أخوان من غزة يصنعان تحفاً خشبية بحرفية عالية

بخطوات متسارعة يعمل الشاب نضال النخالة (20 عاماً) على رفع الأخشاب لسطح منزله، حيث أخته الأكبر هبة (23 عاماً) تنتظره داخل ورشة صغيرة للنجارة تشبه «الكوخ»، صمماها بطريقة عصرية جذابة واستخدموا في ذلك بعض الأخشاب البالية، إضافة لمهاراتهم الممزوجة بالشغف.
ساعات طويلة تمتد من شروق شمس الصباح حتى غروبها يقضيها الأخوان في «الكوخ» يساعدان بعضهما؛ لإنتاج قطع فنية وتراثية وتحف «أنتيكا» خشبية متنوعة يتم تسويقها في المتاجر والأسواق ويعبر جزء منها عن التاريخ الفلسطيني والأصالة العربية، والآخر يحملُ قيمة جمالية عالية.
وعن ذلك تقول هبة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «بداية الفكرة كانت حين أردت برفقة أخي تقديم هدية لوالدي في يوم ميلاده، وقتها احترنا كثيراً في تحديد ماهيتها وشكلها، لأننا رغبنا أن تكون مختلفة، وتحمل طابعاً خاصاً». وأضافت: «فقررنا أن نصنعها بأيدينا، وبدأنا العمل بعد أن جمعنا الأخشاب اللازمة واستخدمنا أدوات النجارة البدائية».
حينذاك أنتج الأخوان لوحة فنية لاقت قبولاً وإعجاباً من كل أفراد العائلة، فقرر والدهم أن تكون بداية مشروع لهما، فشجعهما على الاستمرار من خلال تحفيزهما بكلمات الثناء والشكر، إضافة لجلب الأخشاب والمعدات اللازمة.
تطور الأمر ورأى هبة ونضال أنّهما أصبحا بحاجة لورشة تجمع أدواتهم والأخشاب وتكون مكاناً خاصاً لهم، فمنحهم والدهم جزءاً من سطح المنزل لأجل ذلك، وبدأا في مشروعهما الصغير.
هبة التي تخرجت من تخصص الخدمة الاجتماعية قبل عامين، توضح أنّها تسعى برفقة أخيها الذي ما زال يدرس في الجامعة لتحدي شبح البطالة الذي يسيطر على معظم الشباب في غزة الذي يعاني من سوء في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية منذ عشر سنوات وأكثر، مبيّنة أنّها استطاعت أن تحقق استقلالاً مادياً ومصدر دخل بفترة قصيرة من خلال المشروع الذي أطلقا عليه اسم «أنتيكا هوم».
تضيف الشابّة: «لا نستخدم الطلاء الصناعي لمنتجاتنا، فنحن نصنع جماليات القطع من خلال العقد الموجودة في الخشب نفسه، والتي نُظهرها من خلال النحت المستمر الذي يحتاج ساعات طويلة ومهارات دقيقة»، تردف: «في النهاية نصل لنتائج رائعة، تنال إعجاب الجميع، وتحقق لهم مناظر مريحة للنظر والعين».
يتولى نضال مهمة جلب الأخشاب ونقلها وقصها والأشغال الأخرى التي تحتاج لمجهودٍ عضلي وبدني، بينما تهتم هبة برسم الشكل الأولي للقطع وتصميمه والإشراف عليه حتى يخرج بشكله النهائي، وكذلك تحرص على تنوع اللمسات الفنية في كلّ قطعة لتكون مرضية لجميع الأذواق، وجذابة للمشترين.
واجهت الفكرة منذ بداياتها صعوبة كبيرة بحسب ما يشير نضال خلال كلامه مع مراسل «الشرق الأوسط»، والصعوبة تمثلت في كون الناس يظنون أنّ المنتجات الخشبية المصنوعة يدوياً هي مثل المصنوعة بواسطة الآلات الكبيرة، لافتاً إلى أنّهما حرصا على تجاوز تلك المرحلة من خلال تخفيض أسعار القطع على حساب هامش الربح.
يكمل: «نصنع الصواني، والمرايا، والمقاعد الصغيرة والكبيرة، وساعات الحائط، وغيرها من القطع، ونعتمد في ذلك على أخشاب شجر الزيتون والسرو، لما تتميز به من صلابة ومتانة»، وينبّه إلى أنّهم يهتمون بترويج منتجاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشاركا أيضاً في عدد من المعارض المحلية ووجدا فيها إقبالاً جيداً على منتجاتهم.
وتروي هبة أنّ نظرة المجتمع لها كانت في البداية محاطة بالدهشة، فكيف لفتاة أن تكون «نجارة». تلك المهنة التي لا يقوى على تحمّل أعبائها كثيرٌ من الرجال، منوهة بأنّ دعم أهلها ساعدها في تخطيها، وتتكلم كذلك عن أنّ كثيرين حوّلوا نظرتهم من الاستغراب للإعجاب والثناء بعدما شاهدوا جودة الأعمال وجمالها.
«اليوم العالمي لمهارات الشباب الذي يتم إحياؤه في مثل هذا الوقت من كلّ عام، إضافة لغيره من الأيام الدولية التي تهتم بالفئات الشابّة وقدراتها الإبداعية، هي بمثابة فرصة نحتفل فيها بإنجازاتنا» تتحدث هبة، مستدركة أن الحالة الخاصة التي يعيشها الشباب في غزة تجعل من تلك المناسبات أوقاتاً ملائمة لإطلاق الأصوات التي تعبر عن سوء واقعهم والمشكلات التي تحيط بكافّة مناحي الحياة.