العقوبات ضد «حزب الله» توجه رسائل سياسية إلى حلفائه

TT

العقوبات ضد «حزب الله» توجه رسائل سياسية إلى حلفائه

تترقب الأوساط السياسية في لبنان رد فعل «حزب الله» على العقوبات الأميركية التي شملت النائب محمد رعد رئيس كتلة «الحزب» في مجلس النواب، وزميله في الكتلة النائب أمين شري، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «الحزب» وفيق صفا، وينتظر أن يعرض أمين عام «الحزب» حسن نصر الله هذا الموقف مساء اليوم. وتتعامل مصادر قيادية في «حزب الله» مع قرار العقوبات على أنه «لن يقدّم ولن يؤخّر» في صراعه مع الولايات المتحدة، ولن تكون له مفاعيل مصرفية باعتبار أن ليس لهؤلاء المشمولين بالعقوبات حسابات مصرفية.
وتلفت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها تعدّ الدفعة الجديدة من العقوبات الأميركية بمثابة تفصيل ما دامت شملت نصر الله في السابق، وترى أنها تبقى في حدودها الرمزية وإن كانت تحمل طابعاً سياسياً يستدعي الرد عليها بموقف يفترض أن يصدر عن الحكومة اللبنانية.
وتبدي المصادر ارتياحها إلى ردود الفعل الأولية الصادرة عن رؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري، وتؤكد أنها تصب في سياق تطويق مفاعيل القرار الأميركي في الداخل؛ وإن كانت تتوقف أمام قول عون إنه «سيلاحق الموضوع مع السلطات الأميركية المختصة».
في المقابل؛ تعد مصادر مواكبة للصراع بين «حزب الله» وإيران من جهة؛ والولايات المتحدة من جهة أخرى، أن هذه العقوبات تأتي في سياق قرار المواجهة الذي اتخذته واشنطن منذ فترة طويلة بالتصدّي للتمدد الإيراني في المنطقة وتمادي «حزب الله» في تدخّله في عدد من الدول العربية بهدف زعزعة الاستقرار بالمنطقة.
وتؤكد المصادر المواكبة أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان لوّح خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان بأن وزارة الخزانة الأميركية تتحضّر لإصدار لائحة بأسماء أشخاص على قائمة الذين يعملون لزعزعة الاستقرار في لبنان والمنطقة؛ في إشارة إلى قياديين من «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني.
وتقول المصادر إنها لم تفاجأ بإصدار واشنطن هذه الدفعة من العقوبات التي تتزامن مع بلوغ التصعيد الأميركي - الإيراني ذروته، مستبعدة أن يكون لها انعكاس مباشر على الوضع الحكومي الذي يمر حالياً بحالة من التأزّم السياسي. وتعزو السبب إلى عدم وجود خروق من قبل بعض المصارف لمصلحة «حزب الله» في محاولة للالتفاف على العقوبات الأميركية، وتقول إن لبنان من خلال تواصله على المستويين الرسمي والمصرفي مع وزارة الخزانة الأميركية كان أدخل تعديلات على التشريعات والقوانين المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال ومنع استخدامها في تمويل الأعمال الإرهابية.
وإذ تفضّل المصادر التريّث لتبيان كيف سيتعاطى لبنان الرسمي مع هذه العقوبات، فإنها في المقابل تتعامل معها على أنها رسالة سياسية إلى «حزب الله». وترى المصادر أن الإدارة الأميركية أرادت تذكير اللبنانيين بأنها ماضية في فرض الحصار المالي على «الحزب» وتجفيف مصادر تمويله. كما أنها أرادت من خلال «الحزب» تمرير رسائل سياسية إلى حلفائه تحذّرهم فيها من التعامل معه بشكل يؤدي إلى خرق العقوبات، وهذا لا ينطبق على «حركة أمل» حليف «حزب الله» في ضوء مبادرة واشنطن إلى نفي ما أشيع في السابق من أنها تدرس فرض عقوبات على رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وبكلام آخر، تستبعد هذه المصادر أن تكون واشنطن في وارد تمرير ما يشبه الإنذار إلى «حركة أمل»، وتقول إنه يستهدف حلفاء الحزب من غير الشيعة. وترى أن واشنطن اختارت أخيراً مسألة فرض العقوبات بوصفها أقل تكلفة ولا يترتب عليها دفع أي أثمان بشرية أو مادية في حال ارتأت أن لديها أسلوباً آخر للتضييق على «الحزب».
وفي هذا السياق؛ تستحضر المصادر عيّنة من التدابير التي لجأت إليها واشنطن؛ ومنها إلغاء سمات دخول كانت أُعطيت لعدد من رجال الأعمال اللبنانيين بذريعة أنهم يتعاملون مع النظام السوري ويستعدّون لتنفيذ مشاريع في سوريا استباقاً للوصول إلى حل سياسي للأزمة، ناهيك بأن واشنطن تريد من خلال عقوباتها الضغط على بعض الدول الأوروبية لإقناعها بأنه لا تمييز بين جناح سياسي لـ«حزب الله» وآخر عسكري.
وإلى أن يصدر موقف رسمي لبناني حيال العقوبات، كما يطالب «حزب الله»، فإن أوساطاً شبه رسمية ترى أنها لم تحمل أي جديد، وأن ما صدر عن الرؤساء الثلاثة ينم عن الموقف المطلوب، وإذا كان هناك إصرار من الحزب على صدوره؛ فإنه سيبقى تحت المواقف التي صدرت.
من جهة ثانية، تستبعد مصادر لبنانية أن يكون هناك ترابط بين هذه العقوبات والتحضير لصدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمتعلق باغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي ومحاولتي اغتيال النائب مروان حمادة ونائب رئيس الحكومة السابق إلياس المر، وهذا ما أُبلغ به وزير العدل ألبير سرحان والمعنيون بالقرار.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن للمحكمة الدولية مسارها، وألا تزامن بين صدور القرار الاتهامي، والعقوبات، وأن القرار مرتبط كلياً بجريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. كما علمت أن قاضي الأمور التمهيدية في المحكمة صدّق على القرار الاتهامي وأن المتهمين هم الأشخاص أنفسهم الذين اتُّهموا بتنفيذ جريمة اغتيال الحريري، وبالتالي؛ فإنه سيعاد فتح المحاكمة من جديد لمحاكمة هؤلاء وعلى أساس التلازم بين الجريمتين.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.