تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين

مع تنامي قضايا الإرهاب وتغلغل «الإسلاموفوبيا»

جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)
جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)
TT

تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين

جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)
جاسيندا أردين رئيسة وزراء نيوزيلندا أثناء مشاركتها مع المئات من مواطنيها في تشييع ضحايا مذبحة المسجدين مارس الماضي (ا.ب)

يتنامى في الآونة الأخيرة الشرخ ما بين الثقافات والشعوب وأزمة الهويات المختلفة، التي أدت إلى تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا وعدد من الدول الغربية، وجنوح البعض إلى جرائم تمازج ما بين الكراهية والإرهاب، على نسق ما حدث في نيوزيلاند، حين استهدف اليميني المتطرف برينتون تارانت مسجدي مدينة كرايست تشيرش 15 مارس (آذار) الماضي.

نشر اليميني المتطرف تارانت بياناً بعد مذبحة المسجدين في كرايست تشيرش (نيوزيلندا)، ذكر فيه أن هدفه أن يقلص من معدلات الهجرة في البلاد ولكي يؤكد «للغزاة» أن بلاده لن تكون بلادهم أبداً. وتظهر الإشكالية نفسها في مناطق أخرى، مثل تصاعد أعمال العنف في سريلانكا ضد المسلمين الذين يشكلون عشرة في المائة من نسيج مجتمعهم ذي الغالبية البوذية، واستهداف مجموعات مسيحية مساجد ومتاجر لمسلمين مثل مدينة كينيياما التي تم التهجم فيها على أحد المساجد، الأمر الذي أدى لفرض حظر تجوال ليلاً في مايو (أيار) الماضي، وتعد الهجمات انتقامية في أعقاب عمليات إرهابية استهدفت كنائس وفنادق في عيد الفصح في سريلانكا، نتج عنها مقتل نحو 253 شخصا، والتي تبناها تنظيم «داعش»، فيما اتهمت الحكومة السريلانكية جماعة «التوحيد الوطنية» بارتكاب الهجمات الانتحارية التي استهدفت كنائس وفنادق فخمة، في 21 أبريل (نيسان) الماضي، رغم التحذيرات المسبقة من تخطيط جماعات أصولية لها. وعلى وجه العموم فإن الهوة ما بين المسلمين الذين يعدون أقليات في عدد من الدول تتسع سواء كان ذلك نتيجة عدم قدرتهم على الاندماج الكلي مع مجتمعاتهم أو نتيجة الشعور بخطر اجتياح الثقافات المختلفة، بالأخص مع تنامي قضايا الإرهاب وربطها بالإسلام مما عمق من تغلغل «الإسلاموفوبيا» في عدة مجتمعات.

جرائم الكراهية والإرهاب

ولا تزال الصلة ما بين جرائم الكراهية والإرهاب غير واضحة، وغالباً ما ترتبط تلك الجرائم باليمين المتطرف المفضي إلى عنصرية ضد الشعوب؛ إلا أن كلاً من جرائم الكراهية والإرهاب تنم عن وجود توتر واضطراب في النسيج الاجتماعي والسياسي، كما أن هناك عدداً من جرائم الكراهية تحمل أبعاداً إرهابية فيما تظهر عمليات إرهابية تحمل بعداً عنصرياً محملاً بالكراهية. ويفرق البروفسور والباحث الأميركي بروس هوفمان، المختص في دراسات الإرهاب، ما بين مفهوم الإرهاب والكراهية، بإيضاحه أن الإرهاب في الأصل يرتكب لأغراض سياسية، بمعنى آخر هو القيام بالتخويف والإرغام والمعاقبة أو التأثير على الآخرين باستخدام العنف والتهديد به من أجل أغراض سياسية. فيما تعرّف جرائم الكراهية حسب القانون الأميركي بأنها التسبب المتعمد بأضرار جسدية لأي شخص سواء بإطلاق النار أو استخدام الأسلحة الخطرة أو المتفجرات أو مواد حارقة، بغرض التسبب في إصابة شخص ما، وذلك عادة ما يكون بسبب عرق أو لون أو دين أو ميول أو إعاقة ما.
وعلى الرغم من وجود فروقات ما بين المفهومين؛ فإن كثيراً من جرائم الكراهية ترتكب من خلال جماعات إرهابية مثل ما قام به «داعش» من هجمات إرهابية استهدفت الشيعة والإيزيديين ووصلت لحد الإبادة الجماعية في العراق، فيما تكرر تهديد «داعش» للمسيحيين في الموصل ومناطق أخرى، فإذا لم يتحولوا إلى الإسلام أو دفع الجزية أو المغادرة فسيتم قتلهم، إضافة إلى استهداف الأقباط في الكنائس وأماكن تجمعهم في مصر.
فيما تبدو العلاقة ما بين الأقليات واليمين المتطرف علاقة سببية، كل منهما يأتي نتيجة الآخر بشكلٍ ما، حيث إن من مسببات انضمام البعض إلى تنظيمات مثل «داعش» شعورهم بالتهميش والانعزال في مجتمعاتهم.
ويظهر تصاعد اليمين المتطرف نتاجا تراكميا لزيادة عدد المهاجرين في المجتمعات الغربية وشعورهم بالتهديد، فيما تنحو الأقليات مثل المسلمين إلى الانعزال، إضافة إلى انعكاسات الجماعات المتطـرفة مثل عمليـات إرهابية لـ«ذئــاب منفـردة» في أرجـاء أوروبـا تبناها تنظيم «داعش»، الأمـر الـذي أدى إلى تخويــف العالم من المسلمين وعزز من «الإسلاموفوبيا»، لا سيما مع تزايد أعداد المسلمين في المجتمعات الأخرى، يقابل ذلك تصاعد اليمين المتطرف سواء من خلال النازيين الجدد أو القوميين البيض ممن لديهم قناعة بتفوق العرق الأبيض والتطرف والعنصرية والمعاداة للمهاجرين، على شاكلة النرويجي أندرس بريفيك الذي استلهم عدد من المتطرفين عملياتهم الإرهابية منه، وهو يميني متطرف قام بقتل 77 شخصا في النرويج عام 2011 نتيجة معاداته للمسلمين، وذكر أنه استوحى عمليته من تنظيم «القاعدة» بعد دراسته لعملياته الإرهابية.
ولا يعد الفكر اليميني المتطرف جديداً، إذ ظهرت جماعات متطرفة كثيرة مثل جماعة «الكوكلوكس كلان» المتطرفة التي نشأت في عام 1865 في ولاية تينيسي في أعقاب الحرب الأهلية الأميركية، وهي مبنية على مبدأ تفوق العرق الأبيض ومعاداة ما يخالفها مثل العرق الأسود واليهود والمهاجرين، ونشأت في طياتها عمليات إرهابية كثيرة شهيرة تستهدف «الآخر» ممن ترفضهم «الكوكلوكس كلان». ولم تنقرض هذه الجماعة إذ إن مسيرة نظمتها مجموعات من اليمين المتطرف تضمنت الكوكلوكس كلان والنازيين الجدد في 11 أغسطس (آب) 2017 في تشارلوتسفيل في فرجينيا، حيث تم رفع شعارات معادية للإسلام والسامية، وقد قام جايمس أليكس فيلدز جونيور وقتئذ بدهس أسفر عن مقتل امرأة وإصابة 19 آخرين، وقد عرف بهوسه بالنازية وبشخصية هتلر.
لكن مثل هذه التوجهات المتطرفة لا تستهدف المسلمين، وإنما الأقليات بشكل عام فيما يبدو انعكاسا لشعور البعض بتهديد الأقليات لوجودهم لمجرد اختلافهم عنهم عرقياً أو دينياً، ويظهر ذلك على وجه التحديد لدى معتنقي اليمين المتطرف الذين يتزايد عددهم كلما ازداد عدد المهاجرين إلى دولهم. على نسق ما حدث حين قام الأميركي جون إرنست، المعادي للسامية والإسلام، بإطلاق نار في سان دييغو على كنيس يهودي. وذكر أنه استلهم ذلك من حادثة إطلاق النار على مسجدي كرايست تشيرش (نيوزيلندا)، وكذلك إطلاق النار على كنيس لليهود في مدينة بيتسبرغ الأميركية مما أسفر عن مقتل 11 شخصاً، حيث إن مرتكب الجريمة روبرت باورز صاح وهو يطلق النار «يجب على كل اليهود أن يموتوا». وعلى شاكلته تظهر حادثة إطلاق النار على كنيسة تشارلستون في 17 يونيو (حزيران) 2015، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص، وهي من أعرق كنائس السود في الولايات المتحدة، وقد قام بالهجوم الإرهابي بها ديلان ستورم فيما يعد من جهة أخرى من جرائم الكراهية.

الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية

صراع الحضارات والشعور بالتهديد لا يقتصران فحسب على المتطرفين، ممن لا يترددون في القيام بعمليات إرهابية، إذ تظهر تصريحات لسياسيين معادين للثقافات الأخرى على نسق رئيس وزراء المجر اليميني فيكتور أوروبان، الذي أعرب في أكثر من مناسبة عن مخاوفه من التهديدات من حوله، مؤكدا على اتخاذه سياسات لمواجهة تزايد أعداد المهاجرين خوفاً من ضياع الثقافة والهوية المسيحية. وفي ألمانيا، قام مركز ليبزيق لدراسات وأبحاث اليمين المتطرف والديمقراطية بدراسة أظهرت أن ما يزيد على 44 في المائة من الألمان يرغبون في منع المسلمين من الهجرة إلى ألمانيا، فيما ذكرت الدراسة أن 56 في المائة، من الألمان يشعرون بأن أعداد المسلمين المتزايدة في ألمانيا تجعلهم يشعرون بأنهم أغراب في وطنهم.
وكانت الشرطة في إنجلترا وويلز أصدرت في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، إحصائيات نوهت إلى أن جرائم الكراهية قد ارتفعت فيها بنسبة 40 في المائة ضد المسلمين، كما بلغت جرائم الكراهية رقماً قياسياً يصل إلى 94098 في الفترة من أبريل 2017 إلى مايو 2018 يصنف أكثر من ثلثيها ضمن جرائم العنصرية. وتظهر أحداث أخرى مبلغ سوء الفهم والشعور بتهديد الثقافات الأخرى، مثل ما حدث عقب حريق كاتدرائية نوتردام في باريس من اتهام أليس فيدل من حزب «بديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف بأن ما حدث هو هجوم متعمد يستهدف المسيحيين وذو صلة بالإرهاب، على الرغم من استبعاد السلطات الفرنسية وجود هجوم متعمد.
وهناك أكثر من تساؤل حول ما حدث مع البريطانية الداعشية شاميمة بيغوم الملقبة «عروس تنظيم داعش» والتي سافرت إلى سوريا للانضمام للتنظيم لمدة تجاوزت الأربع سنوات، وتزوجت هناك من الهولندي ريدجيك الذي اعتنق الإسلام واتهم بانتمائه للتنظيم، وما لحق ذلك من حيثيات قرار الحكومة البريطانية نزع الجنسية منها، وعلى شاكلتها منع الرئيس الأميركي الإرهابية هدى مثنى من العودة إلى الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن مثل هذه القرارات تهدف لحماية الدول من شخوص لا يتوقع أن يكون هناك مجال لإعادة تأهيلهم نظراً لآيديولوجياتهم المتطرفة أو ما ارتكبوه من جرائم إرهابية؛ فإن من الممكن أن تؤدي مثل هذه القرارات الصارمة إلى تعزيز الشعور بالفروقات والعنصرية تجاه الأقليات، مثل ما أكدته الحكومة البريطانية من رفض لمقترح تحديد تعريف رسمي لمصطلح «الإسلاموفوبيا» أو معاداة الإسلام لما فيه من تقويض لجهود مكافحة الإرهاب وحق إيقاف المشتبه بهم دون الحصول على إذن سابق. فإن بعض ما يحدث من ممارسات أمنية مثل الاشتباه بالمسلمين بتورطهم بالإرهاب نتيجة لأعراقهم أو معتقداتهم الدينية يعمق من الهوة بين الأقليات ومجتمعاتهم ويشجع على تصاعد اليمين المتطرف.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».