جلست في الصف الأول وعيناها تسجلان كل تصميم ضمن لائحة مشترياتها المقبلة. لم تغب الأنوثة عنها، كما حافظت على معانقة الجسم بشدة في معظمها، لكنها لم تكشف الكثير بقدر ما ركزت على التطريزات الغنية والألوان الهادئة. المأخذ الوحيد أنها مناسِبة لمناسبات الكوكتيل والمساء والسهرة أكثر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».