تحولت مدينة نيامي، عاصمة النيجر، إلى ما يمكن وصفه بـ«منطقة عسكرية مغلقة»، تزامنا مع انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي التي تحتضنها المدينة، والتي بدأت أمس اجتماعاتها التحضيرية، وتختتم يوم الاثنين المقبل. لكن هذه القمة الأفريقية العادية تنعقد في بلد يعيش ظروفاً استثنائية، ويخيم عليه شبح الإرهاب.
وبينما كانت نيامي تستقبل وزراء خارجية الدول الأفريقية، أعلن تنظيم «داعش» الإرهابي أول من أمس مسؤوليته عن هجوم ضد معسكر للجيش على الحدود مع دولة مالي، غرب البلاد، خلف 18 قتيلاً في صفوف الجيش. لكن سلطات النيجر، التي تدرك حجم التحديات الأمنية في البلاد، أعلنت عن «إجراءات أمنية خاصة» في عموم أحياء العاصمة نيامي، تشمل نشر آلاف الرجال، وذلك لضمان أمن قمة الاتحاد الأفريقي، فيما تتحدث بعض المصادر عن تحريك 12 ألف رجل أمن لتأمين القمة، وتنسيق أمني وثيق مع عسكريين فرنسيين وأميركيين وأوروبيين يوجدون في البلاد.
وانتشرت وحدات الجيش بشكل واسع في العاصمة نيامي، فيما فرضت إجراءات أمنية مشددة في محيط الفنادق الكبرى والمطاعم والأماكن العامة، التي سيرتادها المشاركون في القمة، ووضعت كثير من الشوارع الرئيسية للعاصمة تحت المراقبة عبر كاميرات وأجهزة متطورة، أغلبها تحت إشراف عسكريين أوروبيين. وأعلنت السلطات النيجرية أن حركة السير في المدينة ستشهد كثيرا من الاضطرابات خلال أيام القمة، داعية سكان العاصمة إلى تفهم الأمر، لأنه سيساهم في ضمان الأمن خلال هذه الأيام، فيما ستغلق الشوارع الرئيسية بشكل تام يومي السبت والأحد، وخاصة تلك القريبة من مكان انعقاد القمة.
وقال وزير داخلية النيجر محمد بازوم في تصريح صحافي: «لدينا قوة خاصة تضم آلاف الرجال»، معرباً عن ثقته في مستوى الإجراءات الأمنية، التي تم اتخاذها لتفادي وقوع أي مشكلات أمنية أو أعمال إرهابية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه النيجر، المحفوفة بالمخاطر الأمنية؛ حيث ينشط في ولاياتها الغربية تنظيم «داعش»، وفي ولاياتها الجنوبية الشرقية جماعة «بوكو حرام»، وفي مناطق من الشمال والشمال الغربي تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
لكن وزير الداخلية اعتبر القمة «فرصة» مهمة بالنسبة للنيجر من أجل تغيير الصورة السائدة التي تربط هذا البلد بالإرهاب وأعمال العنف، وقال: «هذه القمة مهمة بالنسبة لنا. نحتاج إلى رسم صورة جذابة لنا لا تربطنا بالإرهاب». لكن من الواضح أن هذه الفرصة سوف تكلف البلد كثيرا من الإمكانات العسكرية والمادية والاستخباراتية.
ومن المنتظر أن يحضر قمة الاتحاد الأفريقي في النيجر، ابتداء من اليوم أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة أفريقية للمشاركة في القمة، فيما بدأ بالفعل وزراء الخارجية اجتماعاتهم التحضيرية للقمة التي ستهيمن على أجندتها الملفات الاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى ملف الهجرة السرية.
ويعد الملف الاقتصادي الأبرز من بين جميع الملفات المطروحة على طاولة هذه القمة، وخاصة ما يتعلق بتفعيل «منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية»، التي دخلت الاتفاقية المنشئة لها حيز التنفيذ في 30 من مايو (أيار) الماضي، عقب وصول عدد الدول المصادقة على الاتفاقية إلى 44 دولة أفريقية منذ الإعلان عنها عام 2018 في العاصمة الرواندية كيغالي. واستحوذ تفعيل هذه المنطقة على نقاشات مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأفريقي أمس في نيامي، وهو المجلس الذي يعد الهيئة التنفيذية للاتحاد الأفريقي. ومن المنتظر أن ينهي نقاشاته اليوم الجمعة، قبل أن يقدم توصياته وقراراته إلى مجلس القادة يومي السبت والأحد للمصادقة عليها.
ويسعى مشروع «منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية» إلى إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، من أجل تسهيل التبادل التجاري داخل القارة السمراء، التي أصبحت تشكل سوقاً تزيد على المليار نسمة. وفي هذا السياق، قال رئيس المفوضية الأفريقية موسى فقي محمد إن قمة نيامي «فرصة سانحة لجمع التمويلات من أجل تفعيل منطقة التجارة القارية الأفريقية».
وإن كانت الملفات الاقتصادية تهيمن على أجندة القادة الأفارقة وهم يعقدون قمتهم في النيجر، فإن شبح الإرهاب سيخيم على اجتماعاتهم، ذلك أنه على بعد مئات الكيلومترات فقط تقع مناطق نفوذ جماعة «بوكو حرام» وتنظيم «داعش» الإرهابي، والصحاري الشاسعة التي يتخذها تنظيم «القاعدة» ملاذا آمناً لتدريب عناصره وتمويل أنشطته الإرهابية عبر التهريب.
وخلال الاجتماعات التحضيرية التي بدأت أمس، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، أهمية دعم السلم والأمن في القارة الأفريقية، من خلال مبادرة «إسكات البنادق»، داعياً كل الأطراف الأفريقية المتناحرة لوقف الاقتتال وسفك الدماء.
وترأس شكري، اجتماعات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، في إطار رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي للعام الحالي 2019. وناشد شكري، في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية، الدول الأفريقية، ضرورة تجنب ما يرتبط بحالة عدم الاستقرار وغياب السلم والأمن، من انتشار ظواهر الإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر.
وأشار الوزير إلى أن الاجتماعات تتسم بصبغة تاريخية فريدة؛ حيث تأتي في إطار تكليف السادة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية للمجلس التنفيذي، من أجل متابعة تنفيذ تكليفات القمة، فضلاً عن متابعة عملية الإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي. ووجّه وزير الخارجية في كلمته 5 رسائل رئيسية، أولها أهمية تعزيز التنسيق والتعاون بين الاتحاد الأفريقي والتجمعات الاقتصادية الإقليمية الثمانية بالقارة، على أسس من التكامل وتقسيم الأدوار وتجنب الازدواجية في العمل الأفريقي المشترك، من أجل الارتقاء بمعدلات الاندماج الإقليمي والقاري.
ونوه شكري بأن هذا التنسيق يهدف إلى تحقيق الرؤية الإصلاحية للعمل الأفريقي المشترك، من خلال تركيز القمم الأفريقية على الموضوعات الاستراتيجية المرتبطة بالاندماج القاري، ومسائل السلم والأمن، وتمثيل القارة على الساحة الدولية، بينما تتولى التجمعات الاقتصادية الإقليمية تنفيذ خطط وبرامج الاندماج الإقليمي.
وأكد أن الدول الأفريقية سوف تحتفل بإطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، باعتبارها مشروعاً قارياً رائداً بكل ما يحمله من طموحات وتحديات، وما يفتحه من آفاق جديدة للتكامل والتنمية في ربوع القارة.
وشدّد على أنه لا خيار أمام الدول الأفريقية سوى تحرير التجارة، إذا أرادت تحقيق نقلة نوعية في معدلات التنمية.
وأوضح وزير الخارجية أولوية تطوير البنية الأساسية للنقل والاتصالات، حتى تتمكن القارة من جني ثمار تحرير التجارة، مشيراً بصفة خاصة إلى أنه لم يعد مقبولاً غياب خطوط الطيران المباشرة بين بعض دول القارة، فضلاً عن أن تكون تكلفة نقل البضائع داخل القارة الأعلى عالمياً. كما تطرق الوزير إلى أهمية الاستفادة من الثورة التكنولوجية من أجل تطوير التكامل بين دول القارة، بجانب الاستفادة من مميزات الثورة الصناعية الرابعة، وما تتضمنه من تقنيات متطورة، مثل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، تناول أهمية مشروع محور القاهرة - كيب تاون، وتطوير شبكات الاتصالات، والربط الكهربائي، والسكك الحديدية في ربوع القارة.
كما شدد شكري على أهمية دعم السلم والأمن في القارة، من خلال مبادرة «إسكات البنادق»، وأشار إلى وجود عدد من الموضوعات التي تتناولها أجندة الاجتماعات على قدر كبير من الأهمية، مثل اعتماد الهيكل الجديد للاتحاد الأفريقي، واعتماد ميزانية عام 2020، ومساهمات الدول الأعضاء في صندوق السلام، داعياً إلى مواصلة العمل الدؤوب والتقدم للأمام سوياً.
النيجر تحتضن قمة أفريقية ذات طابع اقتصادي يخيّم عليها شبح الإرهاب
نيامي تتحول إلى مدينة عسكرية مغلقة... وشكري يدعو لدعم الأمن في أفريقيا من خلال مبادرة «إسكات البنادق»
النيجر تحتضن قمة أفريقية ذات طابع اقتصادي يخيّم عليها شبح الإرهاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة