العثماني يعد بتمكين المهاجرين المغاربة من المشاركة في الانتخابات

عددهم 5 ملايين... وأغلبهم يقيم في دول أوروبا

TT

العثماني يعد بتمكين المهاجرين المغاربة من المشاركة في الانتخابات

وعد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، أمس بتمكين المهاجرين المغاربة في الخارج من المشاركة في الانتخابات، وقال إنه كان من أوائل من دعم هذا المشروع منذ سنة 2004.
وأوضح العثماني الذي كان يتحدث أول من أمس بجلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) حول تقييم السياسات العامة المتعلقة بمغاربة الخارج، أن موضوع المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج يحتاج إلى حوار موسع، وسيتم التطرق إليه عندما يصدر القانون الخاص بالإعداد للانتخابات المقبلة. مشيرا إلى أن حكومته لديها «الإرادة للبحث عن الطريقة المثلى التي ستتم بها هذه المشاركة».
وطالبت لطيفة الحمود، عضو فريق «الأصالة والمعاصرة» المعارض، خلال جلسة المساءلة الحكومة بضرورة إجراء إصلاحات توفر آليات التمثيلية في البرلمان بمجلسيه، ومن بينها مراجعة مدونة الانتخابات والقوانين التنظيمية، وتحديد التقطيع الترابي، ونمط الاقتراع، بما يضمن لمغاربة العالم حق التصويت، وحق الترشح في جميع الاستحقاقات الوطنية، ودعم تمثيليتهم في جميع هيئات الحكامة والمؤسسات الدستورية بالمملكة. وقالت النائبة المعارضة إن هذه الإجراءات ستضمن «انخراط جميع المغاربة، سواء كانوا يعيشون داخل أو خارج الوطن، في المشروع الديمقراطي الذي زكى الدستور الجديد ركائزه ومقوماته، والذي يجعل من كل المغاربة سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات».
من جهته، قال يوسف غربي، عضو الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، أن الدستور نص على الحقوق والمصالح المشروعة للمغاربة بالخارج، ومن بينها حق المشاركة السياسية بالترشيح والتصويت والانتخاب، معتبرا أن «هذا الحق الدستوري ينتظر اليوم تنزيلا فعليا وخطة عملية». موضحا أن خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان نصت على مكانة مغاربة الخارج، بيد أنه لفت إلى أنه «كان لا بد من التنصيص في الأهداف الخاصة لهذه الخطة على النهوض بحقوق المهاجرين المغاربة».
في السياق ذاته، قال العثماني إن الحكومة تعمل على «تنفيذ استراتيجية وطنية لفائدة مغاربة العالم، تتم فيها مراعاة تطلعاتهم وانتظاراتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات، والتطورات ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في بلدان إقامتهم». موضحا أن 5 ملايين مغربي يعيشون بالخارج، 85 في المائة منهم بالدول الأوروبية، وأن الاهتمام بهم «ينصب على ثلاثة مستويات أساسية، هي تحصين هويتهم الوطنية، وحماية حقوقهم وضمان مصالحهم في بلدان الإقامة، والحفاظ على روابط الصلة مع وطنهم الأم خاصة لدى الأجيال الناشئة».
في هذا السياق، قال العثماني إن حكومته حرصت على تطوير برامج لتعليم اللغة العربية والثقافة المغربية لفائدة المهاجرين، وهي مرتبطة ببرامج التعليم الرسمي أو غير الرسمي في بلدان الإقامة الشريكة في هذه البرامج، التي يشرف عليها مدرسون مغاربة (524 مدرسا)، ويستفيد منها 75 ألفا من أبناء مغاربة الخارج.
كما أبرز العثماني أن حكومته تدعم أيضا تعليم أطفال المغاربة المعوزين المقيمين بالخارج، خاصة في بعض الدول الأفريقية، ويستفيد من هذا الدعم نحو 900 تلميذة وتلميذ كل سنة، مشيرا إلى أنه يتم تخصيص منح دراسية لأبناء المغاربة المعوزين المقيمين بالخارج، وتحمل مصاريف نقل جثامين المغاربة الذين لا يتوفرون على تأمين خاص، حيث تم في عامي 2017- 2018 نقل نحو 1220 حالة من مختلف بلدان الاستقبال، فضلا عن التكفل بمصاريف الراغبين بالعودة إلى أرض الوطن، ودعم الفئات الهشة من مغاربة الخارج، سواء كانوا سجناء أو قاصرين.
أما بخصوص الجانب القانوني والإداري، فقال رئيس الحكومة المغربية إنه جرى عقد 25 اتفاقية مع مكاتب المحاماة للترافع والدفاع عن المغاربة في الخارج. إضافة إلى «مبادرة نوعية تم من خلالها إحداث شباك وحيد متنقل، يتم من خلاله تحديد وقت محدد لقضاء الأمور الإدارية للمواطنين المغاربة بالخارج».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.