نصف الأفلام جاءت إلى مهرجان تورنتو بحثا عن موزعين

أفلام تمزج الواقع بالخيال

لقطة من «إسكوبار: الجنة المفقودة»
لقطة من «إسكوبار: الجنة المفقودة»
TT

نصف الأفلام جاءت إلى مهرجان تورنتو بحثا عن موزعين

لقطة من «إسكوبار: الجنة المفقودة»
لقطة من «إسكوبار: الجنة المفقودة»

يدور كل شيء في مهرجان تورنتو حول اللحظة الآنية، ولا شيء عن تلك التي مرّت، إلا أنه بالإمكان لمن زار هذا المهرجان من قبل ملاحظة الخدود العميقة التي سادت العمل في السينما وحولها خلال السنوات العشرين الماضية.
فمثل كل مهرجان آخر، أصاب التغيير هذا المهرجان. بات أكبر وأضاف إلى مسؤولياته السابقة - التي كانت لم شمل الأفلام الجيّدة من كل أنحاء العالم وعرضها لجمهور متعطش معظمه كندي وأميركي جاء يتعرّف - مسؤوليات أخرى. في السابق، كان الجمهور هو الهدف. في مطلع التسعينات أخذت تتشكل بوادر السعي لكسب ود الشركات الأميركية الكبيرة، وفي السنوات الست الماضية تم لتورنتو كسب ذلك الود ضمن استراتيجية مفادها الاستحواذ على القمّة بين مهرجانات أميركا الشمالية.
لا يزال يعرض أفلاما فنية وغير تجارية للجمهور الباحث عن الفن والقيمة، لكنه يهتم أكثر بتوفير الجو المناسب للصناعة وأهلها. في السابق، كانت سيارات «الليموزين» الطويلة محصورة في دزينة من المهام، الآن تتجمّع أمام كل فندق درجة أولى طوال النهار مشغولة بنقل مستأجريها من اجتماع عمل إلى آخر.
في السابق، كنت لا تزال تجد فنادق تحط بها إذا لم تحجز مبكرا. الآن عليك أن تحجز للعام المقبل من الآن.
في الماضي عشرة حفلات ساهرة في الأيام العشرة التالية ليوم الافتتاح، الآن يبدو أن هناك عشرة حفلات ساهرة في كل يوم.
في أحدها وجدنا الممثل بينيثيو دل تورو جالسا مع رجلين في ركن يتحدثان بجدّية لا تناسب السهرة. لا تستطيع أن تدلف إلى هذه المجموعة لكي تقول «مرحبا»، لكنك تستطيع أن تلحظ أن بينيثيو هو الذي يميل إلى الصمت. لاحقا ما تعلم أن أحد الشخصين الآخرين هو الإيطالي أندريا دي ستيفانو الممثل الذي لعب دور أمير هامبورغ في فيلم «أمير هامبورغ» ودور الراهب في «حياة باي»، والذي انتقل إلى الإخراج عبر فيلم جديد من بطولة بينيثيو هو «إسكوبار: جنة مفقودة». الشخص الثالث أحد مسؤولي استوديو «يونيفرسال»، والاجتماع كان لبحث إمكانية شراء الشركة الكبيرة هذا الفيلم الجديد الصغير.
في مثل هذه المناسبات، مساعدة الممثلين لمخرجيهم أو منتجي أفلامهم في اجتماعات كهذه أمر مهم. لكن القرار في النهاية هو للحذر في مثل هذه الأيام. الفيلم الذي شوهد في اليوم التالي، لا بأس بمستواه فنيا وموضوعه مهم جدا، لكن على «يونيفرسال»، أو أي شركة أخرى، أن تنظر إليه من زاوية وحيدة: استرجاع ما ستدفعه في سبيل شراء حقوقه وفوق ذلك ربحا.
سيرة غير كاملة
الموضوع المهم يتعامل وسيرة حياة رئيس العصابة الكولومبية الذي دوّخ البوليس الأميركي والمكسيكي والكولومبي على حد سواء لسنوات عديدة بابلو إسكوبار. يؤدي الدور دل تورو نفسه، ومن قرأ ذلك التحقيق المثير والطويل على صفحات مجلة «ذا نيويوركر» الأسبوعية قبل ستة أشهر أو نحوها يدرك حماس السينمائيين لتحويل قصّة حياة إسكوبار إلى فيلم، علما بأن الفيلم المنجز الآن لم يُقتبس عن ذلك التحقيق، بل هو نتيجة مشروع بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2012 وانتهى تصويره قبل سنة وإعداده قبل ثلاثة أشهر.
الفارق بين المادّة المنشورة عن حياة بابلو إسكوبار في أشهرها الأخيرة متنكرا ومتنقلا بين المخابئ ومتسللا في أنفاق تحت الأرض، وبين الفيلم، أن الأخير يعمد إلى تقديم شخصية مستقاة من الخيال لشاب (جوش هشتنسون) تقوده الظروف للتعرّف على «الزعيم بين كل زعماء المخدّرات في أميركا اللاتينية» إسكوبار. هذا منهج كان اعتمده المخرج كيفن ماكدونالد سنة 2006 عندما عمد وكتّابه البريطانيون (بيتر مورغان أحدهم) إلى خلق شخصية مستقلة هي شخصية الطبيب نيكولاس (أداها جيمس ماكفوي) الذي يجد نفسه وجها لوجه أمام الرئيس الأوغندي عيدي أمين (فورست ويتيكر) في فيلم «آخر ملوك اسكوتلندا». الحكاية بالتالي دارت حول ذلك الطبيب في حين تم تحييد شخصية عيدي أمين لدور شبه مساند ولو أنه نال عنه أوسكار أفضل ممثل في العام التالي.
هنا أحد أبطال «لعبة الجوع»، هشتنسون، هو ذلك الشخص الذي عبره يتطرّق الفيلم إلى شخصية إسكوبار.
هذه السيرة غير الكاملة التي تؤلّف المشاهد الخيالية بينما تسوق من حين لآخر بعض خيوط الواقع، ليست الوحيدة مما يمكن اعتباره، ولو إلى حد، أفلام سيرة. لعل أكثر هذه الأفلام سعيا للالتصاق بالحقيقة فيلم هندي شهد اهتماما لا بأس به كونه يدور حول الملاكمة الهندية ماري كوم التي، كما يكتشف امرؤ مثلي لم يسمع بها قبلا، فازت في بضع مباريات دولية. تؤديها بريانكا شوبرا تحت إدارة المخرج أومونغ كومار.
فيلم هندي آخر دعم الحضور السينمائي القادم من نيودلهي هو «مارغريتا.. بقشّة» (Margarita‪,‬ With a Straw) الذي يدور حول طالبة نابغة اسمها كالكي تركت جامعة دلهي وأمت نيويورك بحثا عن مستقبل يناسب طموحاتها.
وفي صفوف المدارس يجول الفيلم الفرنسي «هذه أرضي» بين المدارس الفلسطينية والإسرائيلية باحثا عن «الحقيقة» في «ادعاء» كل طرف أن هذه الأرض هي أرضي أنا. إنه فيلم تسجيلي لتمارا إردي التي تأخذ على عاتقها القيام بتصوير زياراتها لست مدارس موزعة على جانبي الجدار الفاصل لتنجز فيلما مثيرا للاهتمام لكنه ليس خارقا للتصوّر.
فيلمان من كوريا (الجنوبية بالطبع إذ لا أثر سينمائيا لكوريا الأخرى على الخارطة) يثيران الاهتمام: «عربة» هو رابع فيلم للمخرج بو جي وونغ وله نزعة عمّالية، إذ يدور حول عدد من الموظفين والعمّال في محل كبير يتحدون معا بعدما واجه بعضهم الإقالة لأسباب اقتصادية.
الفيلم الثاني هو «براءة قرمزية» ليمي فيل سونغ، أحد الواعدين من الجيل الجديد (شأنه في ذلك شأن المخرج الكوري الآخر) وهو اقتبس فيلمه عن رواية كلاسيكية حول بروفسور في الجامعة تبدأ مشاكله عندما يضعف بصره لدرجة العمى. بذلك لا يواجه مشاكل بدنية لم يعتد عليها من قبل، بل يصبح أكثر تسلّطا عندما تقع في حبّه فتاة اعتقدت أنها ستكون سندا له.
نوافذ معرفة
الواقع أن الأفلام والحكايات تتعدد وهي موزّعة (حتى مساء اليوم حين ينتهي المهرجان) على نحو عشرين صالة بمعدّل يقترب من 27 فيلما كل يوم. هي أفلام كثيرة نصفها على الأقل جاء يبحث عن فرص توزيع، ونصف هذا النصف وجد ما جاء يبحث عنه. لكن إذا ما عاينا الناحية الفنيّـة، فإن هذه الكثرة لم تنجب أعمالا خارقة المواصفات. اكتشافات تتعدّى المحيط المباشر لبعض الأفلام وتلهب أنفاس المعنيين على شتى جوانب الحدث جمهورا ونقادا وسينمائيين.
أكثر من ذلك، فإن الكثير من المثقفين والهواة يعتبرون أن الأفلام الجماهيرية الكبيرة ليست السبب الذي من أجله يشترون البطاقات ويقفون في الصفوف الطويلة ويحضرون الأفلام. هذه الآتية من هوليوود وجوارها يستطيعون انتظارها لحين عرضها التجاري القادم بلا ريب.
منطق صحيح لمن يعتبر السينما نافذة للمعرفة وليست بابا للترفيه. لكن على الجانب الآخر من هذا الاعتبار تبقى حقيقة أن المواضيع التي تطرحها الأفلام الهوليوودية هي التي يقبل عليها القسم الأكبر من المشاهدين طوال السنة.
وهذه كانت كثيرة هذا العام، قليل منها ورد في التقارير السابقة. غالبها توالى خلال الأيام العشرة الماضية مثل يوم ماطر عليك فيه أن تخرج من البيت ومن دون مظلة واقية.
لدينا «المُوازي» (The Equalizer) لأنطوان فوكوا، وبطولة دنزل واشنطن، المأخوذ عن المسلسل التلفزيوني الذي قام ببطولته الممثل (الأبيض) إدوارد وودوورد في الثمانينات: «تحرّي» يعمل بشروطه الخاصة ويحقق العدالة في نهاية كل شوط. هذا اللقاء بين المخرج وبطله هو الثاني من بعد فيلمهما «يوم التدريب» الذي شارك إثان هوك في بطولته.
في الجو البوليسي ذاته شاهدنا «الفرنسي» لسيدريك جيمينيز المأخوذ من وقائع حقيقية حول سعي البوليس الفرنسي للإيقاع بعصابة من المافيا في مارسيليا. جان دوجاردان («الفنان») قاد البطولة. اللافت أن هذا العنوان الإنجليزي للفيلم هو «الاتصال» (The Connection)، وانطلاقا من ذلك ومن موضوع الفيلم وموقع أحداثه يبدو أن الغاية كانت الاستفادة من الدرب الذي شقّه فيلم «الاتصال الفرنسي» لويليام فردكن (1971) أو من الجزء الثاني (الذي تقع أحداثه في مارسيليا فعلا) الذي حققه جون فرانكنهايمر بعد ثلاث سنوات على إنتاج الأول.
فيلم فرنسي آخر شهد اهتماما ملحوظا هو «الصديقة الجديدة» للمخرج الذي لا يتوقّف عن العمل إلا ليبدأ من جديد فرنسوا أوزون. وفي «البوابة» للمخضرم ريغيه فارنييه عودة إلى حكايات الفرنسي في الشؤون الشرق جنوب آسيوية كما الحال في أبرز عملين له «إندونيسيا» و«شرق - غرب».
جبران رسوم متحركة
وفي مقابل الفيلم الأميركي «قتل جيّد» الذي استعرضناه سابقا هناك «كذبة جيّدة» الذي يحاذي، مثل ذلك الفيلم، الأشواك السياسية، لكنه ينجح في اجتيازها على عكس فيلم أندرو نيكول المذكور. الفيلم الجديد من بطولة ريز ويذرسبون ومن إخراج الكندي فيليب فالارديو الذي سرق الاهتمام قبل ثلاث سنوات عندما أخرج «مسيو لازار» عن المعلّم الجزائري الذي جيء به للتدريس ليكتشف الطلاب، بعدما تعلّق بعضهم به، أنه لاجئ والسلطات تطلبه لكي تعيده إلى بلاده.
الفيلم الجديد يدور حول امرأة تقرر أن تنقذ مستقبل أربعة أطفال سودانيين التقطتهم خلال رحلة إنسانية لها. لكن هذا الفيلم لم يكن الفيلم الأكثر استئثارا من بين جديد الممثلة ويذرسبون. قبله بأيام شهدنا العرض العالمي الأول لفيلم «البرية» (Wild) للمخرج الذي قدّم في العام الماضي «دالاس بايرز كلوب» جان مارك فاليه.
الفيلم الجديد يتمحور حول الممثلة ويذرسبون في دور امرأة تقرر القيام برحلة تمتد لأكثر من ألف ميل (من حدود المكسيك إلى جبال ولاية أوريغون) لعلها تجد في العزلة والوحدة وشقاء الرحلة جوابا عن أسئلة حياتها المتكاثرة بعد فشل زواجها وتعرّضها لمحطات حياة قاسية.
يبرز من الماضي فيلم شون بن «إلى البرية» (Into the Wild). لجانب العنوان المتشابه هناك تلك الرحلة الكبيرة في الطبيعة التي لا تكن، على هذه الشاكلة، سوى العداء لشخص أعزل من التجربة. المختلف هو أن إميل هيرش كان مناسبا ليمثل شخصية الشاب الذي ينطلق غير لاوٍ على شيء معرض نفسه للتهلكة، في حين أن المرء عليه أن يتغاضى عن أن ويذرسبون أكبر سنّا من الشخصية التي تقوم بتمثيلها. كلاهما، من ناحية أخرى مقتبس عن حدث حقيقي منشور في حقل المغامرات الواقعية.
أخيرا، ولن يكون آخرا، ها هي سلمى حايك تنجز ما كان سبق لها أن قدّمت جزءا يسيرا منه في «كان»: «النبي لخليل جبران» الذي أنتجته بتمويل كندي، أميركي، فرنسي، لبناني، قطري كفيلم أنيميشن مع صوت ليام نيسون قارئا لأشعار الأديب اللبناني الذي لا يذكر التاريخ أنه اكترث للسينما يوما.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».