فيلم «إذا…» يعود للساحة بعد 50 عاماً من فوزه بالسعفة الذهبية

فتح النار على نظم التعليم والتقاليد معاً

لندساي أندرسن
لندساي أندرسن
TT

فيلم «إذا…» يعود للساحة بعد 50 عاماً من فوزه بالسعفة الذهبية

لندساي أندرسن
لندساي أندرسن

تُعيد شركة كريتيريون، المتخصصة بإطلاق الأفلام القديمة والكلاسيكية على أسطوانات، إطلاق فيلم ليندساي أندرسون «إذا…» (If‪…‬) بمناسبة مرور 50 سنة على فوز الفيلم بسعفة مهرجان «كان» الذهبية. كذلك، وفي الثاني من هذا الشهر، تم إصدار كتاب يحمل، في أحد فصوله، تجربة مؤلف الكتاب مع ذلك الفيلم الذي اشترك في تأليفه.
الفيلم من بطولة مالكولم مكدوول (76 سنة حالياً) الذي ما زال نشطاً في التمثيل كما كان عهده دائماً. بجعبته 127 فيلماً وعدد المشاريع المقبلة التي إما يقوم بالعمل بها الآن أو تنتظره خلال السنتين المقبلتين 11 فيلماً تنتقل به ما بين القارتين، أميركا وأوروبا.
مكدوول آنذاك كان جديداً على المهنة. ظهر في فيلم واحد من قبل هو «فتاة مسكينة» (Poor Cow وكلمة «بقرة» تستخدم في مثل موضوع الفيلم مجازاً) لمخرج غاضب آخر اسمه كن لوتش. في «إذا…» لعب دور متمرد اسمه ميك يتحدّى نظام المدرسة الخاصة التي يتابع بها تعليمه وعندما يجد في أحد المخازن بعض الأسلحة النارية المدفونة منذ الحرب العالمية الثانية، يستخدمها لنقل تمرده من السلم إلى العنف.
انطلاقاً من هذا الفيلم، تبلور مكدوول كأحد شبّان السينما من الممثلين الجدد وانتقل سريعاً من صف غير المعروفين إلى صف النجوم المحليين قبل أن يعزز ذلك لاحقاً متبوءاً شهرة عالمية. فبعد «إذا…» وجد نفسه في فيلم جوزيف لوزي «شكلان في البرية» (Figures in Landscape) ثم في فيلم ستانلي كوبريك الشهير «كلوك ورك أورانج» (1971). هذا قبل أن يعود ليلعب بطولة الفيلم التالي للندساي أندرسن «رجل محظوظ» (O Luck Man)، الفيلم الذي - كما حال «إذا…» أثار نقداً كبيراً بين أوساط متعددة.
منافسة شديدة
بالنسبة لفيلم أندرسن، فإن النقد وُجّه إليه حال عرضه الأول في المهرجان الفرنسي حيث قام أحد الحاضرين، لم يكن سوى سفير بريطانيا لدى فرنسا، بمواجهة المخرج وقال له محتجاً: «هذا الفيلم هو إهانة لبريطانيا» فما كان من أندرسن إلا أن رد: «هو إهانة لبلد يحتاج لأن يُهان».
من حسن حظ الفيلم ومخرجه الذي كان تخرج في مدرسة مشاغبين سينمائية ضمّت كذلك توني رتشردسون وكارل رايز وييرزي سكولوموڤسكي وجون شليسنجر وجاك كلايتون، أن رئيس لجنة التحكيم لم يكن سوى الأرستقراطي الإيطالي الناقد لمحيطه أيضاً وهو المخرج لوكينو فيسكونتي الذي أهدى الفيلم سعفة «كان» وسط ما يصفه روّاد الدورة الثانية والعشرين من المهرجان الفرنسي، «حالة ذهول مطبق».
ذلك لأنه من بين الأفلام الست والعشرين المتنافسة كان هناك أفلام أثارت قدراً أعلى من إعجاب النقاد مثل فيلم كوستا - غافراس «زد» وفيلم إريك رومير «ليلتي عند مود» (كلاهما فرنسي الإنتاج) وفيلم فولكر شولوندورف «المتمرد» (ألمانيا) وفيلم دنيس هوبر «إيزي رايدر» (الولايات المتحدة) كما فيلم سيدني لوميت «الموعد».
من بريطانيا نفسها كانت هناك ثلاثة أفلام متسابقة في تلك الدورة هي «إيزادورا» لكارل رايز و«رئاسة الآنسة جين برودي» لرونالد نيم. الخليط كان كبيراً بين العاطفي («ليلتي عند مود» والحب الكبير» لبيير إيتكس) والدرامي (مثل «الرجل الذي فكر بالحياة» للدنماركي ينز رافن و«الموعد» للأميركي لوميت) مع نسبة كبيرة من الأفلام السياسية كحال «عبيد» للأميركي هربرت بايبرمان و«زد» للفرنسي كوستا - غافراس و«أنطونيو داس مورتيز» للبرازيلي غلوبر روشا.
‫كل هذه الأفلام، بما فيها تلك السياسية (وبعضها متمرد كذلك مثل «إيزي رايدر») كانت جديرة باحتمالات فوزها على الأقل. لكن شيئاً في «إذا…» حرّك لجنة التحكيم لدفعه إلى الصدارة. ربما كان ذلك الشيء الشعور بأن العالم - آنذاك - كان بدأ يتغير وأن القواعد السابقة تحتاج إلى بعض ذلك التغيير.‬
‬يذكر ديفيد شروِن في كتاب صدر حديثاً له في مطلع هذا الشهر بعنوان «الجنون في هوليوود» (Going Mad in Hollywood) أن أحداً لم يتوقع لفيلم أندرسن الفوز مطلقاً. يلحظ، وقد صاحب الفيلم إلى المهرجان الفرنسي كونه أحد كاتبي السيناريو، أنه لا أحد من المسؤولين قدّم الفيلم قبل العرض ولا أحد تقدم بعد العرض منهم.
المواجهة بين الفنان وممثل الحكومة البريطانية كانت ردّة الفعل الوحيدة التي حصدها المخرج بعد العرض لجانب المقالات النقدية التي لم يستطع قراءتها لكونه كان يجهل الفرنسية.
أكثر من ذلك وجد أندرسن نفسه وحيداً خلال الأيام الثلاثة التي قضاها في مدينة كان. لا مقابلات تذكر ولا دعوات أو احتفاءات. ممثله مكدوول لم يستطع دفع ثمن مكالماته الهاتفية التي أجراها من الفندق وديفيد شروين تمشّـى على الكروازيت ملاحظاً «الرجال العجائز الذين يحضنون كلابهم ويراقبون الفتيات الصغيرات بثياب البحر».
بعد أن عاد الثلاثة إلى لندن تاركين المهرجان الذي كان ما زال قائماً، رن هاتف شروين في الساعة الثانية من بعد منتصف الليل. المتحدث كان أندرسن نفسه الذي نقل إليه خبر فوز الفيلم بسعفة المهرجان.
ثورة طلابية
بعد خمسين سنة من عمر الفيلم لا يبدو «إذا…» أقل جودة أو أقل إثارة. شوهد من جديد خصيصاً لهذا المقال ليخرج هذا الناقد منه معجباً بالجرأة التي تسنّـت للمخرج مواجهة العقلية الكلاسيكية التي كانت تدير شؤون التعليم آنذاك. هذا الفيلم ليس «غابة اللوح الأسود» (Blackboard Jungle) لرتشارد بروكس (1955) أو «إلى السيد مع حبي» (To Sir With Love لجيمس كلافل (1967) حيث يحاول الأستاذ حل معضلات طلابه المتمردين بالتي هي أحسن، بل فيلم عن تمرد مسلح من قِبل ثلاثة طلاب في دواخلهم ثورة شبابية كتلك التي أينعت في فرنسا في عام 1968 وهو العام الذي قام أندرسن بتصوير فيلمه هذا (أولاً تحت عنوان «الصليبيون» قبل تغييره إلى «إذا…»).
مفاده العنيف لا يمكن أن يلقى القبول، لكنه صدمة اليوم كما كان صدمة بالأمس وهذه دلالة أكيدة لموهبة مخرج يعرف أدوات العمل الفنية التي يعالج بها موضوعه. بعض الأفلام السياسية تبدو اليوم وقد شاخت (بما فيها، وإلى حد، فيلم كوستا - غافراس «زد») لكن «إذا…» حمل - بصرف النظر عن موقفه السياسي - تجديداً في كيان الفيلم البريطاني لم يكن متاحاً من قبل. ومشاهدته اليوم تعرض موقفاً جماعياً لشلة المخرجين المشاغبين الذين آلوا على أنفسهم نبش انتقادات لم تحفل السينما البريطانية بها أو تكترث لها.
مكدوول هو ميك وهو مختلف عن معظم الطلاب المنتمين إلى هذه المدرسة. وأندرسن يبدأ برصد المكان. المدرسة ذاتها أسست قبل مئات السنين. تعمل بنظام لا تخاله تغير. هي للنخبة من الطلاب لكن حتى ضمن النخبة هناك ثلاث طبقات الحكام (مسؤولو المدرسة) و«السينيورز» (الطلاب الذين أمضوا بضع سنوات في الدراسة) و«جونيورز» (الطلاب الجدد). الإدارة تضع نظاماً قاسياً وفئتين الطلاب عليها اتباعه. اندرسن يومئ هنا وهناك بأن شكل التعليم الذي نراه هو شبح من سنوات الإمبراطورية البريطانية وأشكال حكمها للمستعمرات.
ميك مع صديقه والاس (رتشارد وورويك) ليسا من المنضبطين بعد وهما يسرقان دراجة للهو في البلدة القريبة. الاثنان (مع شاب آخر متهم بالانفلات ذاته) يتعرضون لعقاب صارم. لاحقاً يكتشف الثلاثة مخرن أسلحة في عهدة المدرسة. ينضم إليهما شاب رابع وفتاة كان ميك تعرف عليها عندما زار البلدة. في يوم احتفالي تقيمه المدرسة ووسط خطاب ضابط عسكري الذي كان يلقيه مطالباً بالتقيد بالتقاليد التي أسست دعائم الحملات البريطانية ونجاحاتها، يفتح ميك ورفاقه النار على المحتفين.
يمين ويسار
ينتهي الفيلم برسالة مفادها تأييد المخرج لثورة طلابه حتى وإن كانت دموية. في وقتها كان هذا صوت اليسار البريطاني قبل عقود من تحوّل مهام القتل الجماعي في الكليات الأميركية إلى ممارسة يمينية متطرفة. كلاهما مدان لكن كلاهما ينطلق من آيديولوجية متناقضة تستخدم العنف وسيلة.
‫هناك تأثر بفيلم سابق لفيلم أندرسن هذا.
يعترف المخرج بأن بعض ما عرضه هنا مستوحى من مخرج متمرد آخر هو الفرنسي جان فيغو (الذي حقق أفلامه الخمسة ما بين 1930 و1934 ومات بعد إتمام فيلمه الأخير L’Atalante. فيغو كان لافتاً في حينها وتحوّل إلى أيقونة فنية لاحقاً بسبب تأثره (بدوره) بسينما الروسي دزيغا فرتوف. أحد أفلامه هو «زيرو الفناة» (Zero de Conduite وفيه حكاية أربع طلاب تمردوا على المدرسة المحافظة التي تضمهم.‬
نهاية فيلم أندرسن لا تعرف التنازل. النار المفتوحة على الرسميين من مديري المدرسة هي رمزية لنار يريد المخرج فتحها على نظام الحياة بأسرها. على تقليد سياسي واجتماعي ممارس عبّـر عنه كن لوتش مراراً وتكراراً في أفلامه واصطاد في بحيرته المخرج كوبريك عندما حقق بعد ثلاث سنوات فيلمه المعروف «ذا كلوكوورك أورانج».
ليس أن المشاهد عليه أن يوافق على نهاية تعفي القاتل من جريمته أو تبررها، لكن وقتها كانت الرغبة في بعث حلول لمجتمع عليه أن يلحق بما كان يقع من متغيرات أوروبية وأميركية عديدة تسود مخرجي موجة السينما البريطانية الجديدة ومخرجيها الغاضبين.
بعد هذا الفيلم حقق أندرسن «رجل محظوظ» الذي يبقى، لجانب «إذا…» أفضل أعماله. في عام 1982 حاول مجدداً رفع صوته المنتقد ضد النظام هذه المرّة راصداً مستشفيات بريطانيا كمصدر نقده. لكن الفيلم، وعنوانه «بريتانيكا هوزبيتال» لم يحرك ساكناً رغم أنه تمتع بما تمتع به فيلماه السابقان من حرارة النقد. شيء ما فات المخرج والقطار تحرك من دونه تاركاً إياه في المحطة وحيداً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».