«وردة الأنموروك»... رواية تستعيد الإبادة الجماعية للأرمن

الناجون توزّعوا بين المنافي العربية والأوروبية

«وردة الأنموروك»... رواية تستعيد الإبادة الجماعية للأرمن
TT

«وردة الأنموروك»... رواية تستعيد الإبادة الجماعية للأرمن

«وردة الأنموروك»... رواية تستعيد الإبادة الجماعية للأرمن

صدرت عن دار «الأهلية» بعمّان رواية «وردة الأنموروك»، للروائي عوّاد علي، وقد ذيّلها بعنوان فرعي، هو «سنة الأرمن»، في إشارة واضحة إلى مجازر الأرمن التي وقعت عام 1915، وما تلاها من عمليات الإبعاد والتهجير القسري، حيث توزّع الناجون بين المنافي العربية والأوروبية، وقد اتخذ بعضهم من بغداد وبقية المدن العراقية ملاذاً آمناً لهم، يرممون فيه خساراتهم الكبيرة، ويبدأون خطواتهم الأولى في تحقيق أحلامهم التي تكتظ بها أذهانهم الإبداعية المتوهجة.
تبدأ أحداث الرواية زمنياً بافتتاح كنيسة شهداء الأرمن في دير الزور في شتاء 1991، لكنّ الساردة تعود إلى سنة الإبادة (عام 1915)، وتذهب أبعد من هذا التاريخ، لتغطي جانباً من حياة أبويها وارتان وتامار، أو تلمح ببعض الإشارات والإيماءات إلى حياة جدها هوانيس. أما الأمكنة، فهي كثيرة لكنها قدر تعلّق الأمر بالشخصيات الرئيسية. فهي تبدأ من بلدة سِيفان، وتمر ببحيرة «وان»، وديار بكر، وألبيرة، والموصل، ثم تنتقل منها إلى كركوك، حتى تصل إلى بغداد في خاتمة المطاف. أما الشخصيات الثانوية، فتمر بمدن تركية، وتتجه صوب دير الزور والحسكة، وتتوزع إلى لبنان وفلسطين، ثم تعود إلى العراق. وهناك مَنْ ينطلق من بغداد إلى الهند، ومنها إلى باريس، ثم يعود إلى العراق ثانية، مثل سارة خاتون التي ألهبت قلب الوالي العثماني ناظم باشا، وهربت منه بشقّ الأنفس، تاركة إيّاه يتخبّط بمشاعره المُتصابية.
يتكئ عوّاد علي في معظم رواياته على التقنية الميتاسردية. وفي «وردة الأنموروك» هناك دفتر مذكّرات نسيتهُ لوسين، حينما ذهبتْ إلى الموصل عام 1953 لزيارة مربيتها المريضة جوري الشمّرية التي تعدّها بمثابة أمها الثانية، وحينما توافيها المنية بعد شهرين تحضر لوسين العزاء، لكنها لم تجد الدفتر، فتحزن لضياعه كثيراً. وبما أنّ الأنساق السردية لهذه الرواية تنطوي على مفارقات كثيرة، فإن سلطانة، ابنة جوري، تفاجئها بأنها تحتفظ بدفتر المذكّرات في بيت حفيدها هاشم في حلب، وتعدها بأن تجلبه في المرة المقبلة. غير أنّ لوسين التي جاوزت التسعين عاماً كانت تخشى من عبث الأقدار، فأرسلت ابنها صوغومون. وفي اليوم الثاني، عاد متأبطاً هذه المدوّنة الروحية التي وثّقت الأحداث بعين سينمائية تكشف المحجوب، وتعرّي الأشياء المسكوت عنها زمناً طويلاً. لا تستطيع راوية النص، وكائنته السيرية في الوقت ذاته، أن تقرأ المذكرات بسبب بصرها الكليل، فتُوكل المهمة إلى صوغومون الذي سيقرأ لها كل يوم فصلاً كاملاً. وهكذا، صارت تستعيد الأحداث كما لو أنها تعيشها مُجدداً، ولكن بواسطة راوٍ آخر، في محاولة للتنويع السردي، وتعددية الأصوات، خصوصاً أن هناك رواة آخرين يسردون قصة نجاتهم من موت محقق في قافلة الإبعاد، مثل صديقتها مريم وأمها كلاديس وسواهما من الشخصيات الكثيرة التي تؤثث المتن السردي المُدوّن بلغة مكثّفة شديدة الدلالة.
ولكي يُذكِّرنا عوّاد علي بنكهة المكان الأول، يتوقف عند بعض العوائل والشخصيات التي تنتمي إلى قوميات وأديان أخرى، مثل راؤول الذي يعتمر «الكيباه» دائماً، وزوجته شوشانة، وبناته الثلاث سارة وراشيل واستير، أو العجوز كاجال التي تُطعّم النص السردي بمروياتها الخرافية التي تعْلق بالذاكرة لطرافة معلوماتها الناجمة عن شطحات المخيّلة الشعبية.
وتتمحور تيمة الرواية على فكرتي النفي والإبعاد، لكنّ قصص الحُب تمنح قارئها فرصة لالتقاط الأنفاس. فما إن يصدر الفرمان الهمايوني الذي ينصّ على مغادرة الأرمن مدينة سِيفان، وترك ممتلكاتهم التي ستؤول إلى الحكومة العثمانية، حتى تبدأ المحنة الحقيقية للشعب الأرمني، الذي ستكون عائلة لوسين أنموذجاً مُصغراً له، خصوصاً أن «الدولة العليّة» قد وصفت الأرمن بـ«السرطان الذي يجب استئصاله»، وأنّ شعار حملة السلطان عبد الحميد يقول بصريح العبارة: «افعلوا بالأرمن ما تشاءون»! لأنه يعتقد أنّ التطهير العِرقي هو أفضل طريقة لقيام دولة طورانية نقيّة خالية من المنغِّصات واختلاط الأعراق. أما التهمة الرئيسية المُوجهة للأرمن فهي الخيانة، والانضمام لحزب التحالف (الطاشناق) والتمرد المسلح لمصلحة روسيا.
يلتقي آرشاك في عرس أخته، أنوشكا بلوسين، ويقع في حبها، ويقدّم لها «وردة الأنموروك»، بوصفها «فاكهة العاطفة»، لكن هذه القصة العاطفية لم تكتمل، لأنه يسقط مضرجاً بدمائه وهو يقاوم الطورانيين، بينما تُساق أسرتها بالكامل، باستثناء جدتها الطاعنة في السن، مع قافلة المُبعدين إلى المجهول. تضم العائلة خمسة أفراد، وهم: الأب وارتان، والأم تامار، والأبناء الثلاثة آرام ولوسين وشقيقتها الصغرى زاروهي، وقد وشمت الأم أسماءهم على معاصمهم كي يتعرف بعضهم على بعض إن فرقتهم الأقدار. وبما أنّ لوسين جميلة جداً، فقد كان عليها أن تقص شعرها، وترتدي جلباباً قديماً لآرام، وتضع لثاماً على وجهها، كي تستر أنوثتها الطاغية، وتُبعد عنها شبح الاغتصاب. ولم يتبّع عوّاد علي نسقاً خطياً في سرد المذكرات، وإنما كان يعود إلى قصص جانبية لأسرة لوسين، منها قصة التحاق وارتان بالثوار، وفراره إلى مدينة ماردين (السورية آنذاك)، وعودته إلى سِيفان صحبة آبوش، وفقدانه لنوبار، شقيق القس ميناس الذي كان يُعذبه الدرك وهو مقيّد اليدين. وفي الطريق، تنهار الأم تامار، فيقبّلها الأب وارتان على جبينها، ويبدأ بتلاوة تعاويذ الانتقال السرمدي، وهو مساعد شمّاس فلا غرابة أن يقول: «الربّ أعطى، والربّ أخذ». يفقد آرام السيطرة على أعصابه حينما يرشقه الأطفال بالحجارة فيشتمهم بالأرمنية، مما يدفع أحد الجنود لأن يضربه بالهراوة عدة ضربات قاسية أفضت به إلى الإغماء. وحينما استشاط الأب غضباً، وبصق على العريف، سدّد هذا الأخير بندقيته وأرداه قتيلاً في الحال، ثم صوّبها على آرام ووضع حداً لحياته. وفي مدينة ألبيرة، باع الدرك شقيقتها زاروهي إلى قطّاع الطرق. أما الراوية لوسين، فقد حملها رقيب متوحش، وقذف بها إلى النهر، لكن الحاج لقمان وابنه آزاد أنقذاها من الغرق، واصطحباها إلى المنزل، غير أنّ خشية الحاج من تفتيش الجندرمة دفعته لأن يضمها إلى جماعة من غجر «الدومر» الذين يتكفلون بإيصالها إلى السيدة جوري الشمرية في ولاية الموصل.
لا تنتهي المذكرات عند هذا الحدّ، حيث تنتقل لوسين إلى كركوك، وتتعرف على أرمين، وتقترن به، وما إن تنجب منه أول طفل حتى تسمّيه صوغومون، تيمناً بالطالب الأرمني الذي اغتال الصدر الأعظم طلعت باشا في برلين. وتكشف الأصوات السردية المتعددة عن الفظائع التي ارتكبها الجندرمة العثمانيون والعصابات المبثوثة في مختلف أرجاء السلطنة، وثمة تقارير أميركية توثق الجرائم التي ارتكبها الاتحاديون بحق الأرمن، ومحاولة طمس معالمهم الثقافية. أما السحل والقتل والخوزقة، وبقر البطون، والرمي من الأماكن الشاهقة، والاغتصاب، ودفن الأحياء في مقابر جماعية، فهي ظواهر عادية ومألوفة يرويها الناجون وكأنها عمليات ممنهجة يتبعها الجندرمة العثمانيون الذين نجحوا في قتل أكثر من مليون ضحية أرمنية، لكنهم ظلوا «أحياءً في قضيتهم» التي يعدّها الكثيرون إبادة جماعية مروّعة، بينما ترفض الحكومات التركية المتعاقبة هذا التوصيف، وتؤكد أنهم سقطوا نتيجة للحرب الأهلية، ولم يكونوا ضحية إبادة ممنهجة.
وهذه الرواية هي الثانية المكرسة لمجزرة الأرمن بعد «الطيور العمياء»، للروائية الآشورية ليلى قصراني.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.