المحكمة الجنائية تطالب المجلس العسكري بتسليم البشير

المحكمة الجنائية تطالب المجلس العسكري بتسليم البشير
TT

المحكمة الجنائية تطالب المجلس العسكري بتسليم البشير

المحكمة الجنائية تطالب المجلس العسكري بتسليم البشير

طالبت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، المجلس العسكري في السودان بالتعاون لتسليم الرئيس السابق عمر حسن أحمد البشير ومتهمين آخرين بارتكاب جرائم حرب في دارفور، ممن أصدرت بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة قبل سنوات.
وقالت بنسودا، في مستهل إحاطة قدمتها إلى أعضاء مجلس الأمن: «أنا لا أقلل تعقيد وزئبقية الأحداث التي تتكشف في السودان اليوم»، مضيفة أن «الوقت حان كي يختار الشعب السوداني القانون على الإفلات من العقاب، وأن يتأكد من مواجهة المشتبه فيهم في المحكمة الجنائية الدولية أخيراً العدالة أمام محكمة قانونية» في القضايا المتعلقة بدارفور.
ورأت أنه - أمام مجلس الأمن أيضاً - «فرصة فريدة للحسم ولمعالجة الإفلات من العقاب الذي ابتليت به دارفور». وعبّرت عن «قلق عميق حيال التقارير عن وقوع أعمال عنف حديثة ضد المدنيين، بما في ذلك أعمال جنسية مزعومة وجرائم قائمة على العرق». وإذ أشارت إلى الحوادث التي وقعت أخيراً، رأت أنه «من المحتم التحقيق بسرعة وفاعلية في أعمال العنف التي وقعت ضد المدنيين، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية والعنف القائم على العرق، من قبل السلطات السودانية»، مطالبة بـ«تقديم المسؤولين عن ذلك إلى العدالة». وذكرت بأنه «في نطاق ولايتي بموجب بروتوكول روما، أنا ملتزمة مواصلة بذل كل ما في وسعي لضمان المساءلة».
وقالت: «تظل أوامر الاعتقال الخمسة الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية للوضع في دارفور سارية» على رغم «تغير الظروف بصورة دراماتيكية». ولفتت إلى أن الرئيس البشير «أقيل واعتقل واحتجز ووجهت إليه تهم بارتكاب الجرائم»، مضيفة أن «اثنين آخرين من المشتبه فيهم في قضايا بدارفور، وهما عبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون، محتجزان في الخرطوم». وأكدت أن «السودان لا يزال ملزماً قانوناً بنقل هؤلاء المشتبه فيهم إلى المحكمة الجنائية الدولية والمثول أمام المحكمة، إلا إذا كان في الإمكان أن يقدم قضاة مقتدرون من محكمة الجنايات الوطنية الجاني إلى العدالة». وأفادت بأنها «مستعدة للتجاوب مع مبدأ التكامل الأساسي المنصوص عليه في نظام روما الأساسي (كي يواجه) المشتبه فيهم في دارفور عدالة مستقلة ونزيهة، إما في قاعة المحكمة في لاهاي وإما في السودان».
وشدّدت على أن «استمرار الإفلات من العقاب ليس خياراً»، كما أن «الضحايا في دارفور يستحقون أخيراً العدالة». وذكّرت بنسودا بحكم الاستئناف الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية في 6 مايو (أيار) 2019، فيما يتعلق بزيارة البشير للأردن في مارس (آذار) 2017. مؤكدة: «بشكل لا لبس فيه قانونية التزام الدول الأطراف باعتقال رؤساء الدول الخاضعين لولاية المحكمة الجنائية الدولية». ونبّهت إلى أن «البشير لم يعد يحاول الاستفادة من حصانة رئيس الدولة»، ولذلك ووفقاً لتفويض مجلس الأمن في الفقرة 2 من القرار 1593، فإن «طلب المدعية العامة يعتبر ملزماً من الناحية القانونية». وأضافت أن «هذا الالتزام القانوني بالتعاون الكامل يشمل التزاماً بتسليم المشتبه فيهم». ولفتت أيضاً إلى أنه «لا يزال طليقاً كل من علي قشيب وعبد الله باندا».
وندّد ممثل البعثة الأميركية مارك سيمونوف بـ«الهجمات المشينة التي شنّها المجلس العسكري الانتقالي على المتظاهرين في الخرطوم، وأدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة المئات»، مضيفاً أنه «يجب التحقيق بشكل كامل وعادل في التقارير عن قيام قوات الأمن بضرب المتظاهرين والاعتداء عليهم جنسياً ورمي الضحايا في النيل». وأضاف: «لم يكن العرض المذهل للعنف ضد المتظاهرين المسالمين في الخرطوم حادثة منعزلة»، متهماً الحكومة بأنها «استخدمت العنف المفرط ضد النازحين في دارفور لوقف المظاهرات السلمية».
وأيّد كثير من أعضاء مجلس الأمن الأوروبيين دعوة بنسودا فيما يتصل بالبشير.
وذكّرت المستشارة القانونية للبعثة الفرنسية لدى الأمم المتحدة، شيراز غاسري، بالحصانات التي يتمتع بها ممثلو الدول بموجب القانون الدولي العرفي، وهي أساسية لحسن سير العلاقات الدولية، موضحة أنه ليس في ذلك أي استثناء. وأكدت أن «نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية ينطبق على الدول الأطراف، وأيضاً على الدول غير الأطراف عندما تحال القضية إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن»، داعية السلطات السودانية إلى «نقل المشتبه فيهم الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية إلى المحكمة». وطالبت السلطات في الخرطوم بأن «تفي بالتزاماتها» وأن «توجه رسالة إلى المجتمع الدولي تتضمن إشارة قوية إلى التصميم على وضع حد للإفلات من العقاب». وطالبت السلطات أيضاً بـ«السماح لفرق المحكمة بدخول دارفور من أجل جمع الأدلة اللازمة»؛ لأن «مثل هذه التطورات ستكون (...) حاسمة نحو تحقيق العدالة والسلام والاعتراف لضحايا الجرائم المرتكبة في دارفور»، فضلاً عن أنها ستكون «خطوة مهمة للغاية في الانتقال السياسي والاستقرار في البلاد».
وقال القائم بالأعمال السوداني لدى الأمم المتحدة، الصديق علي أحمد، إن «موقفنا لم يتبدل»، و«ليس لدينا أي التزام حيال المحكمة» التي لم ينضم إليها السودان، مضيفاً أن محاكمة الرئيس السابق ستبدأ الأسبوع المقبل، وستجري محاسبته.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».