حروب باسيل المتنقلة بدأت تشكل إحراجاً لرئيس الجمهورية

عون نصح وزير الخارجية بإعادة التواصل مع الحريري

TT

حروب باسيل المتنقلة بدأت تشكل إحراجاً لرئيس الجمهورية

توقعت مصادر وزارية أن تؤدي المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى إحداث نقلة نوعية من شأنها أن تعيد الاعتبار للحكومة وتفتح الباب أمام تفعيلها باتجاه التعويض عن الشلل الذي أصابها من جراء إقحامها في سجالات كانت في غنى عنها بزيادة منسوب إنتاجها بما يمكّنها من الإفادة من المقررات الصادرة عن مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
وقالت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» إن التريث في إطلاق موجة من التفاؤل تؤدي حكماً إلى ترميم الوضع الحكومي يبقى في محله وعزت السبب إلى أنه من غير الجائز الركون إلى «النيّات الحسنة» التي صدرت تباعاً عن رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل بدءاً بالأجواء الإيجابية التي سادت اجتماعه الماراثوني بالرئيس سعد الحريري، مروراً بمضامين ما ورد في الموقف الأسبوعي الذي صدر عن «تكتّل لبنان القوي» لجهة تأكيده على متانة علاقته بتيار «المستقبل» التي هي أساس الاستقرار في البلد وانتهاءً بالنصائح التي أسداها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى باسيل والتي كانت وراء عودته إلى التواصل مع رئيس الحكومة.
ولفتت إلى أن النيّات الحسنة التي صدرت عن باسيل لا تكفي ما لم يتم اختبارها بخطوات عملية لئلا تبقى في إطار استيعاب الرسائل التي صدرت عن الحريري في مؤتمره الصحافي وفيها أن الوضع لم يعد يُحتمل وأن الأمور في البلد لا تُدار بهذه الطريقة. ورأت أن باسيل وإن حاول تحميل ما أسماه بالفريق المتضرر مسؤولية ما يقال عن تدهور علاقته برئيس الحكومة، فإن ما قاله الأخير في مؤتمره الصحافي لا يحتاج إلى تفسير، وهو قرر عن سابق تصوّر وتصميم أن يضع النقاط على الحروف وأن يمرّر رسالة لمن يعنيهم الأمر، وفيها أنه لن يسكت بعد الآن عن كل من يحاول شل قدرة الحكومة على العطاء، خصوصاً أنه شخصياً لا يستطيع أن يكون شاهداً على انهيار البلد.
وكشفت المصادر أن لقاء عون - الحريري اتّسم بصراحة متناهية، وقالت إن ما أورده الأخير في مؤتمره الصحافي حضر بامتياز، إضافة إلى أمور أخرى تتعلق بالوضع السائد داخل الحكومة والعلاقات المتوتّرة بين أبرز مكوّناتها السياسية. وأكدت أن عون كان وراء الطلب من باسيل لقاء الرئيس الحريري، وقال إن الغضب تجاوز الشارع السنّي إلى أطراف أخرى بدأت تشعر بوجود مشاريع تؤدي إلى تآكل مشروع الدولة لمصلحة الدويلات، وأن ما يقال عن الحرص على اتفاق الطائف ما هو إلا كلام يتعارض مع أداء بعض الأطراف ممن يصممون على تعديله بالممارسة في ظل وجود صعوبة في تعديله في النصوص.
وسألت المصادر عن مدى جدية باسيل في تغيير سلوكه وفي تنعيم مواقفه. وقالت هل اضطر بصورة استثنائية ولمرة واحدة إلى إبداء كل هذه المرونة ظنّاً منه أنه يستطيع استيعاب الغضب الذي يسود الشارع السنّي الذي يرمي عليه المسؤولية من خلال تصرّفه وكأنه الآمر الناهي في كل شيء؟
كما سألت عن مدى إدراك الرئيس عون للتداعيات السلبية التي يمكن أن تترتّب على إمعان باسيل وتماديه في خوض حروبه السياسية المتنقّلة ضد المكوّنات الرئيسية في الحكومة باستثناء «حزب الله»؟ وقالت إنه بدأ يشكّل إحراجاً للرئيس القوي الذي لا مصلحة له في عدم الاستقرار السياسي ولا في إطلاق يد باسيل الذي يتدخّل في كل شاردة وواردة، مستفيداً مما لديه من نفوذ في الإدارات والمؤسسات الرسمية لا يمكن أن يتأمّن ما لم يحظ بضوء أخضر من قبل الرئاسة الأولى؟
لذلك، فإن المصادر الوزارية ترى بأن مدى استعداد باسيل لتسهيل مهمة الرئيس الحريري للعبور بالبلد إلى بر الأمان واستكمال تطبيق ما ورد في البيان الوزاري والإسراع في تحضير لبنان للإفادة من مؤتمر «سيدر» يبقى موضع اختبار، خصوصاً أن الحكومة تقف الآن أمام جملة من الاستحقاقات أبرزها التعيينات الإدارية للتأكد مما إذا كان يصر على احتكار الحصة المسيحية في التعيينات، إضافة إلى مشاركة المسلمين في حصتهم.
وتؤكد المصادر أن التعيينات الإدارية لم تُبحث بالتفصيل بين عون والحريري وبين الأخير وباسيل، وتقول إن كل ما أُشيع عن وجود تفاهم يمكن أن يؤسس لإصدارها على دفعات لا أساس له من الصحة.
وتكشف أن طرح التعيينات بقي في العموميات، وتحديداً من زاوية ملء الشغور في الإدارات والمؤسسات العامة، لأن أمور البلد لا تُدار بالتكليف أو بالوكالة، وبات ملحاً تفعيل دور المؤسسات. وتؤكد بأن الحريري صارح كل من يعنيهم الأمر بموقفه من التعيينات، خصوصاً لجهة عدم موافقته منذ الآن على أن يحتكر هذا الطرف أو ذاك حصة هذه الطائفة أو تلك.
وعليه، هل يوافق باسيل، مع المبادئ التي رسمها الحريري لنفسه، على إصدار التعيينات، أم أنه سيعترض بذريعة أن حصة «تكتّل لبنان القوي» في الحكومة تتيح له استخدام حق «الفيتو» انطلاقاً من أن لديه أكثر من ثلث الأعضاء؟
قد يكون من السابق لأوانه إصدار الحكم على النيّات، لكن لا بد من التأكيد - بحسب المصادر - أن مجلس الوزراء لن يكون المعبر الذي يتيح لباسيل أو سواه الدخول في تصفية حساب لإلغاء هذا الطرف أو ذاك. ناهيك عن أن موقف باسيل من النازحين السوريين يبقى في إطار المزايدات الشعبوية ولن يُصرف في مكان لأن للحكومة مجتمعة رأي آخر لا تربط عودتهم بالحل السياسي في سوريا وإنما في تحميل النظام السوري مسؤولية عدم استعداده لإعادتهم ولو تدريجياً، حتى أن موسكو بلسان الممثل الشخصي للرئيس الروسي في سوريا، وإن كانت حريصة على إبقاء مبادرتها لعودتهم قائمة، فإنها كانت دعت إلى تهيئة الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الضمانات لهم، وهذا ما حمله البيان المشترك للقمة التي عقدها عون مع الرئيس بوتين في موسكو.
لكن هناك من يعتقد أن دعوة لبنان لحضور مؤتمر آستانة كمراقب قد تكون بمثابة إغراء له لربط حضوره بإعادة تزخيم عودة النازحين من خلال استعداد موسكو لرعاية فتح قنوات الاتصال بين بيروت ودمشق للتوافق على آلية تمهّد لعودة النازحين. مع أنه لا شيء يمنع قيام أكثر من وزير في الحكومة غير وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب بالتواصل مع المسؤولين السوريين، خصوصاً أن بعض هؤلاء الوزراء يتردّدون أسبوعياً على دمشق ويلتقون كبار الضباط المعنيين بملف النازحين من دون الحصول على تعهد منهم يدعو للتفاؤل بعودتهم قريباً إلى بلداتهم.
ويبقى السؤال: هل بات باسيل مضطراً لمهادنة رئيس الحكومة لانشغاله في مواصلة حروبه على الجبهات الأخرى، أم أنه يستجيب لإصرار الرئيس عون على لملمة الوضع الحكومي وإعادة تفعيله لأنه ليس في مقدور أحد أن يدفع الأثمان السياسية في حال إغراق البلد في تعطيل تلو الآخر، إضافة إلى أن «العهد القوي» سيكون المتضرر الأول من العودة بالحكومة إلى وضع هو في حدود إشرافها على إدارة الأزمة التي ستأخذ البلد إلى الانهيار. فهل ستؤدي «صحوة» باسيل وإن جاءت متأخرة إلى إعطاء زخم للحكومة لتنفيذ ما تعهدت به دولياً ومحلياً، أم أنه يتوخّى منها تقطيع الوقت لاستيعاب ما يتعرض له من حملات؟



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.