هزيمة حزب «المؤتمر» الهندي تجبر رئيسه راهول غاندي على الرحيل

بعد 42 يوماً على هزيمة «حزب المؤتمر»، أعرق الأحزاب السياسية الهندية منذ انطلاق حركة استقلال الهند، في الانتخابات الوطنية الهندية، للمرة الثانية على التوالي (الأولى عام 2014، والأخيرة في مايو | أيار الماضي)، أعلن رئيسه راهول غاندي استقالته متحملاً كامل المسؤولية عن الفشل الانتخابي.
راهول، البالغ 49 عاماً، هو حفيد أول رئيس وزراء للهند جواهر لال نهرو، ويمثل الجيل الخامس من عائلة نهرو - غاندي الأيقونية، وكان يسعى لأن يصبح العضو الرابع في العائلة الذي يتولى منصب رئيس الوزراء، بعد أن يتفوق على رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وحزبه بهاراتيا جاناتا. وحتى اللحظة الأخيرة قبل إعلان النتيجة، كان لدى حزب المؤتمر إيمان حقيقي بأن بهاراتيا جاناتا يخسر الانتخابات، وأن ائتلافاً معارضاً، بزعامة «المؤتمر»، سيشكل الحكومة. ولذلك جاء فوز بهاراتيا جاناتا الكاسح ليلجم ألسنة المعارضة والمعلقين السياسيين الذين توقعوا تراجع نسبة المؤيدين لمودي.
اللافت أن جد راهول الأكبر وجدته الكبرى ووالده تقلدوا جميعاً منصب رئيس الوزراء. كما كانت والدته سونيا، الإيطالية المولد، تتمتع بكامل صلاحيات هذا المنصب خلال السنوات العشر التي تولى خلالها مان موهان سنغ منصب رئيس الوزراء.
ومنذ استقلال الهند عام 1948، هيمن «حزب المؤتمر» على المشهد السياسي الهندي، لكنه شهد انهياراً كارثياً في معدلات التأييد له خلال العقد الماضي. واتضح ذلك في فوز الحزب بـ52 مقعداً فقط من إجمالي 543 مقعداً بالمجلس الأدنى من البرلمان. في المقابل، فاز حزب بهاراتيا جاناتا، بزعامة مودي، بـ303 مقاعد، ليعزز بذلك الأغلبية الخاصة به، مع فوزه بـ5 سنوات أخرى في سدة الحكم. وفي عام 2014، فاز «حزب المؤتمر» بـ44 مقعداً فقط. وقد خسر راهول غاندي مقعده في أميتي، الذي ظل لفترة طويلة بمثابة حصن منيع للحزب، وهو ما اعتبر بمثابة نهاية حقبة الهيمنة السياسية لأقوى أسرة سياسية في تاريخ الهند الحديث. ومع هذا، فاز راهول بمقعد في دائرة انتخابية أخرى.

- ماذا بعد استقالة غاندي؟
منذ إعرابه عن عزمه الاستقالة، تحول حزب المؤتمر إلى مسرح هزلي، على أمل أن يبدل راهول رأيه. واستعد كثيرون لتقديم استقالات جماعية، وتنظيم مظاهرات وإضرابات ضخمة «لإجبار» راهول على مراجعة قراره. ورفضت اللجنة التنفيذية في الحزب استقالته. ويأتي ذلك في وقت لم تجر فيه اللجنة المركزية انتخابات منذ عقود. وفي آخر مرتين جرت خلالهما انتخابات، كانت القيادة في يد شخص من خارج آل غاندي. وكتبت الصحافية البارزة باركها دوت تغريدة قالت فيها: «مسرحية رفض اللجنة المركزية بحزب المؤتمر استقالة راهول غاندي أسوأ عن عدم تقديمه استقالة على الإطلاق».
وذكرت مصادر مطلعة داخل الحزب أنه ليس هناك شخص لديه الاستعداد أو القدرة على اقتحام المنصب الذي تخلى عنه راهول غاندي رسمياً، وذلك لعدم اقتناعهم بأن الثلاثي القوي المسيطر على الحزب، الأم سونيا وابنها راهول وابنتها بريانكا، لديهم رغبة حقيقية في نقل القيادة إلى شخص من خارج أسرة غاندي. وقال أحد الشخصيات رافضاً كشف هويته: «هذه أزمة قيادة ذات طبيعة خاصة للغاية. وحتى إذا جرى انتخاب رئيس جديد، فمن غير المحتمل أن تطلق يده في إدارة شؤون الحزب. مثل هذا المستوى من الكفاءة والانضباط أمر لم يسبق وجوده داخل حزب المؤتمر».
جدير بالذكر أن حزب المؤتمر خضع لقيادة عائلة نهرو - غاندي طوال 37 عاماً منذ عام 1947، وكانت فترة القيادة الأطول من نصيب والدة راهول، سونيا غاندي، منذ عام 1998 حتى عام 2017. وأفادت المصادر بأن المفارقة تكمن في أن جميع الأسماء التي طرحت لقيادة الحزب للفترة المقبلة من الموالين لأسرة غاندي، ولا يعد أي منها من القيادات الحقيقية، مما دفع كثيرين للتشكيك في مدى جدية أسرة غاندي في ترك السلطة.
من ناحيتها، قالت أرتي جيرات، المعلقة السياسية، إنه لن يغير أي شيء من حقيقة أن أسرة غاندي ستظل «مركز السلطة داخل حزب المؤتمر»، وقالت إن حزب المؤتمر بحاجة لعقد انتخابات داخلية كي يظهر قادة جدداً، وأضافت: «حتى يومنا هذا، دار حزب المؤتمر في فلك أسرة غاندي التي عملت كمركز القوة الحقيقي الوحيد في الحزب».
وأعربت عن اعتقادها أن «السبيل الوحيد لتجديد الدماء داخل الحزب وكذلك أفكاره في رحيل أسرة غاندي. لا يمكن أن يستمر النظام الحالي القائم على تزعم الأسرة للحزب».
من ناحية أخرى، يكشف تاريخ حزب المؤتمر أن الرؤساء الذين جرى انتخابهم من خارج أسرة نهرو - غاندي أدوا إلى حدوث انشقاقات داخل الحزب. على سبيل المثال، خلال فترة قيادة كل من بي في ناراسيمها راو (1991 - 1996) وسيتارام كيسري (1996 - 1998) لحزب المؤتمر، استقالت كثير من شخصياته القيادية المشهورة نظراً لولائهم الشديد لأسرة غاندي. وعلق المحلل السياسي فيجو شيريان على الأمر بقوله: «لذلك، فإنه من الناحية الفنية، كان حزب المؤتمر أقرب إلى حزب عائلي على مدار نصف القرن الماضي».
من ناحية أخرى، من المؤكد أن راهول هو أكثر شخصيات الحزب التي تملك شعبية كبيرة، وقدرة على اجتذاب الجماهير. وقد انطبق الأمر ذاته على والدته سونيا خلال فترة قيادتها. وقد نظم حملات انتخابية بمختلف أرجاء البلاد لصالح الحزب، ونجح في تحسين مستوى التأييد له. وقال الصحافي بونيت نيكولاس ياداف: «في ديسمبر (كانون الأول) 2017، عندما تولى راهول منصب الرئيس، قالت سونيا أمام وسائل الإعلام: الآن، أصبح دوري أن أتقاعد. لكن الإخفاق الشديد الذي مني به الحزب، بقيادة راهول، عام 2019 أجبر الأم على إرجاء خططها. وبذلك، تولت الأم القيادة من جديد. وبالنسبة لسونيا، تبدو الأزمة التي يواجهها الحزب اليوم مألوفة، وإن كانت أكثر حدة بكثير عن ذي قبل. كانت سونيا قد تولت رئاسة الحزب للمرة الأولى عام 1997، في وقت كانت فيه شعبية الحزب في تراجع. وأثبتت سونيا أنها تملك القدرة على دفع الحزب نحو السلطة من جديد. أما هذه المرة، فإن شعبية الحزب ليست في تراجع فقط، وإنما على وشك التلاشي تماماً».

- تحديات الرئيس الجديد
يواجه خليفة غاندي، الذي دون شك سيكون موالياً لأسرة نهرو - غاندي، مهمة شاقة تتمثل في إعادة بناء الحزب، وبث روح جديدة فيه. وسيتعين على الرئيس الجديد العمل بالتناغم مع الرئيسين السابقين: سونيا غاندي وراهول غاندي، إلى جانب شقيقة راهول، بريانكا غاندي، الأمين العام للحزب، علاوة على قيادات الحزب الكبرى الذين يشكلون محور النفوذ الوحيد داخل الحزب، خارج أسرة نهرو - غاندي.
وتكمن المسألة الثانية فيما إذا كان الرئيس الجديد سيتميز بقوة أكبر عن آل غاندي؟ وفي هذا السياق، قال المعلق السياسي سي إل مانوج: «سينجح الرئيس الجديد لحزب المؤتمر فقط إذا لم يكن هناك مركز قوة موازٍ. وسيتعين على أعضاء الحزب إعادة تعريف دور أسرة غاندي داخل جهاز الحزب قبل تعيين رئيس من خارج الحزب، من أجل ضمان نجاح تجربة القيادة الجديدة للحزب.
وفي الوقت الحالي، يملك 3 من أفراد الأسرة ما يمكن وصفه بـ«حصة مسيطرة» داخل الحزب، ويشكلون «مركز قوة موازٍ» يمكن أن يحول الرئيس الجديد إلى مجرد دمية في يدي آل غاندي الذين يمكن أن يمارسوا السلطة الحقيقية دون أن يخضعوا للمحاسبة. ومن شأن هذا الوضع تحويل التجربة بأكملها إلى مهزلة».
باختصار، يشعر كثيرون أن تعيين رئيس جديد للحزب سيشكل اختباراً لقدرة الحزب على العمل دون قيادة من آل غاندي، وكذلك قدرة الأسرة على التسامح تجاه فكرة الابتعاد عن قيادة الحزب. وإذا كان راهول جاداً في الاستقالة، فإنه سيتعين على ثلاثي غاندي داخل الحزب تقديم رسالة ذات مصداقية بأنهم سيبقون أيديهم بعيداً عن الرئيس الجديد. وسيتعين على راهول غاندي اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان آل غاندي على استعداد حقيقي لفعل ذلك.