كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط

في زحمة الاصطفاف السياسي الأميركي

كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط
TT

كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط

كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط

في عام 2008، تكهّن كثيرون بأنها ستكون واحدة من بين أبرز النساء اللواتي قد يصبحن «السيدة رئيسة الولايات المتحدة». وبعد عشر سنوات صُنّفت بأنها ستكون على قائمة أهم المرشحين الديمقراطيين في السباق الرئاسي لعام 2020. وبالفعل هذا ما حصل، عندما وقفت على منصّة أول مناظرة سياسية بين المرشحين الديمقراطيين، في مواجهة كبار متصدّري استطلاعات الرأي، رغم أن السباق لا يزال في بدايته.
إنها السيناتورة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا كامالا هاريس، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها عدّاءة سياسية شرسة وصلبة. وكانت هاريس في يونيو (حزيران) 2018 قد أعلنت أنها لا تستبعد الترشح في مواجهة الرئيس دونالد ترمب، ومع بداية عام 2019 أعلنت هاريس رسمياً خوضها السباق الرئاسي (2020). وخلال 24 ساعة من إعلانها ترشّحها جمعت تبرّعات قياسيّة مساوية للتبرعات التي جمعها بيرني ساندرز بُعيد ترشحه لانتخابات 2016. وفي المناظرات التي شهدتها مدينة ميامي بالأمس كان أداء هاريس قوياً ولافتاً... حاز إعجاب المحللين.
حضر المهرجان الانتخابي الأول للسيناتورة كامالا هاريس في يناير (كانون الثاني) 2019 نحو 20 ألف شخص في مدينتها أوكلاند، «جارة» مدينة سان فرانسيسكو بشمال ولاية كاليفورنيا. وشكّل هذا الإقبال الكبير «صدمة» لمنافسيها الذين شعروا بخطورتها على حظوظهم، على الأقل في مواصلة السباق الحزبي للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي.
ولكن رغم أن معظم مهرجانات هاريس الانتخابية تستقطب حضوراً مميزاً، فإنها تجهد لتقديم فلسفة خاصة بها، في ظل الاستقطاب الحاد الذي يشهده الحزب الديمقراطي، والمجتمع الأميركي عموماً، ما يجعل تقديم تصنيف سياسي أو آيديولوجي لها، دونه صعوبات جمّة.

البحث عن هوية
هاريس تقدّم نفسها على أنها صاحبة حلول عملية بدلاً من الرؤى الشاملة. وكانت قد قالت في مهرجان انتخابي بولاية ساوث كارولينا، الجمعة الماضي: «مهم أن يكون لديك أفكار كبيرة حول كيفية إصلاح هذا العالم، لكن من المهم أيضاً، ويمثل أولوية بالنسبة لي تقديم حلول لمعالجة الأشياء التي تجعل الأشخاص يستيقظون في منتصف الليل». ويعكس وقوفها على مسرح واحد أمام كبار منافسيها في أول مناظرة سياسية، على رأسهم نائب الرئيس السابق جو بايدن وبيرني ساندرز، حجم التحدّي الذي تواجهه.
ساندرز (اليساري أصلاً خارج صفوف الحزب الديمقراطي) صنّف نفسه مع السيناتورة إليزابيث وارين (من ولاية ماساتشوستس) كممثلين للتيار اليساري، في حين أعلن بايدن أنه يمثل موقع الوسط، واعداً بإلحاق الهزيمة ترمب. أما هاريس فتشتهر بأنها «مُدّعية عامة سابقة»، تشارك كعضو مجلس شيوخ في الجلسات العامة للمجلس، وليس للدفاع عن أي نهج سياسي معين.
الآن ثمة أصوات كثيرة تطالب هاريس بأن تعجّل في بلورة فلسفتها الآيديولوجية. وبينما يحمل منافسوها برامج واضحة ومحددة، ويعتقد كثيرون أنها قد تمثل التغيير المطلوب، فإن قلَّة منهم تبدو قادرة على تحديد نوع التغيير الذي ستحدثه.
البعض يقول إنها براغماتية أكثر منها آيديولوجية، وإنها شخصية عملية تسأل دوماً عن انعكاس أي قرار على حياة الناس. وحقاً، تقول جيل حبيب، التي عملت مستشارة لهاريس عندما ترشّحت لمنصب المدعية العامة، ولاحقاً لعضوية مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا: «من حيث منهجية كيفية تحقيق أهدافها، هاريس ليست آيديولوجية للغاية». ومن ثم، فالحصيلة حتى الآن هي مجموعة سياسات تتشكل غالباً من مواقف حدثيّة تتماشى مع الصراع الديمقراطي السائد في الولايات المتحدة.

حلول عملية مباشرة
من جهة ثانية، فإن الخيط الذي يربط مقترحاتها هو التركيز على ما قدّمته كإجراءات عملية، بدلاً من الحلول طويلة الأجل؛ إذ تؤيد هاريس الرقابة على الأسلحة الفردية، وحلّ قضية المواطنة بالنسبة لأطفال المهاجرين غير الشرعيين وأوليائهم، عبر قرارات تنفيذية رئاسية، كالتي اتخذها ترمب - وقبله أوباما - في مواجهة اعتراضات الكونغرس.
أيضاً، تؤيد هاريس تقديم مساعدات للمستأجرين وحوافز ضريبية للطبقة الوسطى بقيمة 6 آلاف دولار أميركي، ما يوفر مزايا ملموسة على المدى المباشر، بدلاً من البرامج الأكثر جذرية التي تقدمها السيناتورة اليسارية وارين، التي تتعهد بتفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى، مثلاً.
واليوم تدافع هاريس، ومثلها مساعدوها، في حملتها الانتخابية، عن دعوتها لرفع رواتب المعلمين بمعدل 13500 دولار، لمساواتهم بفئات المهنيين المتعلمين، بما يضمن تحسين نتائج الطلاب وبيئة التعليم، ليتبيّن بعدها أنه اقتراح يتطابق مع برامج نقابات المعلمين. وكما دافعت عن المعلمين، تعهدت هاريس أخيراً بفرض غرامات قاسية على الشركات التي تميز في الأجور بين النساء والرجال، في اقتراح مباشر لم يطرحه أي منافس ديمقراطي لها. ومن المعروف، عموماً، أن المرأة العاملة الأميركية تحصل على 80 سنتاً مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل.
في أي حال، وكما سبقت الإشارة، حتى الساعة لم تطلق هاريس أي وصف أو تسمية لموقعها. هل هي من يسار الوسط أو يمين أقصى اليسار أو في أي مكان بينهما. بل عندما سألتها مراسلة صحافية عما إذا كانت «من أتباع ديمقراطيي أوباما» ردت هاريس ببساطة: «أنا كامالا». وراهناً، تكثّف السيناتورة الكاليفورنية الطموحة نشاطها في الولايات الأربع التي ستشهد تصويتاً مبكراً، وصار لديها نادٍ للمعجبين باسمها، في تقليعة تشبه نادي المعجبين بالمغنية بيونسيه. غير أن استطلاعات الرأي المُبكّرة في ولاية كاليفورنيا، بالذات، تظهر إمكانات هاريس وحدودها، إذ عندما طُلب من الناخبين الديمقراطيين اختيار المرشحين الأول والثاني، جاءت نتائجها مشابهة لكل من بايدن ووارين، بحسب أحد الاستطلاعات. لكن عندما طلب منهم تحديد الخيار الأول، تراجعت هاريس وراء بايدن ووارين وحتى ساندرز.

النشأة... والصعود السريع
وُلِدت كامالا هاريس يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1964، لعائلة متعلّمة ومثقفة؛ فأبوها المهاجر من جامايكا، دونالد هاريس، بروفسور اقتصاد في جامعة ستانفورد المرموقة. أما أمها شيامالا غوبالان فهي مهاجرة هندية تاميلية من مدينة شيناي (مدراس سابقاً) واختصاصية بسرطان الثدي. ثم إن أختها مايا محامية وإعلامية ومحللة وناشطة سياسية لامعة. وهي حالياً متزوجة من المحامي دوغلاس إيمهوف.
تلقت كامالا تعليمها الجامعي في جامعة هوارد بالعاصمة الأميركية واشنطن، ثم حازت على إجازة الحقوق من جامعة كاليفورنيا - هايسينغز. وباشرت ممارسة العمل القانوني محامية وقاضية جنباً إلى جنب مع نشاطها السياسي. ومع بداية عام 2017 أصبحت من بين أصغر أعضاء مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، وكانت قد شغلت قبل هذا المنصب منصب المدعية العامة (أو وزيرة العدل) في الولاية من عام 2011 وحتى عام 2017. وقبل ذلك كانت المدعية العامة لمدينة سان فرانسيسكو، من عام 2004 وحتى 2011.

معركة مجلس الشيوخ
في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 هزمت هاريس منافستها الديمقراطية لوريتا سانشيز للحلول مكان السيناتورة (المتقاعدة) بربارا بوكسر، لتصبح ثالث امرأة تمثّل كاليفورنيا في مجلس الشيوخ الأميركي، وأول أميركية من أصول جامايكية وهندية في هذا المنصب. والجدير بالذكر أن نجم هاريس بدأ يلمع منذ عام 2008. وسرعان ما حظيت هاريس باحترام وتقدير معظم قيادات الحزب الديمقراطي. وفي فبراير (شباط) 2016 صوّت مؤتمر الحزب الديمقراطي لصالح هاريس بنسبة 78 في المائة، أي أكثر بـ18 في المائة من النسبة المطلوبة، وهي 60 في المائة لضمان ترشيح الحزب. ورغم ذلك، وبما أن تأييد الحزب لا يضمن لأي مرشح مكاناً في الانتخابات العامة، فإن المرشحين يشاركون في انتخابات أولية واحدة في يونيو، ثم يتقدّم المرشحان الأول والثاني، بصرف النظر عن هويتيهما الحزبية، إلى الانتخابات العامة. وهنا، نالت هاريس تأييد 48 مقاطعة من أصل 58 في ولاية كاليفورنيا، وتغلّبت على منافستها الديمقراطية (أيضاً) سانشيز في الانتخابات العامة، وهذا، بعدما فشل الحزب الجمهوري للمرة الأولى من إيصال مرشح له إلى انتخابات مجلس الشيوخ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تحصل منذ بدأت كاليفورنيا انتخاب أعضاء مجلس شيوخها مباشرة عام 1914.
في 8 نوفمبر 2016، فور فوز هاريس بمقعدها في مجلس الشيوخ، تعهَّدت بحماية المهاجرين من سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب. ويوم 21 يناير (كانون الثاني) 2017، أي في اليوم الثاني على تنصيب ترمب، وصفت هاريس رسالته بـ«المظلمة»، خلال مشاركتها في أكبر مظاهرة نسائية في واشنطن. ويوم 28 يناير أدانت هاريس القرار الرئاسي الذي أصدره ترمب لمنع مواطني سبع دول غالبيتها مسلمة من دخول الولايات المتحدة، واصفة القرار بأنه يحظر المسلمين.
بعد ذلك، في فبراير من العام نفسه، اعترضت هاريس على ترشيح بيتسي دي فوس وزيرة للتعليم، وجيف سيشنز وزيراً للعدل. وفي أول خطاب لها أمام الكونغرس خصّصت 12 دقيقة لانتقاد سياسات ترمب تجاه المهاجرين. وفي مارس (آذار) طالبت باستقالة سيشنز بعدما تحدّثت تقارير عن اتصاله بالسفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسلياك، مرتين. وفي أعقاب صدور تقرير المحقق الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016 وإعاقة التحقيقات، دعمت هاريس المطالبة بعزل الرئيس ترمب. ويوم 14 مارس 2017 اعتبرت أن إلغاء الجمهوريين «برنامج الحماية الصحية» المعروف بـ«أوباما كير» رسالة بأن التأمين الصحي «ترف» وليس حقّاً مدنياً.
ولفتت هاريس انتباه الإعلام الأميركي أكثر خلال جلسة استماع للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، عندما سألت نائب المدعي العام رود روزنشتاين عن علاقته بطرد مدير «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف بي آي) السابق جايمس كومي. وبسبب طبيعة أسئلتها المُحرجة، خصوصاً أنها محامية وقاضية، بادر كل من السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين والسيناتور ريتشارد بر، رئيس اللجنة، إلى مقاطعتها طالبين منها أن تظهر احتراماً أكبر للشاهد. وهذا، مع أن أعضاء ديمقراطيين في اللجنة ذكروا أنهم طرحوا أسئلة مشابهة على الشاهد، لكنهم لم يتعرّضوا للمقاطعة. وتكرّر الأمر خلال جلسة استماع أخرى مع وزير العدل جيف سيشنز، حيث قاطعها أيضاً ماكين وبر. ووصف سيشنز أسئلتها بأنها تثير أعصابه. وقال شيوخ ديمقراطيون إنها السيناتور الوحيد الذي تجري مقاطعته في جلسات الاستماع بشكل فظّ من قبل رئيس اللجنة. ووصف الإعلام مقاطعتها بأنها سلوك ذكوري تجاه سيدة عضو في مجلس الشيوخ، وبأنها ما كانت لتُقاطع فيما لو كانت رجلاً.
وفي موضوع آخر، انتقدت هاريس رئيس شركة «فيسبوك»، مارك زوكربرغ، بسبب طريقة استخدام الشركة لمعلومات المواطنين، وزارت خلال يونيو 2018 أحد مراكز احتجاز المهاجرين اعتراضاً على سياسة فصل العائلات، وانتقدت خلال جلسة تثبيت قاضي المحكمة العليا بريت كافانوه على اختصار تحقيقات «إف بي آي» في ماضيه.

سياسة خارجية تقليدية
ورد اسم هاريس بين القيادات الديمقراطية التي كانت هدفاً للرسائل المفخّخة التي أُرسِلت عبر البريد، العام الماضي. ودافعت وحدها عن النائبة الأميركية المسلمة إلهان عمر التي انتقدت ما سمته بـ«اللوبي» اليهودي. وقالت هاريس إنه ينبغي أن نحظى بصوت يحترم النقاش حول السياسات بما يضمن دعم إسرائيل والولاء للوطن، وبأن هناك فارقاً بين انتقاد السياسات والسياسيين ومعاداة السامية.
لكنها في المقابل، خلال مؤتمر «أيباك» (أقوى اللوبيات الداعمة لإسرائيل في أميركا) قالت إن إسرائيل ينبغي ألا تكون قضية خلافية بين الحزبين، وتعهدت بالعمل بما في وسعها لضمان أمنها وحقها في الدفاع عن نفسها، ورفضت حركة المقاطعة ضدها. كما أنها أسهمت مع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ في إصدار قانون يعترض على قرار مجلس الأمن الدولي «2334»، الذي يدين إسرائيل بسبب بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلَّة. كما صوتت على قرار في مجلس الشيوخ للاحتفال بالذكرى الخمسين «لتوحيد القدس»، والتقت في نهاية 2017 برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
مواقفها الأخرى تجاه القضايا العربية تعكس الخط العام المتخبِّط للقادة الديمقراطيين، ففي أبريل (نيسان) 2017 وعلى أثر هجمات خان شيخون الكيميائية في سوريا، وصفت هاريس الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «ليس فقط ديكتاتوراً وحشياً ضد شعبه، بل مجرم حرب، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهله». ودعت الرئيس ترمب إلى وضع استراتيجية مع الكونغرس حول سوريا بالتنسيق مع الحلفاء. لكنها في المقابل، تؤيد الاتفاق النووي الإيراني وتنتقد موقف الرئيس دونالد ترمب منه، معتبرة أن إلغاءه يعرّض الأمن القومي للخطر ويعزل الولايات المتحدة عن حلفائها.
واستطراداً، بينما تعتبر هاريس الاتفاق بأنه «أفضل وسيلة لمنع طهران من الحصول على السلاح النووي وتجنب صراع كارثي في الشرق الأوسط»، فإنها صوّتت في مجلس الشيوخ على قرارات لوقف المساعدات العسكرية للمملكة العربية السعودية أو على صفقات السلاح على خلفية حرب اليمن.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».