مجلس الأمن يوسع مهام قواته في دولة مالي

فرنسا تنشر أكثر من 4 آلاف جندي في منطقة الساحل

صورة من فيديو للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد موقع مذبحة عرقية قتل فيها مسلحون العشرات من المدنيين في قرية دوغون منتصف الشهر الجاري (رويترز)
صورة من فيديو للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد موقع مذبحة عرقية قتل فيها مسلحون العشرات من المدنيين في قرية دوغون منتصف الشهر الجاري (رويترز)
TT

مجلس الأمن يوسع مهام قواته في دولة مالي

صورة من فيديو للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد موقع مذبحة عرقية قتل فيها مسلحون العشرات من المدنيين في قرية دوغون منتصف الشهر الجاري (رويترز)
صورة من فيديو للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد موقع مذبحة عرقية قتل فيها مسلحون العشرات من المدنيين في قرية دوغون منتصف الشهر الجاري (رويترز)

قرر مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم الجمعة الماضي، تمديد مهام بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في دولة مالي «ميونيسما» لعام آخر، مع توسيع مهامها لتشمل حفظ الأمن والسلام في منطقة وسط مالي الذي يشهد منذ عدة أشهر تصاعد أعمال العنف ذات الطابع العرقي بين قبائل «الفلاني» وقبائل «الدوغون» وخلفت مئات القتلى في صفوف المدنيين.
وحافظ مجلس الأمن الدولي في قراره على تعداد قوات حفظ السلام في مالي والبالغ 15 ألف جندي، أغلبهم من الجنود الأفارقة مع حضور أوروبي محدود، فيما يرجح فرض «عقوبات جديدة» قريباً على أفراد يعرقلون عملية السلام وتنفيذ اتفاق تم توقيعه قبل أربع سنوات في الجزائر.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية خلال نقاشات مجلس الأمن الدولي قد تحفظت على القرار، معتبرة أن مهمة حفظ السلام في دولة مالي «مكلفة ماديا وغير فعالة على الأرض»، وهو ما يتفق مع وجهة نظر مجموعة دول الساحل الخمس (مالي، موريتانيا، النيجر، بوركينافاسو وتشاد) التي تطالب بتوجيه التمويل الأممي إلى قوة عسكرية مشتركة شكلتها هذه الدول وما تزال تعاني من عراقيل مادية ولوجستية وعملياتية.
ويبلغ تعداد القوات الأممية في دولة مالي 15 ألف جندي، من ضمنهم أكثر من 13 ألف عسكري ونحو ألفي شرطي، وقد مدد القرار مهمة عملهم حتى نهاية يونيو (حزيران) 2020، وصادق مجلس الأمن في قراره الجديد على توسيع مهامها لتشمل وسط البلاد، بعد أن كانت مهمتها الأساسية تتركز في شمال مالي؛ حيث سبق أن سيطرت مجموعات إرهابية مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» عام 2012، وحاولت تأسيس إمارة إسلامية متشددة.
في غضون ذلك بلغت أعمال العنف ذروتها في وسط مالي نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، حين وقعت مذبحة نُسِبت إلى قبائل «الدوغون» العاملين بالصيد التقليدي، واستهدفت قرية «أوغوساغو» قرب الحدود مع دولة بوركينا فاسو وأدت إلى مقتل نحو 160 شخصاً ينتمون إلى قبائل «الفولاني»، فيما نفذ مسلحون مجهولون يعتقد أنهم من قبائل «الفلاني» أعمالاً انتقامية أدت إلى مقتل 35 شخصاً من «الدوغون» في قرية «سوباني دا» مطلع شهر يونيو (حزيران) الجاري، وبعد ذلك بأيام قليلة قتل 41 شخصاً من «الدوغون» في قريتي «غانغافاني» و«يورو» بوسط مالي. ورغم تصاعد أعمال العنف ذات الطابع العرقي في وسط دولة مالي، فإن الجماعات الإرهابية لجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ما تزال تنشط في شمال مالي وعلى الحدود مع النيجر، كما تنشط أيضاً جماعة «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى» المرتبطة بتنظيم «داعش» الإرهابي، ويتركز نشاطها في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو.
وقال دبلوماسيون في الأمم المتحدة إنّ مجلس الأمن الدولي قد يفرض «عقوبات جديدة» بمبادرة من الولايات المتحدة وفرنسا ضدّ خمسة أشخاص متهمين بـ«الإرهاب» أو بتعطيل مسار السلام في دولة مالي، وأشار أحد الدبلوماسيين إلى أنّ الداعية «أمادو كوفا» الذي يتزعم «جبهة تحرير ماسينا»، وهي مجموعة إرهابية ظهرت عام 2015 في وسط مالي ولديها ارتباط تنظيمي بـ«القاعدة»، قد يكون بين الأسماء الجديدة التي سيجري استهدافها بتجميد الأصول ومنع السفر.
وسبق أن أعلن الفرنسيون والماليون نهاية العام الماضي (2018) مقتل «كوفا» في عملية عسكرية وسط مالي، ولكنه ظهر في مقطع فيديو مطلع العام الجاري لينفيما أعلنه الفرنسيون ويتهمهم بالكذب، داعياً قبائل «الفلاني» التي ينحدر منها إلى الالتحاق به من أجل محاربة الفرنسيين والماليين، مستغلاً بذلك التوتر العرقي في البلاد. ورغم اتفاق السلام الموقع مع جماعات متمردة يهمين عليها «الطوارق» و«العرب»، والهادف إلى عزل الجماعات الإرهابية، فإنّ مناطق كاملة لا تزال خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية وتلك التابعة للأمم المتحدة، ولا تزال تتعرض لهجمات دموية، وفي السنوات الأخيرة، تمددت هذه الهجمات إلى وسط مالي وجنوبها وأيضاً إلى الجارتين بوركينا فاسو والنيجر.
وتنشر فرنسا أكثر من 4 آلاف جندي من قواتها الخاصة في منطقة الساحل، وخاصة في مالي، لمواجهة الإرهاب في المنطقة، وذلك في إطار عملية عسكرية تحمل اسم «بركان»، تنسق فيها مع جيوش دول الساحل.


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
TT

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

يعقد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الأحد، قمة «عادية» تشارك فيها 12 دولة من أصل 15، هم أعضاء المنظمة الإقليمية، فيما يغيب قادة كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي قررت الانسحاب من المنظمة، بسبب موقف الأخيرة من الأنظمة العسكرية التي تحكم هذه الدول، والمحسوبة على روسيا.

ورغم أن هذه القمة «عادية»، فإنها توصف من طرف المراقبين بأنها «استثنائية»؛ بسبب حساسية الملفات التي سيناقشها قادة دول غرب أفريقيا، التي في مقدمتها الملفات الأمنية بسبب تصاعد وتيرة الإرهاب في المنطقة، وملف العلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، والسعي لإقناعها بالتفاوض والتراجع عن قرار الانسحاب.

قرار نهائي

وفيما يسعى قادة المنظمة الإقليمية التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع دول الساحل الثلاث بالبقاء في المنظمة، إلا أن الأخيرة أعلنت، الجمعة، أن قرارها «لا رجعة فيه»، وجدّدت اتهامها للمنظمة الإقليمية بأنها «أداة» تتحكم فيها فرنسا. وتمسّكت الدول الثلاث بالمضي قدماً في تشكيل منظمتها الخاصة، حيث أعلنت قبل أشهر إقامة «تحالف دول الساحل»، وبدأت التحضير لتحويله إلى «كونفيدرالية» تلغي الحدود بين الدول الثلاث، وتوحد عملتها وجواز سفرها، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة.

قرار انسحاب دول الساحل من منظمة «إيكواس»، يدخل حيز التنفيذ يوم 29 يناير (كانون الثاني) المقبل (2025)، فيما يسعى قادة المنظمة إلى إقناع هذه الدول بالتراجع عنه أو تأجيله على الأقل، بسبب تداعياته الاقتصادية والأمنية على المنطقة.

إلغاء التأشيرة

جانب من الاجتماع بين قادة «إيكواس» في أبوجا ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

وقبل انعقاد قمة دول «الإيكواس» بعدة ساعات، أصدرت دول الساحل بياناً قالت فيه إنها قرّرت إلغاء التأشيرة عن مواطني جميع دول غرب أفريقيا، في خطوة لتأكيد موقفها المتمسك بقرار مغادرة المنظمة الإقليمية.

وقالت الدول الثلاث المنخرطة في كونفدرالية دول الساحل، إنها أصبحت «منطقة خالية من التأشيرات لجميع مواطني المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)». البيان الذي قرأه وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، عبر التلفزيون الحكومي المالي، مساء السبت، أكّد أن «لرعايا دول (إيكواس) الحق في الدخول والتنقل والإقامة والاستقرار والخروج من أراضي البلدان الأعضاء في كونفيدراليّة دول الساحل وفقاً للقوانين الوطنية السارية».

ولا يغير القرار أي شيء، حيث إن قوانين منظمة «إيكواس» كانت تنص على الشيء نفسه، وتتيح حرية التنقل والتملك لمواطني الدول الأعضاء في فضاء المجموعة الاقتصادية الممتد من السنغال إلى نيجيريا، وكان يضم 15 دولة قبل انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

توتر ثم قطيعة

وبدأت القطيعة بين تحالف دول الساحل ومنظمة «إيكواس» عقب الانقلاب في النيجر في يوليو (تموز) 2023، وهو الانقلاب السادس في المنطقة خلال ثلاث سنوات (انقلابان في مالي، انقلابان في بوركينا فاسو، وانقلاب في غينيا)، بالإضافة إلى عدة محاولات انقلابية في دول أخرى.

وحاولت المنظمة الإقليمية الوقوف في وجه موجة الانقلابات، وفرضت عقوبات على مالي وبوركينا فاسو، وهدّدت بالتدخل العسكري في النيجر بعد أن فرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، قبل أن تُرفع تلك العقوبات لاحقاً.

وتضامنت مالي وبوركينا فاسو مع النيجر، وأعلنت أن أي تدخل عسكري في النيجر يُعدّ انتهاكاً لسيادتها وسيجعلها تتدخل لدعم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، لتبدأ مرحلة جديدة من التوتر انتهت بقرار الانسحاب يوم 28 يناير 2024.

قمة لم الشمل

قوات «إيكواس» خلال تأدية مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية - رويترز)

من المنتظر أن يُخصّص قادة دول غرب أفريقيا حيزاً كبيراً من نقاشهم للعلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، حيث لا تزالُ المنظمة الإقليمية متمسكة بالطرق الدبلوماسية لإقناع الدول الثلاث بالتراجع عن قرار الانسحاب.

ذلك ما أكده رئيس نيجيريا، بولا تينيبو، وهو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، حيث أكد الأربعاء أن «الدبلوماسية والحكمة هي السبيل الوحيد لإعادة دمج هذه الدول في المنظمة الإقليمية».

وأشار الرئيس النيجيري إلى أن المجالس العسكرية التي تحكم الدول الثلاث «لا تزالُ مترددة في وضع برامج واضحة لمرحلة انتقالية محددة من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين والعودة إلى الوضع الدستوري»، ورغم ذلك، قال تينيبو: «ستستمر علاقة الاحترام المتبادل، بينما نعيد تقييم الوضع في الدول الثلاث». وأضاف في السياق ذاته أن منظمة «إيكواس» ستترك الباب مفتوحاً أمام عودة الديمقراطية إلى البلدان المعنية، مشدداً على أن احترام المؤسسات الدستورية وتعزيز الديمقراطية «هو ما تدافع عنه المنظمة».

مفترق طرق

أما رئيس مفوضية «إيكواس»، أليو عمر توري، وهو الشخصية الأهم في المنظمة الإقليمية، فقد أكّد أن «منطقة غرب أفريقيا تقف عند مفترق طرق غير مسبوق في تاريخها كمجتمع».

وقال توري في تصريحات صحافية، الخميس، إنه «في الوقت الذي تستعد الدول الأعضاء في (الإيكواس) للاحتفال باليوبيل الذهبي لجهود التكامل الإقليمي العام المقبل، تواجه أيضاً احتمالية انسحاب بعض الدول الأعضاء»، وأضاف أنه «من الضروري التأمل في الإنجازات الكبيرة التي حققتها (إيكواس) على مدى العقود الماضية، وكذلك التفكير في مستقبل المجتمع في ظل التحديات السياسية التي تواجه شعوبنا».

وفيما يرفعُ قادة المنظمة الإقليمية خطاباً تصالحياً تجاه دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تواصل الأخيرة في خطاب حاد يتهم «إيكواس» بالتبعية إلى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا).