يسعى الأكاديمي السعودي والباحث المتخصص في العلاقات الدولية الدكتور إبراهيم المطرف، من خلال كتابه الجديد «العلاقات السعودية الدولية... اللوبي أنموذجا» إلى طرح رؤية «مستقبلية» حول بناء وتكوين «لوبي» سعودي، يكون نموذجا لعمل سياسي ودبلوماسي فعال ومؤثّر، على صعيد العلاقات الدولية للمملكة.
ويأتي الكتاب في وقت تشهد فيه الدبلوماسية السعودية حراكاً غير مسبوق، وفي وقت أيضا تواجه فيه البلاد أزمات إقليمية ودولية تؤكد من جديد حاجتها إلى تعزيز تأثيرها في المسرح الدولي، وخاصة في الولايات المتحدة التي أصبحت تمثل القطب الأوحد عالمياً.
ويتكون الكتاب، الذي نشره «مركز البحوث والتواصل المعرفي، في الرياض، ويقع في 220 صفحة، من 16 فصلاً، خصصت الفصول الخمسة الأولى منها للحديث حول تشكيل اللوبي الذي يرمز في المصطلح السياسي والدبلوماسي لـ(جماعة الضغط) أو (جماعات المصالح)، ويدرس المؤلف ضرورات ودوافع تشكيل اللوبي، وطريقة تنظيم وعمل ودور جماعات المصالح في الولايات المتحدة خصوصاً، في حين يتناول التجربة الفرنسية نموذجا لعمل اللوبي في أوروبا، كما يخصص فصلاً لتجربة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة».
يلحظ الكاتب أن مصطلح «اللوبي» تبلور في الولايات المتحدة خلال عام 1830 عندما بدأت مجموعة المصالح تمارس الضغوط على الكونغرس وحكومات الولايات. وهنا، يشير دكتور المطرف إلى تعريف «روي مكريدس» لـ«اللوبي»، باعتبارها «جماعات تجمعها مصلحة مشتركة، دائمة أو مستقرة، تناضل باستمرار من أجل تعظيم مصالحها ومنافعها، من خلال الضغط على الحكومة، للحصول على المزايا والتنازلات والمساعدات، بل على الدعم المباشر أو غير المباشر من قبل الحكومة».
أما الرئيس الأميركي ترومان فيعرف جماعات الضغط بأنها «جماعة تشترك في الاتجاه نحو مطالبة جماعات المجتمع الأخرى بمجموعة مطالب محددة، ويتم ذلك من خلال التأثير في مؤسسات الحكومة».
وفي مفهومه العام، يؤدي اللوبي دور «الوسيط» بين مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل الشعب من جهة، والحكومة والبرلمان من جهة أخرى. وحين ينعدم اللوبي أو يضعف يؤدي ذلك إلى ضعف العلاقة بين المؤسسات الأهلية والحكومة والبرلمان، وضعف التفاعل بينها جميعا.
وعمل اللوبي ليس مرحلياً بل هو عمل مستمر؛ «فالشعب، بعد أن يختار ممثليه في البرلمان والحكومة - عبر الانتخابات - لا يتركهم يتصرفون وحدهم كما يرون، حتى الانتخابات المقبلة بل يتابعهم، ويضغط عليهم عبر اللوبيات المختلفة».
ويلاحظ المؤلف أن الدبلوماسية التقليدية واجهت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تحديات مستمرة، أهمها ظهور فاعلين جدد في تشكيل العلاقات بين الشعوب والدول، وهي «لم تعد قادرة على التفاعل مع كثير من القضايا، مع تزايد دور النُخب الثقافية والسياسية وعدة فئات داخل المجتمعات، إضافة إلى ضغوط وسائل الاتصال الجماهيري منذ أواخر الثمانينات، وتزايد دور الشعوب في الضغط على الحكومات، وخصوصا في القضايا ذات الطابع العالمي وهذا ما فتح المجال لشكل جديد من الدبلوماسية العالمية (Global diplomacy) وبرز دور مجموعات المواطنين التي جمعتها كثير من الجمعيات والمنظمات تحت عناوين وأسماء مختلفة، وشكلت ضغطاً على الحكومات وأثرت في الرأي العام».
- اللوبي السعودي
يهتم الكتاب بتكوين «لوبي» سعودي يعمل على التأثير في الساحة الأميركية من أجل ضمان المصالح الاستراتيجية للمملكة في أقوى دولة على مستوى العالم. ويرى المؤلف أنه «لا شك أن مشروع تكوين اللوبي السعودي في الولايات المتحدة ينطلق من فكرة مركزية تتمحور حول أهمية تعزيز المكانة الدولية للمملكة، وتفعيل دورها في الساحة الدولية على الصعد كافة، تحقيقا للمصلحة الاستراتيجية في جميع المجالات الحيوية، كما ينطلق من أهمية تعزيز دورها للتأثير في صناعة القرار الأميركي».
ويركز الكتاب على ثلاثة محاور رئيسة، وهي: «اللوبي»، و«الدبلوماسية الناعمة»، و«منتديات الحوار»، وتمثل هذه المحاور صُلبَ الكتاب. وفي هذا الصدد؛ يبحث المؤلف معوقات الحركة الدبلوماسية والسياسية، والآليات التي يمكن أن تساعد في تطوير الأداء وتفعيله فيما يتعلق بإنشاء وتقوية «اللوبي» السعودي في الخارج، واستنهاض موارد المملكة من القوى الناعمة، وتطوير عملية الحوار على صعيد المجتمع الدولي. ومن أجل تشكيل لوبي يدافع عن مصالح السعودية في الولايات المتحدة، يقول المؤلف؛ إن «هذا الأمر يتطلب استنفار ما تمتلكه المملكة من إمكانات وخصوصا في مجال الدبلوماسية الناعمة، يضاف إلى توسيع دوائر الحوار مع مختلف القوى والتكتلات الدولية والإقليمية عبر إنشاء منتديات للحوار على أكثر من صعيد، ومع أكثر من مجموعة دولية وإقليمية، تطويراً لعلاقات المملكة الخارجية بجميع أطراف المجتمع الدولي ومكوناته، وخصوصا القوى الفاعلة والمؤثرة في حركته».
ثم يستعرض الكتاب التجارب السعودية لتكوين لوبي سعودي، متطرقاً للمحاولات والجهود الدبلوماسية السعودية ومنها على سبيل المثال الجهود التي تمت في مجال التعاقدات السعودية مع جماعات الضغط الأميركية، حيث ينقل عن نشرة (ذا إنترست (The Interest خبراً نشرته في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 يتناول تعاقد الحكومة السعودية مع شركات علاقات عامة لتقديم خدمات قانونية ودبلوماسية تتعلق بأعمال (اللوبي).
وفي هذا السياق، يستعرض دكتور المطرف كثيرا من الجهود السعودية للتأثير في الرأي العام الشعبي والرسمي في الولايات المتحدة ومنها تجربة المملكة في دعم المطلب الخاص بشراء طائرات (أواكس) التي يعدها من التجارب الناجحة جدا، كما يبحث في أسباب ضعف التأثير السعودي وعوامله، ويبحث عوامل انحسار تأثير اللوبي السعودي «في دائرة الموسمية»، وكيف ظلّ في إطار ردّ الفعل، لا الفعل والمبادأة، ويصفه بأنه «كان موسمياً ونتيجة لأزمات وقتية، ينتهي أو يتوقف بعدها»، وهو يرى أن ذلك «يتطلب إعادة النظر في هذا النشاط كما يتطلب طرح استراتيجية عمل دائمة».
ونظراً لأن المملكة كانت قد تعرضت لحملات عاتية من الهجوم الإعلامي، الذي تخصّصَت فيه «منصّات» لمؤسسات إعلامية وصحافية غربية، فكان لابد أن يتوقف المؤلف أمام أسباب هذه الحملات، وأساليبها في التشويه، وعناصر حملاتها ضد المملكة، وإمكانات «تصميم» واستخدام «تكنيك» مختلف في العمل على مختلف المستويات، وبأساليب مغايرة، لما كان متبّعا في الماضي، وبآليات جديدة في الهجوم المضاد على الحملات التي تستهدف المملكة.
واستعرض المؤلف في كتابه أيضا، دور مؤسسات العلاقات العامة الأميركية، في دعم اللوبي الأجنبي داخل البيئة الأميركية، وكيفية الإفادة «سعوديا» من هذه المؤسسات وخبراتها، في دعم «اللوبي» السعودي، والتعاون معها في دعم الدبلوماسية الناعمة السعودية، وفي إقامة جسور من الحوار داخل المجتمع الأميركي، بمكوناته وشرائحه المختلفة.
ومن جهة أخرى، طرح المؤلف رؤيته لمستقبل الأداء السعودي في مجال العلاقات الدولية بشكل عام، من خلال مقترح سماه «منتدى الحوار السعودي الأميركي»، مفصلا الركائز التي ينطلق منها المنتدى، والأهداف التي يسعى لتحقيقها، كما تناول، في الوقت نفسه، «نموذجا» لتجارب مستقبلية «سعودية» أخرى، ما استدعى قراءة في آفاق تكوين وإطلاق، ما سماه المؤلف «المنتدى السعودي العالمي»، كوعاء لتشكيلات مماثلة يمكن إقامتها في مناطق مختلفة من العالم، تصعيدا للأداء وتعظيما للأهداف والنتائج من جهة، وخدمة لتعزيز المكانة الدولية للمملكة من جهة أخرى.
- توصيات
يقدم الفصل السادس عشر من الكتاب مجموعة من التوصيات أهمها: توحيد الجهود، حيث يتعين في رأي المؤلف العمل على توحيد الجهود الرسمية والأهلية في تعزيز المصالح والعلاقات السعودية الأميركية «حيث ثبت بالأدلة ومن خلال كثير من المواقف أن الجهود الرسمية وحدها لا تكفي». كما يقترح المؤلف إيجاد قنوات الحوار مع قادة الرأي والفكر والقيادات الإعلامية والسياسية الأميركية في محاولة لكسر اختلال التوازن الحواري بين الجانبين. كذلك يدعو إلى إيجاد روابط بين مؤسسات المجتمع المدني الأميركي وأجنحة اللوبي السعودية والعمل على تطوير أجندة سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية ومجتمعية تتوافق مع تطلعات المملكة وتوجهاتها، بالإضافة إلى تدريب الشباب الذين يتوقع انخراطهم في مجال أعمال اللوبي على مهارات وفنون العلاقات العامة والحوار والتفاوض والتحالفات والائتلافات وإدارة الأزمات وإدارة الرأي العام.
وهو يقترح أيضاً توظيف برلمانيين وسياسيين ودبلوماسيين وقانونيين من المتقاعدين الأميركيين أصحاب الخبرة والتجربة الميدانية الطويلة في عمل اللوبي واستشارتهم والاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم في تنظيم البرامج وإعداد الأنشطة الخاصة باللوبي السعودي، وخصوصا الحملات الإعلامية التي تستهدف التأثير في مواقف أميركية رسمية.
ويرى المؤلف أن الأولوية للعمل الاقتصادي تأتي في مقدمة ما يجب أن يضعه اللوبي السعودي في أولوياته بوصفه أقصر الطرق للتواصل السياسي مع الولايات المتحدة، إذ إن لغة الاقتصاد تعد اللغة الأقوى والأكثر نفوذا وتأثيرا في العلاقات الدولية، وهي العامل المؤثر والقوي في العلاقة مع الولايات المتحدة على نحو الخصوص، بالإضافة إلى ضرورة تعميق الصلات والعلاقات الثنائية وتطويرها مع النخب السياسية والثقافية ونخبة المفكرين الأميركيين وصناع القرار، وهو يقترح التفاعل المستمر بأفضل الوسائل مع تجارب اللوبيات الأجنبية في الولايات المتحدة كاللوبي الهندي - على سبيل المثال - الذي يمثل ثاني أقوى جماعات المصالح في العاصمة واشنطن.
كتاب يطرح رؤية لـ«لوبي سعودي» في أميركا
يشدد على أولوية لغة الاقتصاد في صناعة جماعة ضغط مؤثرة
كتاب يطرح رؤية لـ«لوبي سعودي» في أميركا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة