الحكومة الجزائرية تحذّر من الانزلاق إلى «الانفصال والطائفية»

مواجهات جديدة بين الأمن وطلاب الجامعات بسبب راية الأمازيغ

جانب من مظاهرات الطلاب وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات الطلاب وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT

الحكومة الجزائرية تحذّر من الانزلاق إلى «الانفصال والطائفية»

جانب من مظاهرات الطلاب وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات الطلاب وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

بينما حذرت الحكومة الجزائرية على لسان وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي من «الانزلاق إلى نداءات الانفصال»، الذي يتمثل حسبها، في رفع الراية التي ترمز للخصوصية الثقافية الأمازيغية، حاولت قوات الأمن الجزائرية أمس، منع آلاف طلاب الجامعة من حمل الراية الأمازيغية في مظاهراتهم الأسبوعية.
وقال بلمهدي أمس، خلال زيارة قادته إلى وهران، كبرى مدن الغرب الجزائري، إن نشطاء الحراك الشعبي «ينبغي أن يكونوا متحضرين. فقد استجابت الدولة لكل المطالب، وما زالت هناك أخرى ستتم تلبيتها بالحوار»، في إشارة ضمنية إلى عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم، وسجن غالبية رموز النظام، ومنهم شقيقه السعيد ومديرو مخابرات سابقون، ورئيسا الوزراء الأسبقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ورجال أعمال كثيرون ذائعو الصيت.
ويحيل حديث بلمهدي عن «الحوار»، حسب بعض المراقبين، إلى دعوة قائد الجيش الجنرال قايد صالح، الأحزاب والمجتمع المدني إلى التحاور مع رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، لبحث مخرج للمأزق السياسي. وفي هذا السياق، أكد بلمهدي أن «هناك دعوات ونداءات تريد أن تجعل من الجزائر مكاناً للطائفية والعرقية، فحذاري من الانسياق وراءها»، مضيفاً أن الجزائر «يبنيها كل الناس معاً، وأهل المنطقة يتبرأون من دعوات الانفصال»، في إشارة إلى منطقة القبائل التي تحتضن تنظيماً انفصالياً يدعى «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، ولأنصاره راية ترمز للانفصال، يعارضها غالبية السكان الأمازيغ. أما الخصوصية الثقافية التي ترمز لأهل المنطقة، وهم بالملايين، فهي ذات شكل مغاير لراية الانفصال. ويوجد خلط كبير بين الرايتين، وهو ما أحدث نزاعاً حاداً بين الناطقين بالعربية في كثير من المناطق، والسكان الأمازيغ.
ولأول مرة تطلق الحكومة تصريحات بشأن ما يجري في الحراك الشعبي، الذي بلغ يوم 22 يونيو (حزيران) الحالي شهره الرابع. وتتعرض الحكومة لحصار شعبي، ووزراؤها مطاردون في كل مكان ينزلون به، ولم يغادر رئيس الوزراء نور الدين بدوي مكتبه إلا نادراً، وذلك منذ توليه المسؤولية نهاية مارس (آذار) الماضي.
في غضون ذلك، دعت منظمات المحامين بولايات القبائل؛ كتيزي وزو وبجاية (شرق)، المنتسبين إليها إلى مقاطعة جلسات محاكمة عشرات الأشخاص، الذين تتهمهم النيابة بـ«ضرب الوحدة الوطنية» بسبب حمل الراية المثيرة للجدل خلال المظاهرات. وقال القاضي السابق عبد الله هبول لـ«لشرق الأوسط»، إنه «لا يوجد أي سند قانوني لاتهام حاملي راية الأمازيغ، وبذلك أثبت القضاة أنهم تابعون لرئيس أركان الجيش»، في إشارة إلى أوامر الجنرال صالح باعتقال ومتابعة رافعي الراية.
وخلال الأسبوع الماضي، صرح قائد الجيش بأن «للجزائر علماً واحداً استشهد من أجله ملايين الشهداء، وراية واحدة هي الوحيدة التي تمثل رمز سيادة الجزائر واستقلالها ووحدتها الترابية والشعبية. فلا مجال للتلاعب بمشاعر الشعب الجزائري، وعليه فقد تم إصدار أوامر صارمة، وتعليمات لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين سارية المفعول، والتصدي لكل من يحاول مرة أخرى المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال الحساس».
وشهد حراك الجمعة الأخير مواجهات حادة في العاصمة، بين قوات الأمن ومتظاهرين عندما حاول عناصر من الأمن مصادرة الرايات التي كانت بأيديهم. وجرى اعتقال العشرات من الأشخاص وإدانتهم بالسجن بسرعة كبيرة.
ونظم الآلاف من طلبة الجامعة أمس، في العاصمة وكثير من الولايات مظاهرتهم الأسبوعية، وطالبوا برحيل الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء. وانتقد المتظاهرون بشدة رئيس أركان الجيش، الذي طالبوه هو أيضاً بالتنحي، بحجة أنه «أحد رموز النظام». كما انتشر رجال أمن بزي مدني وسط المتظاهرين، بهدف «خطف» الراية الأمازيغية من أيديهم، التي كانت بأعداد كبيرة، وذلك في تحدٍ واضح للسلطات.
وأعلنت السلطات العسكرية عن زيارة لقايد صالح لـ«أكاديمية الأسلحة» بغرب العاصمة، حيث يرتقب أن يشرف اليوم على تخرج دفعات ضباط عسكريين. كما يتوقع أن يطلق تصريحات حول قضية الراية التي أحدثت شرخاً عميقاً في المجتمع، بين مؤيد ومعارض لإزالتها من المظاهرات.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.