صدمة في الجزائر بعد سجن رمز بارز في ثورة التحرير

القضاء يوجه للرائد بورقعة واتهامه تهمة «إضعاف معنويات الجيش»

المناضل الجزائري لخضر بورقعة
المناضل الجزائري لخضر بورقعة
TT

صدمة في الجزائر بعد سجن رمز بارز في ثورة التحرير

المناضل الجزائري لخضر بورقعة
المناضل الجزائري لخضر بورقعة

أودعت محكمة بالعاصمة الجزائرية أمس، الرائد لخضر بورقعة أيقونة ثورة التحرير (1954 - 1961) بسبب تصريحات أطلقها ضد الجيش وقائده الجنرال قايد صالح.
وبث التلفزيون الحكومي بأن قاضي التحقيق بمحكمة بئر مراد رايس، اتهم بورقعة (80 سنة) بـ«المساهمة في وقت السلم في إضعاف الروح المعنوية للجيش»، و«الإضرار بالدفاع الوطني عن طريق إهانة هيئة نظامية». ويعود ذلك إلى تصريحات أطلقها أول من أمس، جاء فيها أن «الجيش الشعبي الوطني ليس سليل جيش التحرير الوطني». ويعد ذلك مساسا بسمعة المؤسسة العسكرية، بحسب قيادتها.
كما قال بورقعة بأن قايد صالح «كان منذ سنة 2004 بمثابة محافظ سياسي لدى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة»، في إشارة إلى العام الذي عيَن فيه بوتفليقة، قايد صالح رئيسا لأركان الجيش خلفا للجنرال محمد العماري (توفي عام 2012). وأفاد بورقعة الذي كان يتحدث مع صحافيين ومعارضين، أن قائد الجيش «كان يمجّد بوتفليقة واليوم يتهم الشارع (الحراك الشعبي) بأن جهات خارجية تحركه»، في إشارة إلى تهجم قائد الجيش على المتظاهرين بحجة أنهم «يبالغون في مطالبهم»، خاصة ما تعلَق برحيل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.
ويرجح بأن تهمة «إهانة هيئة نظامية»، ذات صلَة بحديث بورقعة عن قايد صالح الذي يصفه الإعلام بـ«السلطة الفعلية للبلاد»، إذ قال عنه بأنه يزور دولة عربية باستمرار، وهو بذلك نقل ما يشاع في الأوساط السياسية بأن قايد صالح «لديه ارتباطات سياسية ومصلحية» مع حكام تلك الدولة. وأكد بورقعة أن نظام الحكم «لم يكن أبدا شرعياً، وأجيال اليوم اكتشفت حقيقتنا جميعا».
ويتعامل الجنرال صالح بحساسية بالغة مع ما يقال ويكتب عنه، وقد أدخل السجن جنرالين لأنهما ذكراه في الصحافة، هما حسين بن حديد وعلي غديري مرشح الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أبريل (نيسان) الماضي، وألغيت بسبب ثورة الجزائريين ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة. واستقال الرئيس في 2 أبريل تحت ضغط الجيش.
وأطلق التلفزيون الحكومي تصريحات تشكك في الماضي النضالي لبورقعة، قائلاً انه «كان يحارب في صفوف الجيش الفرنسي بين سنتي 1954 و1956. وعاد إلى أرض الوطن أثناء العطلة ليلتحق بالثورة». وقال أيضا بأن «اسمه الحقيقي أحمد بورقعة، اشتهر بنضاله في صفوف بعض الأحزاب السياسية المعروفة بمواقفها المتذبذبة والمتغيرة، خاصة في القضايا المصيرية للوطن وهو من الأشخاص الذين حققوا بعض المكاسب الشخصية المادية حسب المواقف».
وانتمى بورقعة للحزب المعارض «جبهة القوى الاشتراكية»، وغادره بسبب خلافات مع قياداته. وبحسب التلفزيون، فقد «تقمص بورقعة اسم سي لخضر، نسبة إلى رابح مقراني القائد الحقيقي للولاية الرابعة التاريخية (وسط البلاد) الذي استشهد خلال الثورة المباركة». والشائع عن بورقعة أنه قاد «الولاية الرابعة» (تقسيم هيكلي لثورة الاستقلال) فترة قصيرة.
وكانت جهة أمنية تابعة للجيش اعتقلت بورقعة، الليلة ما قبل الماضية، من بيته بالعاصمة واقتادته إلى «ثكنة عنتر» المعروفة، التي تقع بأعالي العاصمة. وفي اليوم التالي أحيل على قاضي التحقيق بمحكمة مدنية. يشار إلى أن المؤسسة العسكرية سجنت العديد من الأشخاص بتهمة «إضعاف معنويات الجيش» و«إضعاف الروح القتالية للجيش». وعدَت تنظيمات حقوقية ذلك «تكميما لحرية التعبير».
وعبَر أصدقاء ورفاق بورقعة عن صدمتهم بعد اعتقاله. وكانت الصدمة أشدَ، حسب تصريحاتهم، بعد الاطلاع على التهمتين ومتابعة حملة التلفزيون ضده. وقال فضيل بومالة، وهو صحافي مقرَب من بورقعة في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» بأن «هذا النظام تجاوز كل الحدود». وأعلن عدة محامين بأنهم سيتطوعون للدفاع عن المجاهد والناشط السياسي، دائم الحضور في اجتماعات المعارضة. وكان قد صرَح بأنه لن يشارك في اجتماع أحزاب المعارضة المقرر يوم السبت المقبل، وأنه «غير معني» بالحوار الذي دعا إليه الجيش لبحث تنظيم رئاسية جديدة، «لأنهم اختاروا رئيسا على مقاسهم ويريدوننا أن نزكيه».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.