الحكومة السورية عاجزة عن وقف تدهور صرف الليرة أمام الدولار

خبراء قالوا إن العقوبات الأميركية وتوترات المنطقة ساهمت في الانهيار

TT

الحكومة السورية عاجزة عن وقف تدهور صرف الليرة أمام الدولار

شهد سعر صرف الليرة السورية تراجعاً جديداً أمام الدولار الأميركي، أدى إلى فقدانها نحو 50 في المائة من قيمتها التي كانت عليها قبل نصف عام، مما تسبب بموجة ارتفاع جديدة في الأسعار، فاقمت كثيراً من سبل العيش للغالبية العظمى من الدمشقيين، وسط عجز الحكومة عن إيجاد حل.
ومنذ يناير (كانون الثاني) وبالترافق مع أزمة في توفر مواد الطاقة عصفت بمناطق سيطرة الحكومة السورية، شهد سعر صرف الليرة في السوق السوداء تدهوراً تدرجياً أمام الدولار الأميركي، ووصل إلى نحو 530 ليرة و550 في فبراير (شباط) ومن ثم إلى 580 وصولاً إلى نحو 615 الأربعاء، بعد أن حافظ تقريباً على سعر نحو 440 ليرة العام الماضي، أي أن نسبة التدهور في نحو ستة أشهر وصلت إلى ما يقارب 50 في المائة، علماً بأن سعر صرف الليرة قبل الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات كان نحو 50 ليرة مقابل الدولار.
ويوضح أحد الموظفين في شركة صرافة خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا التراجع التدريجي في سعر الصرف بدأ مع توسيع الولايات المتحدة الأميركية للعقوبات على الحكومة السورية، مما أدى إلى تفاقم أزمة توفر مواد الطاقة وسماح الحكومة للتجار باستيرادها، ويقول: «منذ ذلك الوقت هناك إقبال كثيف على شراء الدولار من السوق السوداء لأن معظم التجار يقومون بالاستيراد بالعملة الأجنبية».
أحد التجار، بدوره انتقد تصريحات المسؤولين الاقتصاديين التي يؤكدون فيها أن «مصرف سوريا المركزي» يقوم بتمويل التجار بالقطع الأجنبي بالسعر الرسمي 438 ليرة للدولار لأغراض تمويل مستورداتهم، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الكلام ليس عليه ضرائب، وعملية التمويل يقوم بها (المركزي) للنافذين فقط، الأمر الذي يجبر بقية التجار على التوجه للسوق السوداء لشراء العملة وتمويل مستورداتهم مما أدى إلى هذا التدهور الكبير في سعر الصرف».
خبير اقتصادي، رأى أن سبب هذا التدهور في سعر الصرف هو «عجز المركزي التدخل للحفاظ عليه»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يفترض في بداية حدوث مثل هذه الحالة، أن يقوم (المركزي) بضخ الدولار في السوق، الأمر الذي يؤدي إلى حالة من الاستقرار في سعر الصرف، ولكن على ما يبدو لا حلول لديه بسبب تراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية الموجود لديه بشكل كبير وربما نفاده نهائياً».
وكالمعتاد منذ بداية الأحداث في سوريا، ترافق تدهور سعر الصرف الجديد مع موجة تحليق جنونية في أسعار المواد الغذائية والخضراوات والفاكهة وكافة المستلزمات المنزلية، مما أدى إلى تفاقم كبير في سبل العيش للغالبية العظمى من الناس.
يصل سعر الكيلو غرام الواحد من الكرز إلى نحو 800 ليرة سورية بعد أن كان في موسم العام نحو 400. والمشمش ما بين 500 إلى 700 ليرة، بينما كان العام الماضي نحو 300.
وبينما وصل سعر كيلو لحم الخروف (العواس) مع التحليق الجديد للأسعار إلى ما يقارب 8 آلاف ليرة، بعد أن كان العام الماضي بـ5 آلاف، تضاعف سعر كيلو الفروج ووصل إلى ما يقارب 1400 ليرة.
ربة منزل، وأثناء تسوقها في إحدى أسواق وسط العاصمة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «شيء مش معقول الأسعار، شلون (كيف) الدبر (تسير) حالها الناس والراتب 40 ألف، على هذه الحالة العائلة تحتاج إلى نص مليون في الشهر»، وتضيف: «الغريب في الأمر هو تطنيش (تجاهل) الحكومة، بس (لكن) الأمر واضح الناس ليس في اهتمامهم».
وخلال سنوات الحرب، تضاعفت الأسعار في عموم المناطق السورية أكثر من 12 مرة، بعد تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي إلى نحو 12 ضعفاً أيضاً مع بقاء مرتبات الموظفين على حالها التي كانت عليها قبل عام 2011 (الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى 40 ألف ليرة)؛ الأمر الذي ضيّق سبل العيش على الغالبية العظمى من الناس، وبات 87 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب أرقام البنك الدولي.
وفي تطور لافت يعكس حاجة الحكومة للقطع الأجنبي، ناقشت غرفة تجارة دمشق قبل يومين، في اجتماع ضم نحو 30 مصدراً من كبار المؤثرين في السوق المحلية مشروع قرار تدرسه اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء يتعلق بإعادة العمل بتعهدات القطع. وخرج المجتمعون، بقرار الرفض القاطع، وبالإجماع، لتعهد إعادة القطع الأجنبي لما له من آثار سلبية، ورأوا أنه من الممكن أن يتوقف القطاع التصديري بأكمله في حال اتخذ هذا القرار، فضلاً عن ارتفاع سعر الصرف وسعر المنتج السوري كونه سيحمل تكاليف إضافية، حسب مصادر في غرفة تجارة دمشق.
وكان مركز أبحاث عزا تراجع سعر صرف الليرة إلى «ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسية بشكل كبير في الأسواق المالية العالمية نتيجة للتوترات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة». كما لفت المركز في تقريره الأسبوعي إلى «تأثر الليرة سلباً بتزايد الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأميركية القسرية أحادية الجانب على الاقتصاد السوري وآخرها كان توسيع قائمة الشركات والجهات المعاقبة أميركياً».
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أدرجت 16 شخصاً وكياناً سورياً على لائحة عقوباتها الأسبوع الماضي لارتباطهم اقتصادياً بالنظام وتمويلهم المباشر له، وشملت العقوبات الأشقاء سامر وعامر الفوز وشقيهما حسن كأشخاص، وثلاثة عشر كياناً اقتصادياً تتبع معظمها لهم بشكل مباشر.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.