لماذا يثير «غسيل الفيفا القذر» رائحة كريهة في هذه الأوقات المظلمة؟

أنا سعيدة للغاية لأن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، جياني إينفانتينو، كان يستمتع وهو يلقي خطاب فوزه بولاية ثانية قبل أسبوعين، حيث قال: «لم يعد أحد يتحدث عن أزمات في (الفيفا) بعد الآن أو إعادة هيكلته من الصفر. ولم يعد أحد يتحدث عن فضائح أو فساد، لكننا نتحدث عن كرة القدم. يمكننا أن نقول إننا قمنا بتغيير الوضع تماماً. لقد تحولت هذه المنظمة من كونها منظمة ذات أجواء مسمومة وشبه إجرامية إلى ما ينبغي أن تكون عليه - منظمة تعمل على تطوير كرة القدم، وأصبحت الآن مرادفاً للشفافية والنزاهة».
لكن الآن وبعد احتجاز الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ميشيل بلاتيني، يوم الثلاثاء الماضي، فإن هذا الأمر ينضمّ إلى قائمة طويلة من الأشياء التي أخطأ فيها إنفانتينو. وفي الحقيقة، من المؤسف أن تمتد آلة الفساد لتشمل بلاتيني، الذي ربما يُعدّ أفضل لاعب في تاريخ فرنسا. وقد تم إطلاق سراح بلاتيني من دون أي تهمة، وقد نفى كل الاتهامات الموجهة إليه، قائلاً: «أشعر بأنه ليست هناك أي علاقة بيني وبين أي من هذه الأمور».
ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن قصة احتجاز بلاتيني واستجوابه لمدة 15 ساعة لم تؤدِّ إلى الضجة التي كان من الممكن أن نراها لو حدث ذلك في وقت سابق. لقد شعر المرء بأن ربيع عام 2015 كان أطول بكثير من مدته الحقيقة، إذ إنه قبل أربع سنوات من الآن عقد «الفيفا» مؤتمراً صحافياً في زيوريخ بعد إلقاء القبض على العديد من الشخصيات البارزة في الاتحاد الدولي لكرة القدم. وبعد الساعة السادسة صباحاً، وفي صباح أحد الأيام المتأخرة من شهر مايو (أيار)، تم نقلهم من فندق «بور أو لاك» بعد مداهمة بناء على طلب من السلطات الأميركية. وحظيت هذه القصة بتغطية إعلامية مكثفة.
وقالت المدعية العامة الأميركية، لوريتا لينش، في مؤتمر صحافي بنيويورك آنذاك: «كان من المتوقع أن يلتزموا بالقواعد التي تحافظ على مصداقية كرة القدم. لكنهم بدلاً من ذلك أفسدوا أعمال كرة القدم العالمية لخدمة مصالحهم وإثراء أنفسهم. لقد فعلوا ذلك مراراً وتكراراً، وعاماً بعد عام، وبطولة بعد بطولة». كما أعلن ممثلو الادعاء الفيدراليون السويسريون عن إجراءات جنائية تتعلق بمنح حق استضافة بطولة كأس العالم 2018 لروسيا وكأس العالم 2022 لقطر.
وتم الحصول على كثير من المعلومات التي استندت إليها الولايات المتحدة في قضيتها من خلال تشاك بليزر، عضو اللجنة التنفيذية السابق في الاتحاد الدولي لكرة القدم والأمين العام للـ«كونكاكاف»، الذي كان لديه أسطول من الدراجات البخارية بقيمة 29 مليون دولار، كما كان يمتلك شقة ثانية مخصصة فقط لقططه! وقد كانت هذه الشقة بالمناسبة في برج ترمب في نيويورك، الذي كان مملوكاً من قبل للرجل الذي وُصِف في ذلك الوقت بأنه «نجم متدرب وإمبراطور العقارات دونالد ترمب».
ويجب الإشارة إلى أن كثيراً من الأمور قد تغيرت في العديد من الأماكن منذ ربيع عام 2015. وقد كانت هذه الاضطرابات السياسية - التي لم تقتصر بأي حال من الأحوال على الولايات المتحدة - تصبُّ في مصلحة «الفيفا» في كثير من النواحي. وبغض النظر عما يدعيه إنفانتينو، فمن الصعب الهروب من الشعور بأنه كان من الطبيعي أن يمر الاتحاد الدولي لكرة القدم بهذه الفترة من عدم الاتزان، نظراً لأن كل شيء من حوله قد أصبح أكثر غرابة، بدءاً من رئاسة دونالد ترمب للولايات المتحدة، وصولاً إلى الفوضى التي اندلعت فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو تنامي الأنظمة المستبدة التي وصلت للحكم عبر الانتخابات، أو الأدلَّة المتنامية على محاولات التأثير على نتائج الانتخابات من قبل جهات حكومية أجنبية، أو أي من الأخبار الأخرى التي لا تزال مستعرة وتتكشف تفاصيلها بين الحين والآخر. وبالتالي، يشعر الرجال الجشعون الذين تمت مداهمة مقرهم في فندق «بور أو لاك» ببعض الراحة، لأنهم ليسوا وحدهم من تورطوا في أمور مخالفة.
وفي ذلك الوقت، أعربت كثير من الشخصيات المهمة عن غضبها بسبب ما ورد في لوائح الاتهام من قبل «الفيفا». لكن عندما ننظر إلى الأمور الآن، فإننا نعتقد أن البيان الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول رحيل سيب بلاتر عن رئاسة «الفيفا» كان بمثابة مفارقة مثيرة للسخرية. وقد أعلن بوتين أن ما حدث كان عبارة عن «محاولة أخرى واضحة من قبل الولايات المتحدة الأميركية لنشر سلطتها القضائية على دول أخرى. إنها محاولة واضحة لعدم السماح بإعادة انتخاب بلاتر رئيساً للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). ونحن نعرف الضغوط التي مورست عليه لكي يمنع إقامة بطولة كأس العالم 2018 في روسيا». وفي الواقع، فإننا نعرف أكثر الآن عن هذا الأمر، بعدما أصبحت عملية منح حق استضافة بطولة كأس العالم 2022 لقطر (التي صوّت عليها بلاتيني) تشكل خط بحث رئيسياً وتحقيقات جادة للمحققين الفرنسيين.
ومع ذلك، فحتى الانتخابات التي زُعم أن الرئيس الروسي قد تدخل فيها آنذاك تبدو الآن غريبة إلى حد ما، بالنظر إلى ما حدث بعد ذلك. وقيل إن بوتين قد عرض على بلاتيني إحدى لوحات الرسام العالمي بيكاسو في المقابل، وهي المزاعم التي دائماً ما ينفيها بلاتيني. لكن في ظل كل هذه الأجواء المسمومة وهجمات الأمن السيبراني (ممارسة حماية الأنظمة والشبكات والبرامج من الهجمات الرقمية، التي تهدف عادة إلى الوصول إلى المعلومات الحساسة أو تغييرها أو إتلافها أو ابتزاز المال من المستخدمين أو مقاطعة العمليات التجارية)، لم تعد الفضائح المتعلقة بـ«الفيفا» تُحدث الضجة التي كانت تحدثها في السابق.
ورغم ذلك، ستقام بطولة كأس العالم 2022 في قطر. ورغم أن إنفانتينو لم ينجح في خطته الرامية إلى إحداث مزيد من الخراب والتدمير لبطولة كأس العالم بزيادة عدد فرق البطولة إلى 48 فريقاً، فإنه مصمّم على السير في نفس الطريق وتطبيق هذا الأمر في كأس العالم 2026. ومع ذلك، تم انتخابه بالتزكية هذا الشهر، رغم مواجهة كثير من الادعاءات المالية والمزاعم المتعلقة بحقوق الرعاية منذ بداية فترة رئاسته. لقد نفى إنفانتينو كل هذه الادعاءات، ونجح في إبعاد كل الشبهات حتى الآن، وبالتالي فربما كان محقّاً في التصريحات التي أدلى بها قبل أسبوعين من الآن. ولم نعد نسمع كثيراً من الحديث عن الأزمات والفساد في «الفيفا» بعد الآن، حتى وإن كان الأمر يبدو أن هناك العديد من الأشياء التي تحتاج إلى نقاش.