مقتل مدنيين بينهم مسعفون في غارات على إدلب

عشرات القتلى في معارك شمال غربي سوريا

بعد غارة على معرة النعمان في إدلب أمس (أ. ب)
بعد غارة على معرة النعمان في إدلب أمس (أ. ب)
TT

مقتل مدنيين بينهم مسعفون في غارات على إدلب

بعد غارة على معرة النعمان في إدلب أمس (أ. ب)
بعد غارة على معرة النعمان في إدلب أمس (أ. ب)

قتل 15 مدنياً على الأقل، الخميس، بينهم سبعة أطفال وثلاثة مسعفين، جراء غارات سورية استهدفت شمال غربي سوريا، تزامناً مع معارك عنيفة بين قوات النظام والفصائل المقاتلة حصدت عشرات القتلى.
وتخضع محافظة إدلب ومحيطها، حيث يقطن نحو ثلاثة ملايين شخص، منذ سبتمبر (أيلول) لاتفاق روسي - تركي ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، لم يُستكمل تنفيذه. وتتعرّض المنطقة منذ نحو شهرين لتصعيد في القصف، يترافق مع معارك عنيفة في ريف حماة الشمالي المجاور.
وأحصى «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الخميس، مقتل 15 مدنياً بينهم سبعة أطفال جراء غارات نفذتها طائرات سورية على مناطق عدة في محافظة إدلب، التي تديرها «هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) وتتواجد فيها فصائل إسلامية أخرى أقل نفوذاً.
ومن بين القتلى وفق «المرصد»، ثلاثة مسعفين من منظمة «بنفسج» الإنسانية المحلية وسيدة جريحة كانوا داخل سيارة إسعاف استهدفها القصف في مدينة معرة النعمان.
وشاهد مصور متعاون مع وكالة الصحافة الفرنسية سيارة الإسعاف المستهدفة. وقال: إن مسعفين من الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل) عملوا على نقل مسعف جريح من طاقم عمل «بنفسج»، كان داخل سيارة الإسعاف.
وقال فؤاد سيد عيسى، أحد المسؤولين عن المنظمة لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «القصف طال بشكل مباشر سيارة الإسعاف» وتسبب بمقتل المسعفين الثلاثة والسيدة التي كان الفريق يقلها إلى أحد المستشفيات. وأصيب ثلاثة مسعفين آخرين كانوا في سيارة الإسعاف بجروح، أحدهم في حالة خطرة، وفق سيد عيسى.
وتشهد محافظة إدلب وجوارها منذ نهاية أبريل (نيسان) تصعيداً عسكرياً، مع استهداف الطائرات الحربية السورية والروسية لمناطق عدة؛ ما يسفر بشكل شبه يومي عن سقوط قتلى في صفوف المدنيين.
وتدور منذ أسابيع معارك عنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المقاتلة والإسلامية على رأسها «هيئة تحرير الشام» من جهة ثانية، في ريف حماة الشمالي المحاذي لجنوب إدلب. وتسببت المعارك المستمرة الخميس بمقتل 43 من الطرفين، وفق «المرصد».
وحقّقت قوات النظام تقدماً ميدانياً محدوداً في ريف حماة الشمالي، إلا أن الفصائل الجهادية والمقاتلة تشنّ بين الحين والآخر هجمات واسعة ضد مواقع قوات النظام تسفر عن معارك عنيفة.
وقتل أكثر من تسعين مقاتلاً من الطرفين خلال المعارك وجراء القصف خلال اليومين الماضيين، بحسب «المرصد».
وباتت مدن وبلدات في هذه المنطقة شبه خالية من سكانها بعدما فروا جراء القصف العنيف والمعارك. وأجبر التصعيد منذ مطلع مايو (أيار) نحو 330 ألف شخص على الفرار من منازلهم، وفق آخر تحديث لبيانات الأمم المتحدة. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الثلاثاء روسيا وتركيا، ضامني اتفاق سوتشي، إلى العمل «دون تأخير على استقرار الوضع» في إدلب، معرباً عن قلقه الشديد إزاء «احتدام» المعارك.
وسبق للأمم المتحدة أن أعربت مراراً عن خشيتها من حصول «كارثة إنسانية» في حال استمرت أعمال العنف في إدلب ومحيطها.
وتتهم دمشق أنقرة الداعمة للفصائل بـ«التلكؤ» في تنفيذ الاتفاق الذي أبرمته مع موسكو بشأن إدلب.
وفي مقابلة تلفزيونية ليل الأربعاء، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم: «إدلب محافظة سورية، وما يقوم به الجيش السوري من عمليات هو ضمن الأراضي السورية، وهو حق مشروع من أجل تحرير الأرض».
وتكرر دمشق إعلان عزمها استعادة الأراضي كافة الخارجة عن سيطرتها، عبر القوة العسكرية أو من خلال إبرام اتفاقات تسوية.
ويرجّح محللون ألا يتحول التصعيد إلى هجوم واسع النطاق للسيطرة على إدلب؛ كون تركيا وروسيا لا تريدان سقوط الاتفاق.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر: «لا تزال دمشق حتماً عازمة على السيطرة على كامل إدلب والأراضي السورية كافة» الخارجة عن سيطرتها «لكن روسيا هي التي أتاحت هذه الاندفاعة العسكرية الأخيرة والتي يبدو أنها ذات أهداف محدودة».
ويرى هيلر أن الهدف من التصعيد هو ضمان أمن مناطق مجاورة لإدلب بينها قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية الساحلية، بالإضافة إلى ممارسة مزيد من الضغط على تركيا للمضي في تنفيذ الاتفاق.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه في عام 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص، وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية، وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.