السلطة الفلسطينية تحشد الدعم المالي لـ«أونروا» مع انطلاق مؤتمر المانحين

رئيس دائرة شؤون اللاجئين: الدول المضيفة ترفض فكرة «التوطين»

TT

السلطة الفلسطينية تحشد الدعم المالي لـ«أونروا» مع انطلاق مؤتمر المانحين

تحاول السلطة الفلسطينية تجنيد دعم مالي وسياسي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مواجهة الخطة الأميركية لتصفية «أونروا» وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة لهم. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، إن الدول المانحة ستعقد مؤتمراً غداً (الثلاثاء) في نيويورك، لحشد الدعم المالي والسياسي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وقال أبو هولي، في بيان، إن توقيت عقد مؤتمر الدول المانحة يأتي بالتزامن مع انعقاد «ورشة البحرين» التي دعت إليها الولايات المتحدة، بهدف الالتفاف على «أونروا»، حتى لا يُقدم لها الدعم المباشر بحيث تكون الدول المضيفة بديلاً عنها. وأكد أبو هولي أنه تم الحديث مع عدد من الدول مثل الصين وباكستان وأفغانستان والهند والمكسيك، وصندوق الوقف الإنمائي الذي أُقر في منظمة المؤتمر الإسلامي لدعم «أونروا»، وأن الاتصالات جارية مع دول الخليج بخصوص تعهداتهم للوكالة بهدف سد العجز الذي يقدر بقيمة 211 مليون دولار، لكي تقوم الوكالة بتقديم خدماتها لـ5.4 مليون لاجئ فلسطيني.
وأكد أبو هولي أنه تم إعداد رسالة سياسية برئاسة اللجنة الاستشارية للدول المانحة خلال اجتماعاتها قبل أيام في الأردن خاصة بالدعم المالي والسياسي، سيتم تقديمها في التوقيت المناسب. وأضاف: «يوجد موقف لغالبية دول العالم حول استمرارية عمل الوكالة وتجديد التفويض لها، باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل والدول التي بالإمكان التأثير عليها». وأكد أن الدول المضيفة؛ «الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين»، إضافة إلى جامعة الدول العربية ومصر، رفضت رفضاً قاطعاً أن تكون بديلاً عن الوكالة، وأنها مع تجديد التفويض لها كونها أنشئت بقرار أممي عام 1949 عنوانه «أن أونروا باقية في تقديم خدماتها لحين إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين وتطبيق القرار (194)».
وأضاف أنه «لا مجال للعبث بتفويض (أونروا) ولا يوجد في قاموس الدول المضيفة وفلسطين ما يسمى التوطين، أو الوطن البديل، وإلحاق اللاجئين بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين أسوة بـ70 مليون لاجئ مهجرين في بقاع الأرض وليست لهم حقوق». وأشار أبو هولي إلى أن ترؤس فلسطين مجموعة «الـ77 والصين» سيكون فرصة لحشد الدعم الدولي بتجديد التفويض للوكالة قانونياً وسياسياً، كما أنه يحمل رسالة للولايات المتحدة بأن العالم مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وتجديد التفويض للوكالة بأعلى الأصوات.
وتحتاج «أونروا» بشكل عام إلى 1.2 مليار دولار لتغطية نفقاتها للعام الحالي، بحسب المفوض العام للوكالة، بيير كرينبول. ويفترض أن ينطلق مؤتمر المانحين غداً بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيسة الجمعية العامة للمنظمة، ماريا فيرناندو إسبينوزا. وتتطلع «أونروا» إلى حشد تعهدات مالية بقيمة 1.2 مليار دولار والحصول على أموال مباشرة بعدما تسجل عجز مالي حتى الآن قيمته 200 مليون. وتواجه الوكالة أزمة خانقة بعدما أوقفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الدعم عنها ضمن خطة لتصفيتها.
وتقول إدارة ترمب إن «أونروا فاسدة وغير مفيدة ولا تسهم في عملية السلام»، وتريد الإدارة الأميركية إغلاق «أونروا» ونقل جزء منها إلى المفوضية السامة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. لكن الفلسطينيين يعتبرون أن ثمة فرقاً جوهرياً بين مفوضية اللاجئين التي تعتني بجيل واحد من اللاجئين و«أونروا» التي تعتني بأبناء وأحفاد اللاجئين وسلالتهم. وكانت واشنطن أوقفت في 2018، دعمها المالي للوكالة البالغ سنوياً 360 مليون دولار، بعد تقديمها مبلغ 60 مليوناً مطلع العام ذاته. وحالياً، تدير «أونروا» نظاماً تعليمياً يضم نحو 700 مدرسة لنحو نصف مليون فلسطيني. كما تدير نحو 140 مركزاً صحياً تشهد سنوياً نحو 8.5 مليون زيارة مريض.



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.