الأسد يصطدم بـ«جدار حماة - إدلب» مع صمود المعارضة في الجبهات

TT

الأسد يصطدم بـ«جدار حماة - إدلب» مع صمود المعارضة في الجبهات

يواجه هجوم الرئيس السوري بشار الأسد في شمال غربي سوريا ضربات مضادة مؤلمة من المعارضة، ما يؤكد إصرار تركيا على إبقاء هذه المنطقة بعيدة عن قبضة الأسد الذي سيكون عليه خوض المزيد من المعارك لاستعادة ما بقي من الأراضي السورية بالقوة، حسب تقرير لوكالة «رويترز».
وبعد مرور ما يزيد على شهرين على بدء عملياتٍ بدعم روسي في محافظة إدلب وفي محيطها، لم يحصد الأسد مكاسب تُذكر، ويمثل ذلك حالة نادرة لحملة عسكرية لا تسير وفق هوى الأسد منذ تدخلت روسيا في الحرب عام 2015.
وفي الوقت الذي تصدى فيه مقاتلو المعارضة لهجمات القوات الحكومية، فقد نجحوا أيضاً في إحراز القليل من التقدم في بعض المناطق، اعتماداً على مخزونات وفيرة من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات قالت مصادر في المعارضة ومصادر دبلوماسية إن تركيا أمدتهم بها.
وقال مصدر في المعارضة: «يستهدفون حتى الأشخاص بصواريخ... يبدو أن لديهم فائضاً وأعداداً كافية. يستهدفون أفراداً بهذه الصواريخ ما يعني أنهم مرتاحون». ولم تردّ وزارة الخارجية التركية على طلب للتعليق على تقارير بأن أنقرة عززت إمداداتها العسكرية للمعارضة السورية.
ومع التزام تركيا بدعم المعارضة، تقف المعركة في شمال غربي سوريا على النقيض تماماً من حملة جنوب غرب البلاد قبل عام حينما لم تحرك دول غربية وعربية ساكناً في الوقت الذي نجح فيه الأسد وحلفاؤه بدعم روسي وإيراني في استعادة المنطقة.
ورغم الدعم الروسي في المعركة الأحدث، تدور تساؤلات حول ما إذا كان الأسد وحلفاؤه على وفاق تام فيما يتعلق بالمعركة في شمال غربي البلاد، حيث نشرت تركيا قوات بالاتفاق مع روسيا وإيران.
وبدت موسكو حريصة على الحفاظ على علاقاتها مع أنقرة حتى مع شن سلاح الجو الروسي ضربات دعماً للأسد. وتقول تركيا إن روسيا تدخلت لوقف هجمات على القوات التركية جرى شنها من منطقة تسيطر عليها الحكومة السورية.
وفي هذا التوقيت لا يبدو أن هناك دوراً كبيراً للميليشيات المدعومة من إيران والتي ساندت الأسد حتى انتصر في أنحاء من سوريا لها أهمية أكبر بالنسبة إلى إيران، بما في ذلك منطقةٌ قرب العراق ولبنان وإسرائيل.
ولا تزال السيطرة على جنوب غربي البلاد قبل عام آخر انتصارات الأسد الكبرى. وتخبو آمال تحقيق مزيد من التقدم، ليس فقط بسبب المصالح التركية في شمال غربي سوريا بل بسبب وجود القوات الأميركية في شرق البلاد وشمالها الشرقي أيضاً.
ويستمر دعم القوات الأميركية لمقاتلين يقودهم أكراد بعد تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عن قراره في ديسمبر (كانون الأول)، سحب كل القوات.
وبعد مرور ما يزيد على ثمانية أعوام على بدء الحرب، صار النفوذ في سوريا مقسّماً بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران. ولن يتغير هذا الوضع على الأرجح في المستقبل القريب.
وقال دبلوماسي غربي، طلب عدم نشر اسمه، حتى يستطيع الكشف عن تقييمه: «يمكننا أن نرى خطوط الجبهة وهي تشتد وتبقى على هذا الوضع لبعض الوقت، بينما لا توجد رغبة أو مقدرة على اختراق تلك الخطوط من جانب النظام أو حلفائه».

«كسر عظم للطرفين»
تسيطر هيئة تحرير الشام، ومقاتلوها كانوا يُعرفون بانتمائهم سابقاً إلى جبهة النصرة، على منطقة إدلب. ويعد مجلس الأمن الدولي الهيئة منظمةً إرهابية. وتركت هذه الجماعة صراعها السابق مع مسلحين من المعارضة، تدعمهم تركيا، لتدافع عن منطقة شمال غربي سوريا.
وقال العقيد مصطفى بكور، القيادي في جماعة جيش العزة المعارضة، إن التنسيق بين مقاتلي المعارضة يمثل عنصراً رئيسياً في إحباط هجمات القوات الحكومية.
وأضاف في ردود مكتوبة على أسئلة من «رويترز»: «بالنسبة إلى سير المعارك، أتوقع استمرارها لفترة كونها تعد معركة كسر عظم للطرفين».
وسيطرت الحكومة على نحو 20 بلدة بعد حملة لجأت فيها إلى الضربات الجوية والبراميل المتفجرة منذ أواخر أبريل (نيسان). وأدى ذلك إلى هجوم مضاد من المعارضة في أوائل يونيو (حزيران) نجحت خلاله في السيطرة على أراضٍ لم تتمكن الحكومة من استعادتها حتى الآن.
ووصفت الحكومة السورية عملياتها بأنها رد على انتهاك المعارضة لاتفاقات وقف إطلاق النار. وتقول روسيا إنه من الضروري اتخاذ إجراء لوقف شن الهجمات من إدلب، ومنها هجمات بطائرات مسيّرة على قاعدة جوية روسية قريبة. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في شهر أبريل، إن شن عملية شاملة في إدلب لن يكون خياراً عملياً في الوقت الحالي.
ورغم عدم إعلان الحكومة السورية أهداف الحملة، تعتقد مصادر في المعارضة أن الهدف كان السيطرة على طريقين سريعين يمران عبر منطقة تسيطر عليها المعارضة.
وتحرك نحو 300 ألف شخص، هرباً من القصف، تجاه الحدود مع تركيا منذ أبريل، مما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من أن إدلب صارت على شفا «كابوس إنساني».
وبالنسبة إلى تركيا، آخر دولة كبرى تدعم المعارضة السورية، فإن تجنب تدفق آخر كبير للاجئين السوريين إليها يشكل أهمية قصوى. وتستضيف تركيا حالياً 3.5 مليون لاجئ سوري.
وبينما تتهم تركيا الحكومة السورية باستهداف المدنيين ونقاط المراقبة العسكرية في منطقة إدلب، فإنها أحجمت عن تحميل روسيا مسؤولية ذلك وقالت إنها ستواصل التعاون مع موسكو بشأن شمال غربي سوريا.
وقالت وزارة الخارجية التركية في رد مكتوب على أسئلة من «رويترز»: «جرى توصيل الرسائل الضرورية لمسؤولين روس لوقف الهجمات على نقاط المراقبة التابعة لنا وعلى المدنيين» في منطقة إدلب.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قُتل مئات المدنيين، فضلاً عن كثير من المقاتلين من الطرفين. ووصف رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، العملية بأنها فاشلة على كل المستويات سواء بالنسبة إلى روسيا أو دمشق.
وقال متعاقد خاص مع الجيش الروسي، يعمل قرب محافظة إدلب، لـ«رويترز» إن مقاتلي المعارضة هناك محترفون بدرجة أكبر وتحركهم حوافز أكثر مقارنةً بأعدائهم، وإن القوات الموالية للحكومة لن تستطيع تحقيق النصر في معركة إدلب إذا لم تساعدهم موسكو ميدانياً. وقال دبلوماسي غربي ثانٍ إن الحكومة مُنيت بخسائر بشرية فادحة في مقابل تحقيق القليل من المكاسب، وهو أمر «محرج للغاية». وأضاف: «تركيا تحاول إخبارهم بأنه «لا يمكنكم أخذها عسكرياً. عليكم التفاوض».
ووصف مصدر في المنطقة، مقرب من دمشق، التصعيد منذ أبريل بأنه مواجهة محدودة، قائلاً إن علاقات روسيا مع تركيا هي الكابح الرئيسي لأي هجوم شامل للسيطرة على شمال غربي البلاد. وأضاف: «طبعاً لديه رغبة في استعادتها بالقوة لكن لا يستطيع... من دون الروسي لا يستطيع، لأن هؤلاء أعدادهم كبيرة وروسيا متمسكة بالأتراك تماماً». وتابع قائلاً: «التوقعات لإدلب أن يبقى الوضع على هو عليه، على مدى زمني طويل».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».