الفكر والدين عند «أوريجين السكندري»

TT

الفكر والدين عند «أوريجين السكندري»

لعبت «المدرسة اللاهوتية» لكنيسة الإسكندرية دورها الريادي البارز في استخدام الفكر والفلسفة لدعم المسيحية وانتشارها من خلال الدفاع عن المعتقدات الأساسية للمسيحية وكنوع من التسويق الفكري للعقيدة المسيحية وسط مجتمعات فلسفية وروحية عميقة. وكان أعظم من أنجبته هذه المدرسة الدولية العريقة هو «أوريجين السكندري» أحد أهم الشخصيات الفكرية في التاريخ المسيحي على الإطلاق مهما اختلفت حوله الآراء بين مؤيد لأسلوبه في تفسير النص المقدس والمعارض بشدة، وقد تميز بين «مدرسة المدافعين» عن المسيحية من أمثال «الشهيد جاستنيان» و«تيرتوليان» باختلاف منهجيته القائمة على العقل والمجاز في فهم الكتاب المقدس.
لقد تميز «أوريجين» عن الكثير من معاصريه بأنه تعلم على أيدي الفيلسوف العظيم «أمونيوس ساكاس» رائد المدرسة «الأفلاطونية المحدثة» والتي مثلت إعادة تفسير وتطوير للفكر الأفلاطوني التقليدي، فمثل مع الفيلسوف «أفلاطين Plotinus» امتداداً لهذه المدرسة الفكرية والتي كانت تؤمن بوجود مصدر واحد أو «الأوحد» كأساس للوجود وأن الأفضلية لما هو غير مادي، وفي حين لجأ الأخير إلى الإلحاد ونبذ كل الأديان والالتزام بالأفلاطونية المُحدثة الصرفة، كان «أوريجين» شديد التدين ورأس المدرسة اللاهوتية السكندرية التابعة لكنيسة الإسكندرية، وسخر هذه المنهجية لمحاولة فهم العهد الجديد مؤكداً على مبدأ السمو الإيماني عبر المعرفة، مشدداً على أن الفلسفة شرطٌ أساسي لفهم الرسالة الإلهية دون الالتزام الحرفي بالمدرسة الفلسفية التي ينتمي لها المفكر، أو ما هو معروف بمبدأ الانتقاء الفلسفي. وفي هذا الإطار اعتنق «أوريجين» نظرية الإيمان المزدوج، فأكد على وجود مستوى إيماني خاص للعامة والبسطاء يتمثل في ظاهر الدين، وهؤلاء ليس عليهم واجب التدبر فيما وراء النص، أما الفئة الأخرى فتمثلت في النخب الفكرية المثقفة والتي وجب عليها التفكر فيما وراء النص الإلهي أو بمعنى أدق استشفاف الأبعاد الأعمق له، فنسب لهذه الفئة دوراً أساسياً في تثبيت العقيدة فكرياً، مصراً على وجود لاهوت فلسفي في النص يجب أن تداركه الألباب.
تميز فكر «أوريجين» بالتأكيد على الرمزية في الكتاب الإلهي، أو ما يمكن أن نطلق عليه المجاز، فقسم التفسير إلى ثلاثة، الأول ما وصفه بالمفهوم الحسي أو الظاهري والثاني النفسي أو الأخلاقي والثالث ما سماه بالمفهوم الروحي أو المجازي، وهو ما يمكن ترجمته ببساطة في ثلاثية الجسد والنفس والروح عند الإنسان، وقد اهتم «أوريجين» بالروح على وجه الخصوص لسموها عن الجسد، مؤكداً على عكس الأغلبية أن الروح كانت مخلوقة قبل أن تتحد بالجسد، وهو فكر أفلاطوني النزعة، وأن هذا الاتحاد مجرد مرحلة مؤقتة مرهونة بحياة الإنسان فيموت الجسد وتعود الروح مرة أخرى إلى عالمها، وقد أدت هذه الفرضية مع مفهوم المجاز المطلق في تفسير الكتاب المقدس إلى لفظ فكره من قبل آباء الكنيسة خاصة «بطريريك الإسكندرية» ما أدى إلى نفيه إلى «قيسرية»، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل الدولة الرومانية وتعذيبه خلال مرحلة الاضطهاد للمسيحية ومات بعد إطلاق سراحه متأثراً بالتعذيب.
لعل من أهم النقاط المحورية التي أشار إليها «أوريجين» مسألة التسيير والتخيير، فاعتنق الرجل مبدأ حرية الإرادة للإنسان ليس فقط لأن نفيها يدمر أساس الرسالة الإلهية المرتبطة بالوعد والوعيد، ولكنه وضع منهجية للخروج من هذه المعضلة الفكرية بأن الله سبحانه وتعالى قد منح الإنسان إرادته وهو يعلم كيف سيستخدم هذه الحرية، ومع ذلك فالحرية هنا لا تتأثر بالمعرفة الإلهية المسبقة لأن الكائن العاقل لا يجبر ضد إرادته، فالله يوجه الإنسان لفعل الخير ولكن الإنسان عليه أن يختار بين طاعة التوجيه الإلهي أو عدم الطاعة، مشدداً على أنه لولا صحة هذا المبدأ لأضحت الحياة الدينية عقيمة.
وقد كان مجمل هذا الفكر كفيلاً بخلق حجم لا بأس به من العداوات له، ولولا أنه تمادى في التطبيق الفلسفي لفهم طبيعة التثليث، خاصة مفهوم السيد المسيح أو الابن وفقاً للعقيدة المسيحية، فبرغم اعترافه الكامل بالتثليث، فإنه كان من أوائل من رفض مفهوم «الهومو أوسياس» أي الطبيعة الواحدة للأب والابن، وهو ما جعله منافياً تماماً لمبدأ الإيمان الذي تم إقراره في «المجمع المسكوني في نيقيا» عام 325م. بعد وفاته بعقود، ما أدى إلى تكفيره بعد مماته بنحو ثلاثة قرون في «مجمع القسطنطينية الثاني»، ولعنته من قبل الكنيسة.
وإذا تأمل المرء في نموذج هذا المفكر والفيلسوف الديني فلن يخطئ الفكر في استشفاف درسين هامين للغاية، الأول يتعلق بأهمية عدم التعامل مع أفكار المفكرين بأسلوب أحادي، فالتقييم الشامل غير مطلوب للشخص حتى يمكن أن نترك لأنفسنا مساحة قبول ما يمكن قبوله ورفض ما لا يمكن قبوله، أما الدرس الثاني والمكرر بشدة تاريخياً، فهو أن التعذيب ومحاربة الفكرة بالعنف لم يأت بالنتائج المرجوة، فالقمع الفكري والجسدي لا يجدي في قتل الفكرة، لأنها لا تقتل إلا بفكرة أخرى نابعة من منهجية سليمة خاصة في مسائل العقل والنقل عند التعامل مع الأديان، ويبقى في النهاية قوله تعالى «لكم دينكم ولي دين».



فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
TT

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي، لافتاً إلى أن الفيلم يحترم دور المعلم ويقدّره حتى مع وجود الطابع الكوميدي في العمل.

الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» بالنسخة الماضية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تدور أحداثه في 8 فصول حول رهان مدير المدرسة على تأسيس «الفصل الشرعي» ليقدم من خلاله نهجا مختلفاً عن المتبع.

وقال المطيري لـ«الشرق الأوسط» إن «المدرسة تشكل فترة مهمة في حياة كل شخص ولا تزال هناك ذكريات ومواقف راسخة في ذاكرتنا عنها، الأمر الذي سيجعل من يشاهد الفيلم يشعر بأن هناك مواقف مشابهة ربما تعرض لها أو شاهدها بالفعل خلال مسيرته التعليمية»، مرجعاً حماسه لتقديم شخصية الأستاذ «شاهين دبكة» مدير ثانوية «السويدي الأهلية» رغم كون الدور لرجل أكبر منه سناً إلى إعجابه بالفكرة التي يتناولها العمل وشعوره بالقدرة على تقديم الدور بشكل مختلف.

فهد المطيري مع أبطال الفيلم (الشركة المنتجة)

وأضاف المطيري: «إن الماكياج الذي وضعته لإظهار نفسي أكبر عمراً، استوحيته جزئياً من الفنان الراحل حسين الرضا خصوصاً مع طبيعة المدير ومحاولته المستمرة إظهار قدرته في السيطرة على الأمور وإدارتها بشكل جيد، وإظهار نفسه ناجحاً في مواجهة شقيقه الأصغر الذي يحقق نجاحات كبيرة في العمل ويرأسه».

وحول تحضيرات التعامل مع الشخصية، أكد المطيري أن خلفيته البدوية ساعدته كثيراً لكونه كان يحضر مجالس كبار السن باستمرار في منزلهم الأمر الذي لعب دوراً في بعض التفاصيل التي قدمها بالأحداث عبر دمج صفات عدة شخصيات التقاها في الواقع ليقدمها في الدور، وفق قوله.

وأوضح أنه كان حريصاً خلال العمل على إبراز الجانب الأبوي في شخصية شاهين وتعامله مع الطلاب من أجل تغيير حياتهم للأفضل وليس التعامل معهم على أنه مدير مدرسة فحسب، لذلك حاول مساعدتهم على بناء مستقبلهم في هذه المرحلة العمرية الحرجة.

وأشار إلى أنه عمل على النص المكتوب مع مخرجي الفيلم للاستقرار على التفاصيل من الناحية الفنية بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بطريقة الحديث أو التوترات العصبية التي تظهر ملازمة له في الأحداث، أو حتى طريقة تعامله مع المواقف الصعبة التي يمر بها، وأضاف قائلاً: «إن طريقة كتابة السيناريو الشيقة أفادتني وفتحت لي آفاقاً، أضفت إليها لمسات شخصية خلال أداء الدور».

المطيري خلال حضور عرض فيلمه في «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

وعن تحويل العمل إلى فيلم سينمائي بعدما جرى تحضيره في البداية على أنه عمل درامي للعرض على المنصات، أكد الممثل السعودي أن «هذا الأمر لم يضر بالعمل بل على العكس أفاده؛ لكون الأحداث صورت ونفذت بتقنيات سينمائية وبطريقة احترافية من مخرجيه الثلاثة، كما أن مدة الفيلم التي تصل إلى 130 دقيقة ليست طويلة مقارنة بأعمال أخرى أقل وقتاً لكن قصتها مختزلة»، موضحاً أن «الأحداث اتسمت بالإيقاع السريع مع وجود قصص لأكثر من طالب، والصراعات الموجودة»، مشيراً إلى أن ما لمسه من ردود فعل عند العرض الأول في «القاهرة السينمائي» أسعده مع تعليقات متكررة عن عدم شعور المشاهدين من الجمهور والنقاد بالوقت الذي استغرقته الأحداث.

ولفت إلى أن «الفيلم تضمن تقريباً غالبية ما جرى تصويره من أحداث، لكن مع اختزال بعض الأمور غير الأساسية حتى لا يكون أطول من اللازم»، مؤكداً أن «المشاهد المحذوفة لم تكن مؤثرة بشكل كبير في الأحداث، الأمر الذي يجعل من يشاهد العمل لا يشعر بغياب أي تفاصيل».

وحول تجربة التعاون مع 3 مخرجين، أكد فهد المطيري أن الأمر لم يشكل عقبة بالنسبة له كونه ممثلاً، حيث توجد رؤية مشتركة من جميع المخرجين يقومون بتنفيذها في الأحداث، ولافتاً إلى أن حضورهم تصوير المشاهد الأخرى غير المرتبطة بما سيقومون بتصويره جعل الفيلم يخرج للجمهور بإيقاع متزن.