إردوغان يفتح مواجهة مبكرة مع غُل وباباجان قبل إعلان حزبهما الجديد

يواجه الرئيس التركي السابق عبد الله غل ونائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، حرباً حامية يشنها الجيش الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية الحاكم بعد الإعلان عن تأسيسهما حزباً جديداً برئاسة باباجان ودعم من غل. وهاجم المدونون الذين يعملون لصالح الحزب الحاكم غل، بضراوة، ونشروا صورة له مع رئيس بلدية إسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو، الذي فاز برئاسة البلدية عن تحالف «الأمة» المعارض الذي يضم حزبي الشعب الجمهوري و«الجيد» واتهموه بنكران الجميل وطعن رفيقه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وذكّر المدونون غل ببدايات تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، معتبرين أنه إذا لم يكن إردوغان دعمه في البدايات ما كان له أي ظهور على الساحة السياسية الآن. والمعروف أن غل كان من القياديين البارزين في أحزاب نجم الدين أركان، التي انتسب لها إردوغان أيضاً، قبل انشقاقهما عن حزب الفضيلة مع 61 آخرين من أعضائه وتأسيسهم حزب العدالة والتنمية، وكان غل نائباً في البرلمان، وترأس الحكومة الأولى لحزب العدالة والتنمية حتى تم رفع حظر ممارسة العمل السياسي عن إردوغان، حيث سلمه رئاسة الحكومة وتولى حقيبة الخارجية.
وانطلقت الحملة ضد غل بعد أن هاجمه إردوغان عقب موقفه من إعادة انتخابات إسطنبول بعد فوز إمام أوغلو بها، وادعائه أنه «لم يكن من مؤسسي العدالة والتنمية»، وذلك بعد أن سبق ورفع اسمه من قائمة مؤسسي الحزب بعد انتهاء فترة رئاسته للبلاد عام 2014، وهو ما أثار التساؤلات وقتها عن الخلافات بين رفيقي الدرب.
وتعرض مدونو حزب إردوغان أيضاً إلى زوجة الرئيس السابق «خير النساء غل»، مدعين أن إردوغان كان دائماً إلى جانب أسرته، وأنه سانده وقت أزمة رفض التحاق زوجته بالجامعة بسبب ارتدائها الحجاب.
كانت خير النساء غل تقدمت بشكوى إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ضد سلبها حقها في الالتحاق بالجامعة، لكنها سحبتها عقب تولي زوجها منصب وزير الخارجية.
وقبل انتهاء فترة غل في رئاسة الجمهورية عام 2014 كانت «خير النساء» عبرت عن استيائها لعدد من الصحافيين من الطريقة التي بات يتعامل بها إردوغان، الذي كان رئيساً للوزراء، مع زوجها، وكانت هذه أول بادرة على حقيقة وجود خلاف بين غل وإردوغان.
في ذلك الوقت، كان قد جرى تعديل الدستور لتغيير طريقة انتخاب رئيس الجمهورية، حيث تم تغيير فترة الرئاسة من 7 سنوات لمرة واحدة إلى 5 سنوات مع جواز الترشيح لمرة ثانية، وجعل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر بدلاً عن انتخابه في البرلمان، وذلك في التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2012، ووقتها تصدى إردوغان لمنع غل من الترشح لفترة رئاسية جديدة بعد تغيير القانون مع أنه كان يحق له ذلك، بل وعمد إلى تغيير نظام الحكم عام 2017 من النظام البرلماني إلى الرئاسي لتوسيع صلاحيات الرئيس وإلغاء منصب رئيس الوزراء ولفتح الطريق لتوليه الرئاسية حتى العام 2029. وكشفت وسائل الإعلام التركية عن ضغوط وتهديدات تعرض لها غل عندما أراد الترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة عام 2018 عندما طالب حزب السعادة بالدفع به مرشحاً، لكن غل طلب أن يتم التوافق بين أحزاب المعارضة على مرشح واحد وقال إنه إذا حدث ذلك فقد يقبل الترشح.
واعتبر مراقبون، أن «الحملة الإلكترونية» لحزب إردوغان ضد غل تعكس مدى خوفه من دعمه باباجان في تأسيس حزبه الجديد الذي يعتبرون أنه سيحدث فارقاً كبيراً على الساحة السياسية، وسيصبح بمثابة تهديد مباشر لحزب العدالة والتنمية.
وإذا كان ظهور أكرم إمام أوغلو وجهاً جديداً على الساحة السياسية تسبب في زلزال انتخابي في إسطنبول، أعطى مؤشراً على أفول حقبة حزب العدالة والتنمية، فإن غل وكذلك رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو كانا سباقين إلى قراءة الموقف عندما رفضا صراحة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. ويتمتع علي باباجان بمؤهلات ومميزات تفوق كثيراً أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الجديد، وسيكون حضوره في المشهد السياسي أكثر تأثيراً بحكم خبرته في إدارة أهم الملفات في الدولة (الاقتصاد والسياسة الخارجية) في عدد من حكومات العدالة والتنمية الذي كان أحد مؤسسيه. ويتوقع الكثير من المراقبين أن حزب باباجان المدعوم من غل ستكون له الغلبة في مستقبل البلاد السياسي، كما تسود حالة من الترقب الشديد لموعد الإعلان عن تأسيس الحزب. وقالت الكاتبة في صحيفة «خبر تورك»، ناجيهان التشي، إنه تم الاستقرار بالفعل على اسم الحزب الجديد، وإن الحديث دار أولاً حول اسم «الحرية والعدالة»، أو «الحرية والرفاه»، لكن باباجان طالب بالابتعاد عن أي تشابه في الاسم مع حزب العدالة والتنمية أو حزب الرفاه الإسلامي الذي أسسه نجم الدين أربكان، فتم اقتراح اسم «الحرية والقانون»، وهو اسم رأت الأوساط القريبة من باباجان الأنسب لفلسفته السياسية وللمطالب الاجتماعية الحالية للشعب التركي.
وأضافت أن الحديث في البداية كان يدور عن إعلان تأسيس الحزب في سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن تم الاتفاق على إطلاقه في يوليو (تموز) الحالي. وسيكون الرئيس السابق عبد الله غل هو «الموجه للسياسي الطموح، وسيقدم الدعم اللازم له، في حين سيبقى خلف الستار».
ولأن باباجان (مواليد 1967) بات هو العنوان الأبرز في الصحافة التركية، والأجنبية أيضاً، فإنه لم يسلم من الاتهامات والهجوم. وذهب مدونو العدالة والتنمية بعيداً في اتهاماتهم؛ إذ حاولوا اتهامه بالارتباط بحركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، حليف إردوغان الأقرب سابقا وخصمه الحالي بعد اتهامه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو 2016، بل وتطور الأمر إلى قيام موظف سابق بمستشارية خزانة الدولة التركية، يدعى علي شفيك، بتحريك دعوى قضائية اتهم فيها باباجان بالانتماء إلى حركة غولن. وقال مقدم الشكوى: إن «باباجان أثناء توليه حقائب الاقتصاد (2009 - 2011)، ساعد (جماعة غولن الإرهابية) عن قصد وعلم في عمليات تعيين عناصرها بمناصب حساسة داخل مستشارية الخزانة، وكذلك في تنفيذ مؤامرة التجسس العسكري في إزمير».
ويدرك الجميع في تركيا أن باباجان لا يمكن أن تتم ملاحقته بهذه التهمة، التي أصبحت مثل الجرس الذي يعلق في رقبة أي معارض سياسي؛ لأن اتهامه يعني اتهاماً لإردوغان وحزبه الذي لا يزال باباجان أحد أعضائه المؤسسين. وبقدر ما تعكس هذه التحركات والحملات قلق إردوغان وحزبه من تحرك غل - باباجان، فإنها تؤكد أن الطريق ستكون شاقة وليست سهلة، وأن الأمر يحتاج إلى عزم كبير في مواجهة خصم عنيد يمتلك في يده جميع إمكانات الدولة مثل إردوغان.