التاريخ يؤكد أن الحظ والصدفة يلعبان دوراً مهماً في كرة القدم

تكشف البيانات المتعلقة بكرة القدم أن الحظ يلعب دوراً مهماً، وربما حاسماً، في مباراة واحدة من بين 6 مباريات. في أواخر تسعينات القرن الماضي، ابتكرت شركة مراهنات لعبة جديدة مثيرة لتسلية العملاء داخل متاجر المراهنات التابعة بها أثناء انتظارهم بدء السباق. ودارت اللعبة حول محاكاة من خلال الكومبيوتر لمواسم كاملة من مواجهات الدوري الممتاز، وكان يجري تشغيل عدة مباريات كل صباح وضغطها في غضون دقائق قليلة، مع الإشارة إلى الاحتمالات التي كانت قائمة قبل انطلاق الموسم، بهدف اجتذاب اهتمام عشاق الساحرة المستديرة.
بدا الأمر شبيهاً بعض الشيء بويمبلي؛ لعبة الألواح التي ظهرت في سبعينات القرن الماضي والتي فعلت أمراً مشابهاً لبطولة كأس الاتحاد. كما حققت لعبة «دوري كرة القدم» الافتراضية ذات الوتيرة بالغة السرعة نجاحاً كبيراً. وظلت هذه الحال قائمة حتى صباح أحد الأيام عندما تفجرت مفاجأة من العيار الثقيل في وجه جميع الأطراف المعنية، عندما جرى إمداد الكومبيوتر بجميع الاحتمالات وطلب منه تحديد النتيجة، وبعد 5 دقائق، أعلن الكومبيوتر تشارلتون البطل الجديد المتوج لإنجلترا بعد أن بدأ موسمه التخيلي باحتمالات فوز تبلغ 1 - 2.000.
وشعر اللاعبون بأن ثمة خطأ وقع، لكن القائمين على اللعبة كانوا في حالة صدمة حقيقية مثل العملاء تماماً. وقد صدم المسؤولون بقاعدة الاحتمالات الأساسية التي تقول إنه حتى أكثر النتائج غير المحتملة يمكن أن تتحقق إذا وُفر لها الوقت والفرصة المناسبان. الحقيقة أن الكومبيوتر خرج ببعض النتائج الغريبة على نحو لافت كي يدفع بتشارلتون إلى قمة الدوري، لكنه لم يقدم أي نتائج تبدو بمفردها من المتعذر تخيل حدوثها. أما ما كان غير عادي فهو العدد الضخم للنتائج غير المحتملة الذي تكرر في المحاكاة ذاتها، ليس فقط فيما يتعلق بتشارلتون، وإنما كذلك لفرق أخرى بدأت لعبة المحاكاة ولديها - افتراضياً - فرصة أفضل بكثير للنجاح.
وعندما نقفز إلى الأمام لمسافة 20 عاماً نجد أن كثيراً من هذه السيناريوهات غير المحتملة تحقق بالفعل مع ليستر سيتي موسم 2015 - 2016، عندما قدم الفريق أداءً جيداً للغاية فاق جميع التوقعات، ونجح في اقتناص بطولة الدوري الممتاز، بينما جاء أداء جميع الفرق الست التي هيمنت على المراهنات عكس المتوقع. لقد كان ليستر سيتي فريقاً رائعاً، ومع هذا تظل الحقيقة أنه ظل بحاجة إلى دفعة كبرى من الحظ، خصوصاً فيما يتعلق بوقوع سلسلة طويلة من النتائج غير المحتملة في مباريات تخص أندية أخرى، كي يتمكن نهاية الأمر من الفوز بالبطولة بإجمالي 81 نقطة.
وقد خطرت على ذهني هاتان النتيجتان؛ واحدة افتراضية والأخرى واقعية، لدى مطالعتي مجموعة من البيانات بخصوص آخر مواسم الدوري الممتاز عبر أحد الموقع الذي أنشأه الأسطورة الأميركية بمجال تحليل البيانات، نات سيلفر. ظاهرياً، بدا موسم 2018 - 2019 في الجزء الأكبر منه متوقعاً، ذلك أن مانشستر سيتي الفريق المفضل من جانب المراهنات ونجح في الفوز على ثاني أفضل فريق رشحته المراهنات، ليفربول. في الوقت ذاته، حصلت الأندية الأربعة التالية على صعيد المراهنات على المراكز الأربعة التالية في جدول ترتيب أندية البطولة. ورغم ذلك، توحي البيانات بأنه تبقى هناك عشرات المباريات على امتداد الموسم جاءت نتائجها بعيدة تماماً عن النتائج التي توقعتها جهود تحليل البيانات.
يعتمد الموقع سالف الذكر على 3 عناصر لتحليل مباريات الدوري الممتاز، يتمثل أبسطها في الأهداف المتوقعة. خلال موسم الدوري الممتاز لعام 2018 – 2019، جرت 380 مباراة سجلت خلالها الفرق صاحبة الأرض 596 هدفاً، ما يقترب للغاية من الرقم المتوقع البالغ 615 هدفاً. أما الفرق الزائرة، فسجلت 476 هدفاً، مقابل 496 هدفاً توقعها الموقع. حتى الآن، يبدو الوضع على ما يرام.
مع ذلك، فإنه لدى مقارنة نتائج المباريات الفردية بمواجهة أعداد الأهداف المتوقعة نجد أن بعض التفاوتات الصادمة يبدأ في الظهور. بصورة إجمالية، كانت هناك 64 مباراة بلغ خلالها الفارق بين النتيجة الفعلية والنتيجة المتوقعة ما يزيد على هدفين - ما يكفي لتحويل 3 نقاط إلى صفر. وتعني المباريات الـ64 نحو مباراة واحدة كل 6 مباريات من الموسم، أي أن الحظ يتدخل بقوة ليفرض كلمته في مباراة من بين كل 6.
وكانت هناك نحو 12 مباراة بلغ الفارق فيها بين النتيجة الفعلية والنتيجة المتوقعة 3 أهداف على الأقل، بينها 3 مباريات كان الاختلاف فيها 4 أهداف أو أكثر. ومن بين هذه المباريات اثنتان شهدتا هزيمة مدوية لأحد الطرفين جاءت أكبر مما توقعه الكومبيوتر بالفعل، مثلما الحال مع الهزيمة المدوية التي تعرض لها ساوثهامبتون على أرض استاد الاتحاد بنتيجة 6 - 1.
وربما يعود ذلك إلى قصور في التقديرات المعتمدة على الأهداف المتوقعة التي تصدر تقييماتها بناءً على مستوى جودة الفرصة وليس مستوى جودة أداء اللاعب. وقد جرى تعديل تقييمات الموقع لتعكس «معدلات التحول التاريخية» لخط الهجوم الأساسي لمانشستر سيتي المؤلف من ستيرلينغ وأغويرو وساني، الذين سجلوا جميعاً أهدافاً.
ومع هذا، كان هناك عدم توازن في المباراة الثالثة بفارق 4 أهداف بين توقعات الكومبيوتر والواقع، ذلك أنه تبعاً لتقديرات الكومبيوتر فإن المباراة التي انتهت بهزيمة توتنهام هوتسبير بنتيجة 3 - 1 أمام ليستر سيتي، كان من المفترض أن تنتهي بنتيجة عكسية تماماً.
وكانت تلك المباراة قبل الأخيرة للمدرب كلود بويل مع ليستر سيتي. كانت المباراة السابقة لليستر سيتي قد انتهت بالهزيمة على أرضه أمام مانشستر يونايتد بنتيجة 1 - 0، رغم أن تقديرات الكومبيوتر كانت ترجح كفة ليستر سيتي بنسبة 1.9 إلى 1.3. وبعد خسارة الفريق بـ4 أهداف على أرضه أمام كريستال بالاس بعد ذلك بأسبوعين، جاءت فترة تدريب بويل للفريق إلى نهاية وصفت بـ«المحتومة» بعد سلسلة من النتائج «المروعة».
هل كانت بالفعل حتمية؟ مروعة؟ أمام سلسلة من غياب الحظ الجيد في أسوأ توقيت ممكن في إطار بطولة دوري يلعب خلالها الحظ والصدفة دوراً مهماً وربما حاسماً في واحد من كل 6 مباريات؟... لا يزال هناك كثير من عشاق الساحرة المستديرة والمعلقين يبدون شكوكاً عميقة إزاء تقديرات الأهداف المتوقعة والتقديرات المشابهة بمجال تحليل كرة القدم، رغم أنهم الجماهير والمعلقون أنفسهم الذين يدعون أن «القائمة النهائية لا تكذب أبداً» - وهو قول كان وسيظل أبداً محض هراء.