الحكومة التركية تسعى لنزع فتيل أزمة الإصلاح القضائي

بينما تواصل الحكومة التركية جهودها لتسوية الأزمة التي بدأت بعد عرض مشروعها لإصلاح قضائي، أعلن الرئيس التركي عبد الله غل أمس تأييده «لتسوية» بين الحكومة والمعارضة بشأن مشروع القانون المثير للجدل عن الإصلاح القضائي الذي أثار تنديدا في البلاد بوصفه محاولة لإخماد فضيحة الفساد التي تهز النظام.
وقال غل للصحافيين إن «تسوية بين الحزب الحاكم والمعارضة من شأنها تسهيل نشوء مناخ موات في البلاد والإظهار للجميع، في الداخل والخارج على السواء، أن مشكلاتنا تحل في إطار ديمقراطي».وأضاف أن «ما يهم ليس فقط إنهاء الجمود الحالي لكن أيضا تسهيل إيجاد مناخ موات في البلاد».
وبعد التحذيرات التي قدمها الاتحاد الأوروبي وواشنطن خصوصا، شدد الرئيس التركي أيضا على الحاجة لتوافق الإصلاح القضائي الذي تدافع عنه الحكومة مع المعايير الأوروبية.
وأشار غل إلى أن «فصل السلطات له الأولوية في تركيا، في حال حصول مشكلة، يجب مناقشتها وحلها. أظن أنه من الأفضل حلها عن طريق التعديلات الدستورية. وأود أن يحترم هذا الإصلاح الدستوري معايير الاتحاد الأوروبي».
والتقى وزير العدل التركي بكر بوزداغ أمس قضاة المجلس الأعلى للقضاة والمحامين بعدما أثار مشروع إصلاح القضاء الذي أعلنته الحكومة قبل أيام غضب المعارضة التي عدته مخالفا للدستور. وتلقى أبرز خصوم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتحفظ شديد اقتراحه تجميد مشروع القانون بشروط، لا سيما وأنهم على قناعة برغبته بتأديب القضاء.
وقال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري فاروق لوغوغلو لوكالة الصحافة الفرنسية إن «رئيس الوزراء عرض تجميد نصه بدلا من سحبه».
وأضاف أن «الحكومة مصممة فعلا على المضي في اقتراحها فرض رقابة على المجلس الأعلى للقضاة والمدعين»، مكررا القول إن «حزبه لن يبحث الإصلاح طالما لم تسحب الحكومة مشروعها».
من جهته استبعد الحزب من أجل حركة شعبية، القومي المتشدد، بشكل قاطع حتى فكرة إجراء تعديل دستوري يتعلق بالقضاء في البلاد. وقال نائب رئيس الحزب أوكتاي فورال إن «مثل هذا الأمر سيؤدي إلى عرقلة عمل المؤسسات القضائية من أجل محاولة إخفاء التحقيق الحالي حاليا».
ورغم هذا الرفض كرر نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش القول إن حكومته مستعدة لتجميد نصها بشرط أن تقبل المعارضة الذي تعد مخالفا للدستور، مبدأ إدخال إصلاح.
وقال الناطق باسم الحكومة أمس «إذا تمكنت الأحزاب الثلاثة الأخرى (الممثلة في البرلمان) من التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية الأسبوع، فإن الإصلاح سيسحب من برنامج عملنا». ومشروع الإصلاح الذي لا يزال قيد البحث حتى أمس أمام لجنة برلمانية، يهدف إلى إعطاء الحكومة الكلمة الفصل في كل تعيينات القضاة من قبل المجلس الأعلى، أحد أهم مؤسسات البلاد. ورغم بادرته يبدو أن إردوغان ليس مصمما على التراجع.
وقال رئيس الوزراء أول من أمس «لقد دافعنا عن استقلالية القضاء وقمنا بالكثير من الإصلاحات، لكن هناك أمرا أكثر أهمية من استقلالية القضاء وهو حياده».
وأفادت الصحافة التركية أمس أن ستة مسؤولين كبار في شرطة أنقرة أقيلوا من مهامهم. ومنذ شهر تم تسريح أكثر من ألف عنصر أمن في حملة تطهير غير مسبوقة. ويشتبه إردوغان في أن حركة الداعية الإسلامي فتح الله غولن التي تخوض نزاعا مفتوحا ضد الحكومة، أمرت بـ«مؤامرة 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي» هذه لزعزعة استقرار حكومته قبل الانتخابات البلدية المرتقبة في 30 مارس (آذار) والرئاسية في أغسطس (آب) القادمين.
وكرر إردوغان أول من أمس قوله إن «17 ديسمبر (كانون الأول) نقطة سوداء في تاريخ الديمقراطية في تركيا فاقت كل المحاولات الانقلابية الأخرى السابقة». وشن أمس هجوما جديدا على جمعية الداعية المسلم فتح الله غولن المتهمة بالتآمر ضده، منددا بـ«إمبراطورية الرعب» التي أقامتها في تركيا.
وفي كلمة أدلى بها في أنقرة أمام السفراء الأتراك، طلب إردوغان من الحضور أن يصفوا لزملائهم الأجانب «الوجه الحقيقي لهذه المنظمة، وطموحاتها ومآربها» إضافة إلى «أبعاد الخطر» الذي تمثله.
وقال إردوغان أيضا إن «إمبراطورية الرعب التي أقامتها هذه المنظمة ولا سيما في القضاء والشرطة، ينبغي أن توضح بالكامل». إلا أن إردوغان لم يحدد خصمه بوضوح على الإطلاق ولم يسمه إلا باسم «منظمة» أو «عصابة إجرامية».
واتهم رئيس الوزراء أيضا أتباع غولن بأنهم بدءوا «حملة افتراء ليثبتوا أن تركيا تدعم الإرهاب». وقال «نحن ضد (القاعدة) و(النصرة). تركيا استحقت مكانتها في مكافحة الإرهاب الدولي».
وخلص إردوغان إلى القول «لا نقبل الإرهاب سواء كان انفصاليا أو دينيا أو إثنيا أو طائفيا. الإرهاب بالنسبة إلينا إرهاب أيا كان مصدره. وندينه بشدة». وفي إطار عملية تستهدف «القاعدة»، فتشت الشرطة التركية أول من أمس في جنوب البلاد مكاتب مؤسسة المساعدات الإنسانية، وهي منظمة إسلامية غير حكومية مقربة جدا من الحكومة.