تركيا تصعد في شرق المتوسط بسفينة ثانية للتنقيب عن الغاز

إردوغان ينشئ مكتباً متخصصاً للتنسيق مع شمال قبرص ويلوح بالقوة

صورة لسفينة التنقيب التركية قبالة سواحل قبرص في 24 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
صورة لسفينة التنقيب التركية قبالة سواحل قبرص في 24 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

تركيا تصعد في شرق المتوسط بسفينة ثانية للتنقيب عن الغاز

صورة لسفينة التنقيب التركية قبالة سواحل قبرص في 24 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
صورة لسفينة التنقيب التركية قبالة سواحل قبرص في 24 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

كشفت تركيا عن استمرارها في خطوات التصعيد في شرق البحر المتوسط رغم التحذيرات الدولية والإقليمية لها من التنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحل قبرص.
وقال وزير الطاقة التركي فاتح دونماز إن سفينة حفر تركية ثانية ستبدأ التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط في غضون أسبوع، ما قد يرفع من حدة التوتر بين تركيا وقبرص والاتحاد الأوروبي ودول إقليمية وأخرى لها شركات تعمل في المنطقة.
وتوجد سفينة تركية باسم «الفاتح» بالفعل قبالة سواحل قبرص منذ الرابع من مايو (أيار) الماضي عندما أعلنت تركيا بدء التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في منطقة تقول قبرص إنها تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لها، وأصدرت سلطاتها مذكرات اعتقال بحق طاقم السفينة في يونيو (حزيران).
ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية أمس (الأحد) عن دونماز قوله إن سفينة الحفر الثانية «ياووز» موجودة حاليا في ميناء مرسين لإجراء الفحص النهائي لها وتحميل إمدادات، وإنها ستوجد خلال أسبوع في شرق البحر المتوسط في منطقة شبه جزيرة كارباس التي حصلنا فيها على ترخيص من «جمهورية شمال قبرص التركية» (الشطر الشمالي من قبرص الذي تعترف به تركيا وحدها كجمهورية للقبارصة الأتراك)، على حد قوله.
وجاءت تصريحات الوزير التركي بعد يوم واحد من إصدار الرئيس رجب طيب إردوغان مرسوما يقضي بتكليف أحد نوابه أو أحد الوزراء، لإدارة وتنسيق العلاقات مع ما سمّاه «جمهورية شمال قبرص التركية». وبموجب المرسوم، الذي نشرته الجريدة الرسمية في تركيا أول من أمس، سيتم إنشاء «مكتب تنسيق شؤون قبرص» يتبع للسلطة المكلفة من قبل رئاسة الجمهورية، بهدف ضمان تخطيط وتنسيق المساعدات الاقتصادية والمالية والفنية المقدمة من تركيا إلى قبرص التركية، في إطار دعم الجهود التي سيتم الإقدام عليها لتنمية قبرص التركية.
وسيكون بإمكان السلطة المكلفة من قبل الرئاسة التركية إنشاء مجموعات عمل مؤقتة بمشاركة هيئات فنية وخبراء بحسب الحاجة، من أجل مراقبة وتقييم تنفيذ البرامج الاقتصادية المبرمة مع حكومة «شمال قبرص». وكان إردوغان قال خلال زيارته للصين الخميس الماضي إن بلاده اتخذت الخطوات اللازمة بموجب القانون حيال أنشطة التنقيب التي تقوم بها قبرص في المناطق التي تخص «الشطر التركي من الجزيرة». وإذا لم يعترفوا (قبرص) بالقانون، عندها نعرف كيفية التحدث باللغة التي يفهمونها، في تهديد مبطن باللجوء إلى القوة.
واعتبر أن انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي يعتريه «شبهات»، فهي تحاول تخويف شمال قبرص عبر القوة التي تحصل عليها من الاتحاد الذي وصفه بأنه «لا يتحرك بصدق». بدوره، قال نائب الرئيس التركي فؤاد أوكطاي، خلال زيارة للشطر الشمالي من قبرص أول من أمس للمشاركة في «المؤتمر الاقتصادي الأول لمنتدى غرف التجارة التركية والقبرصية الشمالية»، إن من يتجاهلون حقوق تركيا و«شمال قبرص» المشروعة في المنطقة «لن يحققوا مرادهم أبداً» في المنطقة.
وتؤكد تركيا أنها لن تسمح لشركات الطاقة بالقيام بأنشطة التنقيب والإنتاج في المناطق التي تدخل في نطاق الصلاحيات البحرية لما تسميه «جمهورية شمال قبرص التركية». ويثور خلاف بشأن عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط بين تركيا وكل من اليونان وقبرص، وهما الدولتان العضوان في الاتحاد الأوروبي الذي يدعم قبرص في هذا النزاع.
وتقول أنقرة، التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع قبرص، إن قطاعات معينة من المنطقة البحرية قبالة قبرص، المعروفة باسم «المنطقة الاقتصادية الخالصة»، تقع تحت سيادتها أو سيادة القبارصة الأتراك، فيما يعرف بـ«الجرف القاري» لتركيا.
وفي يونيو الماضي نبه زعماء الاتحاد الأوروبي تركيا إلى ضرورة وقف أعمال التنقيب عن الغاز في مياه متنازع عليها حتى لا يتخذ الاتحاد إجراء ضدها، بعد مطالبات من اليونان وقبرص للاتحاد بالتدخل. ويعتبر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومصر تحركات تركيا للتنقيب عن الغاز والنفط في شرق المتوسط انتهاكا للمنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص وللاتفاقيات الدولية.
ووافقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، مؤخرا، على مشروع قانون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتحديث الاستراتيجية الأميركية في شرق البحر المتوسط، يطالب وزارة الخارجية بمراقبة الانتهاكات التركية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص.
وأقرت اللجنة مشروع القانون في ظل تصاعد التوترات في شرق المتوسط بعدما أعلنت تركيا إرسال سفينة تنقيب ثانية إلى المنطقة البحرية قبالة قبرص، في حين يدرس الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطة التنقيب التي تقوم بها.
وقالت أنقرة رداً على مشروع القانون إن التشريع «المثير للجدل»، والذي يرفض الحقوق السيادية لتركيا في الموارد في المنطقة، قد يزيد من حدة التوتر بين واشنطن وأنقرة في الوقت الذي قال فيه المسؤولون الأتراك بالفعل إنهم لن يسمحوا بالقيام بأنشطة أحادية أو تعسفية في منطقتها.
ويسعى مشروع القانون إلى رفع الحظر المفروض على مبيعات الأسلحة إلى قبرص والسماح بإنشاء مركز للطاقة بين الولايات المتحدة وشرق المتوسط لتسهيل التعاون في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل واليونان وقبرص، ومنح المساعدات المالية العسكرية والتدريب لقبرص واليونان.



تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

يتولى رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، الثلاثاء، قيادة «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، لكن التناوب على رأس أكبر حلف عسكري في العالم لا يعني أنه سيكون بالإمكان إحداث تغيير جذري في عمله.

وقال إيان ليسر، من معهد «جيرمان مارشال فاند» للدراسات في بروكسل: «في (حلف الأطلسي) يتقرر كل شيء؛ كل شيء على الإطلاق، من أتفه الأمور إلى أكثرها استراتيجية، بالإجماع... وبالطبع؛ فإن مدى الاحتمالات المتاحة للأمناء العامين لإحداث تغيير في العمق في عمل (حلف الأطلسي)، يبقى محدوداً جداً».

ويعمل الأمين العام «في الكواليس» من أجل بلورة القرارات التي يتعين لاحقاً أن توافق عليها الدول الأعضاء الـ32.

وأوضح جامي شيا، المتحدث السابق باسم «الحلف» والباحث لدى معهد «تشاتام هاوس» البريطاني للدراسات، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الأمين العام «لديه سلطة تحديد الأجندة، وهو الذي يترأس (مجلس شمال الأطلسي)؛ الهيئة السياسية للقرار في (الحلف)». لكنه لا يمسك وحده بقرار الدخول في حرب، وليس بالتأكيد من يضغط على الزر النووي، فهاتان من صلاحيات الدول الأعضاء؛ على رأسها الولايات المتحدة.

وهذا لا يعني أن قائد «الحلف» لا يملك نفوذاً.

وأشار إيان ليسر في هذا الصدد إلى أن الأمين العام الأسبق، جورج روبرتسون، كان له دور مهم في تفعيل «المادة5» بعد اعتداءات «11 سبتمبر (أيلول) 2001» على الولايات المتحدة.

ستولتنبرغ مع روته بالمقر الرئيسي لـ«الناتو» في بروكسل يوم 17 أبريل 2024 (رويترز)

وتنص «المادة5» من ميثاق «الناتو» على أن أي هجوم على دولة عضو «سيعدّ هجوماً على كل الأعضاء»، تحت عنوان: «الدفاع الجماعي». وجرى تفعيلها مرة واحدة في كل تاريخ «الحلف» لمصلحة الولايات المتحدة ولو رمزياً.

كما أن شخصية الأمين العام الجديد سيكون لها دور، وهذا ما يثير ترقباً حيال مارك روته بعد 10 سنوات من قيادة رئيس الوزراء النرويجي السابق ينس ستولتنبرغ.

فهل يعمل على ترك بصماته منذ وصوله، أم ينتظر ولاية ثانية محتملة؟

وقال شيا إن الأمناء العامين «يميلون عند وصولهم إلى أن يكونوا مرشحي الاستمرارية، لكن إذا بقوا بعض الوقت، فهم بالطبع يزدادون ثقة».

قيادة المساعدات

ودفع ستولتنبرغ «الحلف» باتجاه تقديم دعم متصاعد لأوكرانيا، لا سيما بعد غزو روسيا أراضيها في فبراير (شباط) 2022. وطرح تقديم مساعدة سنوية لا تقل عن 40 مليار دولار لأوكرانيا، وحصل على التزام من الدول الحليفة في هذا الصدد. كما حصل على صلاحية أن يتولى «الحلف» القيادة الكاملة لعمليات تسليم المساعدات العسكرية الغربية.

زعماء «الناتو» خلال انعقاد قمتهم في واشنطن يوم 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

يبقى أنه في زمن الحرب، تكون لوحدة الصف والاستمرارية الأفضلية على كل الحسابات الأخرى؛ مما لا يشجع على أي تغيير.

وقال دبلوماسي في «حلف الأطلسي»، طالباً عدم الكشف عن اسمه: «في ظل وضع جيوسياسي بمثل هذه الصعوبة، من المهم للغاية الحفاظ على الاستمرارية وعلى التوجه ذاته في السياسة الخارجية والأمنية».

يبقى أن الجميع في أروقة مقر «الحلف» في بروكسل ينتظرون من روته أسلوباً جديداً في الإدارة يكون «جامعاً أكثر بقليل»، بعد عقد من قيادة «نرويجية» مارسها سلفه «عمودياً»، وفق ما لفت دبلوماسي آخر في «الحلف».

ومارك روته من معتادي أروقة «حلف الأطلسي» و«الاتحاد الأوروبي» بعدما قضى 14 عاماً على رأس الحكومة الهولندية.

وهذا ما يجعل الجميع يراهن عليه بصورة خاصة لتعزيز التنسيق بين «حلف الأطلسي» والتكتل الأوروبي، في وقت يؤدي فيه «الاتحاد» دوراً متصاعداً في المسائل الأمنية.

وهذا الملف معلق بسبب الخلافات بين تركيا؛ العضو في «الحلف» من غير أن تكون عضواً في «الاتحاد الأوروبي»، واليونان حول مسألة قبرص.

وفي حال عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن الدول الحليفة تعول على مهارات روته مفاوضاً من أجل الحفاظ على وحدة «الحلف».

ورفض ستولتنبرغ إسداء أي نصيحة إلى روته في العلن، مكتفياً بالقول إنه سيكون «ممتازاً». لكنه لخص بجملة ما يتوقعه الجميع من الأمين العام لـ«الحلف» بالقول: «ستكون مهمته الكبرى بالطبع إبقاء جميع الحلفاء الـ32 معاً».