صدر هذا الأسبوع كتاب «ابن الإرهابي: قصة اختيارات» الذي كتبه زكي إبراهيم، ابن السيد نصير إبراهيم، الأميركي المصري الذي قتل في عام 1990، في نيويورك، الحاخام مائير كاهان، زعيم عصبة الدفاع اليهودي المتطرفة، ومؤسس حزب «كاخ» الإسرائيلي المتطرف، وعضو الكنيست الإسرائيلي.
اليوم، بلغ عمر الابن 30 عاما تقريبا، وعلى الطريقة الأميركية، اختصر اسم زكي السيد نصير إبراهيم إلى «زاك إبراهيم»، وأيضا، تهربا من اسم «السيد نصير»، واليوم، بلغ عمر والده 60 عاما تقريبا، وهو يقضي حكما بالسجن المؤبد في سجن ماريون (ولاية إلينوى).
حقيقة، الحكم هو السجن مدى الحياة زائد 15 عاما.
وكان حكم سابق قد برأ نصير من قتل الحاخام اليهودي، إذ ارتأت هيئة المحلفين عدم وجود أدلة كافية تثبت دور نصير المباشر، وكان القتل وقع في فندق «ماريوت»، في مانهاتن، في قلب نيويورك، بعد أن أكمل كاهان خطبة حماسية متطرفة كعادته، وسط عدد كبير من اليهود.
حتى اليوم، لم تثبت تفاصيل ما حدث، وذلك لأن زوبعة، وضجة، وإطلاق نار حدث لحظة انتهاء كاهان من خطبته، وتبادل نصير إطلاق النار مع شرطي كان موجودا، وأصيب نصير بطلق ناري في رقبته، نقل على إثره إلى المستشفى.
ونشرت حينها صحيفة «نيويورك بوست» عنوانا كبيرا يقول: «هيئة محلفين من العالم الثالث تبرئ زميلا لها».
ويعتقد أن خطة محامي الدفاع ويليام كانتسلار، ومساعده رونالد كوبي (الاثنان يهوديان) كانت سبب تبرئة نصير من تهمة القتل، وذلك لأنهما تجنبا أي إشارة إلى الجانب السياسي في الموضوع، وتحاشيا المشكلة بين العرب واليهود، خصوصا في نيويورك؛ حيث النفوذ اليهودي كبير جدا، ركز المحاميان على الزوبعة التي حدثت، وتبادل إطلاق النار، ودفاع نصير عن نفسه أمام الشرطي المسلح، وأن رصاصات قتل الحاخام لم تكن متعمدة.
في ذلك الوقت، حوكم نصير بالسجن 7 سنوات لحيازته بندقية من دون رخصة، ولإطلاقه النار على شرطي.
لكن، من داخل السجن، اشترك نصير في التخطيط لتفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك.
ولكن كانت هناك محاولة عام 1993، حين وضع الجناة متفجرات في مرأب المبنى فانفجر، وقتل عددا من الناس، لكن لم ينهر المبنى كما توقع الجناة.
لهذا، حكم نصير بالسجن المؤبد زائد 15 عاما، وفي ذلك الوقت حوكم معه عمر عبد الرحمن، الشيخ المصري الأعمي، والذي، أيضا، يقضى حكما بالسجن مدى الحياة في سجن باتنار (ولاية نورث كارولينا)، وأيضا، محمود أبو حليمة، الذي لقبه الصحافيون الأميركيون باسم «محمود ذا ريد» (محمود الأحمر)، وكذلك باسم «عشيق الشقراوات الألمانيات»، وذلك لأنه هاجر من مصر إلى ألمانيا، وتزوج 3 ألمانيات، واحدة بعد الأخرى، وجاء مع الثالثة إلى نيويورك؛ حيث طلب اللجوء السياسي بسبب انتمائه لمنظمة الجماعة الإسلامية التي كان يطاردها نظام الرئيس المصري السابق، حسنى مبارك (بعد مواجهات مسلحة استهدف فيها الإسلاميون مناطق سياحية في صعيد مصر).
وولد السيد نصير في بورسعيد.
وولد زاك إبراهيم في بتسبيرغ (ولاية بنسلفانيا)، ووالدته هي المدرسة الأميركية كارين ميلز، التي تزوجها والده نصير، المهندس المهاجر من مصر، بعد 10 أيام فقط من أول لقاء، بعد أن اعتنقت الإسلام، وقالت إنها كفرت بديانة أهلها الكاثوليك (كما جاء في كتاب الابن).
لكن الابن يختلف عن والده وزملاء والده، كما هو واضح في كتابه، اختلافا أساسيا، إنه يعد نفسه ثقافيا جزءا من الجيل الأميركي الجديد، المنفتح عالميا، وهو يستخدم هذا العبارة دائما حتى قبل صدور كتابه، كما في المحاضرات التي يلقيها.
وهكذا، جاء الكتاب غير عادي: ابن يقول إن والده إرهابي، وقاتل. ويصف حياته منذ أن ارتكب والده جريمة القتل، وكان عمره 7 أعوام.
وجاء في الكتاب أنه، بعد أن دخل والده السجن، طلقت والدته والده، وتولت رعايته، مع شقيقه، وأختهما (من زواج أميركي سابق). وهروبا مما حدث، انتقلوا من مكان إلى آخر. وقال إنه، في أحيان كثيرة، كان يدخل فصلا جديدا في مدرسة جديدة كل عامين أو 3 أعوام، وإنهم قضوا 20 سنة بلا مكان مستقر. استقروا، أخيرا، في ولاية فلوريدا. وبقدر ما يلوم والده، يثني على والدته الأميركية، وعلى قدرتها على رعايته وشقيقه وأختهما، وعلى حسن تربيتها لهم، ومحاولتها أن ينسوا ما فعل والدهم.
يكتب في الكتاب: «واجهت قصصا لا حدود لها، أنا ابن الإرهابي».
لكن، يسجل آراء جديرة بالنقاش، ومنها قوله: «ليس صحيحا القول إن الإرهاب سببه الكراهية»، وإن «الكراهية اختيار، لا تربية».
وطبعا، برهن على النقطة الثانية بنفسه هو، فقد كان يمكن أن يكون كارها، لكنه صار متسامحا.
وهو يرى أيضا أن الإرهابي لا يكون إرهابيا لأن شخصا «غسل مخه»، أو لأن شخصا «خدعه»، ولكن لأنه «يريد أن يكون»، وذلك «بقدرته على جمع عقائد متعددة، تبدو متناقضة أحيانا، تجعله قادرا على إقناع نفسه بأنه يعمل من أجل العدل والسلام، وليس لأنه يؤمن بالإرهاب والعنف».
وأضاف: «بصرف النظر عن التربية، يستطيع أي شخص أن يصل إلى عاطفة التسامح في أعماقه، ويكون متسامحا».
ومن القصص التي يرويها في الكتاب، يذكر أنه بعد منتصف ليلة، وعمره 7 سنوات أيقظته والدته، وكان يرتدي بيجامة عليها رسومات كرتونية لشخصيات سلحفات «نينجا»، وقالت له: «حدث شيء هام، انظر إلى عيني يا زي، يجب أن تغير ملابسك سريعا، لأننا يجب أن نخرج من هنا سريعا».
استغرب، لأن والده هو الذي، عادة، يوقظهم في الصباح الباكر ليصلوا صلاة الفجر.
فعلت الوالدة الشيء نفسه مع شقيقه، ومع أخته، وسارعت وأغلقت التلفزيون الذي كان يتحدث عن أخبار هامة وخطيرة: قتل شخص هام في فندق «ماريوت» في مانهاتن، في قلب نيويورك، وجرح آخرون، منهم عربي مسلح، جرح برصاصة في رقبته (السيد نصير)، ونقل إلى المستشفى.
طبعا، في ذلك الوقت، لم يقدر الصبي ذو الـ7 أعوام على تقييم ما حدث، ولم يكن في عقله الصغير معلومات كافية ليقيّم ما حدث، ويعلق عليه.
لكنه، وهو الآن في الـ30 من عمره، علق:
أولا: «في تلك الليلة، قرر والدي أن يختار الإرهاب بدلا عنى، وعن بقية عائلتي».
ثانيا: «في تلك الليلة، صار والدي أول إرهابي إسلامي يقتل شخصا على الأرض الأميركية».
لكن وصف والده أيضا بأنه «طيب، وصاحب نكته».
وذكر في نهاية الكتاب أنه لم يزر والده في السجن أبدا، وقبل سنوات، بادر الوالد واتصل به من السجن بالبريد الإلكتروني، وعندما أرسل الابن له رسالة عن «جريمة القتل»، نفي الأب الجريمة، ودخل في مناقشات عقائدية، وسياسية، ودينية، لتبرير ما حدث.
يكتب الابن في نهاية كتابه: «أظل أحس بشيء ما نحوه، إنه، رغم ما حدث، والدي، أحس نحوه بشيء من العطف والذنب، لكن، أهم من ذلك، أحس بأنني لم أعرف والدي أبدا معرفة حقيقية».
ابن سيد نصير: والدي اختار الإرهاب بدلا عني
يروي قصته معه منذ كان صغيرا
ابن سيد نصير: والدي اختار الإرهاب بدلا عني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
