منطقة التجارة الحرة الأفريقية على المحك

طموحات متضاربة لاستضافة المقر... ومخاطر جراء مزيد من التأخير

منطقة التجارة الحرة الأفريقية على المحك
TT

منطقة التجارة الحرة الأفريقية على المحك

منطقة التجارة الحرة الأفريقية على المحك

سيحدد قادة أفريقيا في اجتماعهم الأحد الدولة التي ستستضيف مقر منطقة للتجارة الحرة للقارة، تهدف في نهاية المطاف إلى توحيد سكانها البالغ عددهم 1.27 مليار شخص، وناتجها المحلي الإجمالي الاسمي البالغ 3.4 تريليون دولار.
وسيحدد القادة أيضاً في قمة الاتحاد الأفريقي في النيجر موعداً لبدء نشاط منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية، التي وقعت اتفاقيتها 52 من دول القارة الخمس والخمسين، رغم أن 25 دولة فقط صدّقت عليها. ويهدف الاتحاد الأفريقي في نهاية المطاف إلى إزالة الحواجز التجارية والرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء.
- ما هي الدول التي تريد استضافة المقر؟
بموجب القواعد التنظيمية للاتحاد الأفريقي ومقره أديس أبابا، فإن جميع الدول الأعضاء الخمس والخمسين يمكنها أن تقدم عرضاً لاستضافة مقر منطقة التجارة الحرة. ودخلت كينيا وغانا وإي سواتيني (سوازيلاند سابقاً) ومدغشقر ومصر السباق، بينما انسحبت إثيوبيا والسنغال.
وهؤلاء الذين دخلوا السباق يمثلون المناطق الرئيسية في أفريقيا، كينيا في الشرق، وغانا الغرب، وإي سواتيني في جنوب القارة، ومدغشقر لجزر المحيط الهندي، ومصر في الشمال. وتتولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي هذا العام، وتروّج نفسها محوراً للتجارة الأفريقية.
وقال مسؤول من وزارة التجارة المصرية: «مصر واحدة من أقدم الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، ولديها علاقات قوية مع الدول الأفريقية... ولدينا جميع المتطلبات»، بحسب «رويترز».
- ما هي فرصها في الفوز؟
تستضيف كينيا ومصر بالفعل مقار هيئات دولية أخرى، وتستطيع شركات الطيران الوطنية الكبرى الوصول إليهما. وتستضيف كينيا مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، بينما تستضيف مصر مقر البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد.
وقال بيتر ميونيا، وزير التجارة الكيني للصحافيين: «نيروبي موقع طبيعي جداً لمثل هذا الكيان. من السهل الوصول إلى أي مكان في القارة (من هنا)». أما إي سواتيني، المعروفة سابقاً بسوازيلاند، فتستضيف مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي.
- ما هي أهمية ذلك؟
سيحظى من يستضيف المقر ببزوغ ومكانة. وستخلق الدولة الفائزة أيضاً وظائف لمواطنيها في أمانة المقر، وسيستفيد قطاع السفر والسياحة فيها. ويريد الاتحاد الأفريقي زيادة الحجم السنوي للتجارة بين دول القارة إلى ما بين 25 و36 في المائة من إجمالي التجارة الأفريقية في غضون خمس سنوات، من 18 في المائة فقط حالياً، إضافة إلى اجتذاب استثمارات كبيرة وطويلة الأجل من شركات مثل مصنعي السيارات العالميين.
وقال مانكوبا خومالو، وزير التجارة في إي سواتيني لوسائل إعلام محلية، إن «استضافة المقر ستجعل من إي سواتيني المركز التجاري لأفريقيا. ستصبح البلاد خلية لأنشطة الأعمال».
- ماذا بعد؟
بعدما يختار رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي الدولة المضيفة يوم الأحد، سيكشفون عن القواعد التنظيمية التي تحكم موضوعات مثل تحرير التجارة وقواعد المنشأ وإزالة الحواجز غير الجمركية وتطوير نظام للمدفوعات والتسويات. وسيحددون أيضاً موعداً لبدء أنشطة التجارة في المنطقة الحرة الجديدة، ويجب أن يترك هذا الموعد وقتاً كافياً حتى تتمكن الشركات من إجراء تعديلات وتتمكن الدول من تجهيز مستندات تجارية جديدة.
وقالت نيجيريا، أكبر اقتصاد في القارة، هذا الأسبوع إنها ستوقع على اتفاقية المنطقة يوم الأحد. وقالت انزيتس وير، وهي خبيرة كينية في التنمية الاقتصادية، إنه يجب إيجاد وسائل لتفادي تصدير أو تهريب مواد خام إلى خارج القارة تحت ستار أنها تجارة بينية معفية من الرسوم الجمركية.
- هل ستنجح منطقة التجارة الحرة؟
خلقت المحاولات السابقة للتكامل الاقتصادي خليطاً من المناطق التجارية المتنافسة والمتداخلة... المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في الغرب، ومجموعة شرق أفريقيا (ايك) في الشرق، ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك) في الجنوب، والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا) في الشرق والجنوب.
وقال ألبرت موشانغا، مفوض الاتحاد الأفريقي للتجارة والصناعة، إن التنفيذ «سيكون صعباً جداً جداً، لكن أعتقد أن لدينا القدرة». وأبلغ «رويترز» بأن «الوضع الحالي ليس جيداً لأفريقيا. لديك 55 دولة متناثرة؛ وهذا ما يجعلها بشكل تقليدي صغيرة وضعيفة في النظام العالمي».
لكن القارة لديها ناتج محلي إجمالي مجمع قدره 3.4 تريليون دولار، حسبما قال موشانغا. وأضاف قائلاً: «إذا استمر الوضع الحالي قائماً، فسيكون لدى أفريقيا في الواقع آفاق تنمية متدنية للغاية».



بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.