تقرير: الصين تفصل الأطفال المسلمين عن عائلاتهم

صور عرضها آباء وأمهات لأطفالهم الذين تم فصلهم عنهم عمدا في الصين (بي بي سي)
صور عرضها آباء وأمهات لأطفالهم الذين تم فصلهم عنهم عمدا في الصين (بي بي سي)
TT

تقرير: الصين تفصل الأطفال المسلمين عن عائلاتهم

صور عرضها آباء وأمهات لأطفالهم الذين تم فصلهم عنهم عمدا في الصين (بي بي سي)
صور عرضها آباء وأمهات لأطفالهم الذين تم فصلهم عنهم عمدا في الصين (بي بي سي)

أكد تقرير صحافي أن الصين تفصل الأطفال المسلمين في منطقة شينجيانغ بغرب الصين عن عائلاتهم بشكل متعمد، واصفة ما يتعرضون له بـ«الإبادة الجماعية الثقافية».
ويلقي التقرير الذي أجرته شبكة «بي بي سي» البريطانية، الضوء على ما يحدث لأطفال الآباء الذين يتعرضون للاعتقال الجماعي فيما يسمى بـ«معسكرات إعادة التعليم الإلزامية»، حيث قامت الشبكة بالبحث في البيانات المتاحة، وإجراء عشرات المقابلات مع أفراد العائلات.
وأكدت الأمم المتحدة في شهر أغسطس (آب) الماضي، أن الصين تحتجز أكثر من مليون فرد من أقلية الإيغور المسلمة منذ عام 2017 في معسكرات «مكافحة الإرهاب»، لكن بكين نفت ذلك، قائلة إنها تحتجز «بعض المتشددين دينياً»، بغرض «إعادة تعليمهم».
وقال الباحث الألماني الدكتور أدريان زينز، في مقال بمجلة «المخاطر السياسية»، إنه منذ بداية حملة «إعادة التعليم» الإيغورية، قررت الصين بناء عدد كبير جداً من المدارس الداخلية، ونقل أطفال الآباء المحتجزين بها بعيداً عن عائلاتهم، مبررة ذلك بقولها «إن هذه المدارس أفضل لهم من آبائهم في التعلم».
وتشير وثائق رسمية تابعة للحكومة الصينية إلى أن سلطات شينجيانغ تحاول بذلك «استباق خطر احتمال اتجاه أبناء هؤلاء المحتجزين لشن هجوم ضد الدولة».
وتشير البيانات، التي قدمها الدكتور زينز، إلى أن معدل الالتحاق برياض الأطفال في شينجيانغ قد ازداد عن المعدل الوطني، مشيراً إلى أن الدولة أنفقت في جنوب هذا الإقليم فقط 1.2 مليار دولار على رياض الأطفال وتطويرها.
وتابع أن نحو 90 في المائة من التلاميذ في هذه «الرياض» هم من الأقليات المسلمة.
وتقول التقارير الرسمية إن استخدام لغة الإيغور التقليدية محظور في هذه المدارس، حيث يتم إجبار الأطفال على تعلم والتحدث باللغة الصينية.
ويصف زينز ذلك بأنه بمثابة «فرض لأنظمة التعليم والرعاية الاجتماعية» يستهدف «عزل الأطفال عن آبائهم وجذورهم الأصلية ومعتقداتهم الدينية ولغتهم الخاصة»، مؤكداً أن ذلك يجب تسميته بـ«الإبادة الجماعية الثقافية».
ونفى مقال افتتاحي صدر أول من أمس (الأربعاء) في صحيفة «غلوبال تايمز»، التي تصدر باللغة الإنجليزية، ويديرها الحزب الشيوعي، سعي الدولة للقضاء على ثقافة الإيغور، كما نفى احتجاز مليون مسلم من هذه الأقلية، مشيراً إلى أن «مراكز شينجيانغ هدفها فقط القضاء على الأنشطة الإرهابية في مهدها».
وجاء في المقال: «على الرغم من الجهود التي تبذلها الصين لنقل ما يحدث بالفعل في شينجيانغ، إلا أن بعض وسائل الإعلام والسياسيين الغربيين يصرون على نشر أخبار مزيفة وغير حقيقية».
ويعتبر إجراء المقابلات مع الأطفال أو أولياء الأمور المنتمين للإيغور في الصين أمراً مستحيلاً، حيث تتم متابعة الصحافيين الأجانب في شينجيانغ على مدار 24 ساعة في اليوم، الأمر الذي يمنعهم من جمع الشهادات أو التصوير.
لكن بعض الآباء والأمهات قدّموا شهادتهم لـ«بي بي سي» من خلال مقابلات مع عدد من الإيغور الهاربين إلى إسطنبول، حيث قالت إحدى الأمهات، وهي تحمل صورة لبناتها الثلاث الصغيرات، «لا أعرف من يعتني بهن. لا يوجد أي اتصال بيننا على الإطلاق».
وقدم الآباء والأقارب الآخرون تفاصيل عن اختفاء أكثر من 100 طفل في شينجيانغ، في 60 مقابلة منفصلة مع «بي بي سي»، وقال بعض الآباء إنهم فهموا أن أطفالهم في الصين قد «اقتيدوا إلى دار للأيتام» أو إلى «معسكرات تعليم الأطفال».
جدير بالذكر أن أصول الإيغور تعود إلى الشعوب التركية (التركستان)، ويشكلون نحو 45 في المائة من سكان شينجيانغ.
وقال تقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في سبتمبر (أيلول) 2017، نقلاً عن مصادر إيغورية بالمنفى، إن السلطات الصينية أمرت الإيغور بتسليم جميع المصاحف وسجاجيد الصلاة أو غيرها من المتعلقات الدينية، وإلا سيواجهون «عقوبة».
جاء ذلك ضمن قيود جديدة في إقليم شينجيانغ، في إطار ما وصفته بكين بحملة ضد التطرف. وشملت الإجراءات منع إطلاق اللحى وارتداء النقاب في الأماكن العامة، ومعاقبة من يرفض مشاهدة التلفزيون الرسمي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟