المتنبي أول مثقفي السلطة!

المتنبي أول مثقفي السلطة!
TT

المتنبي أول مثقفي السلطة!

المتنبي أول مثقفي السلطة!

المتنبي نموذج للمثقف الانتهازي. ولكن طموحه لا حدّ له. زاوَج بين الثقافة/ الأدب وبين السلطة، تقّرب من حكام حلب ومصر والعراق، وكانوا يظنون أنه يريد الهدايا والأموال، ولكنه كان يريد السلطة! بل إنه وجد نفسه أعلى من السلطة ذاتها. هكذا أصبح «المتنبي»... درجة تفوق البشر أنفسهم، وتعطيه مسحة من كبرياء.
كان المتنبي مثقف سلطة بامتياز. تقلّب في نعيمها، ونبغ في بلاطها، ولكنه لم يكتفِ بعلاقة التبعية تلك، كان طموحاً إلى الحدِّ الذي ضاق به رجال السلطة ذرعاً. كانوا يحسبونه شاعراً / مثقفاً يزّين مجالسهم بقصائد المديح، لكنه كان يريدُ منصباً رفيعاً في الدولة، عبّر عنه بطلب توليته على ضيعة أو ولاية من أراضي الدولة، وخاطب كافور قائلاً: «إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية/ فجودك يكسوني وشغلك يسلب».
ولو كان المتنبي حاضراً في زماننا، لكان رئيس قبيلة المثقفين وشيخ طريقتهم. فمنذ ألف عام أو تزيد، وهو يُلهم أتباعه المثقفين ثلاث خصال لا يحيدون عنها: علاقته الانتهازية بالسلطة، والاعتداد بالذات حدّ المرض، والاستهانة بالجمهور.
فتش عن السلطة والرغبة في المنصب في كل علاقة ربطت، أو فصلت، المتنبي بحكام عصره. فالمتنبي لا يرضى أن يكون مداحاً يسبغ صفات الكمال على رجال الحكم، بل يريد أن يقاسمهم المنصب.
والمتنبي الشاعر الذي أفرط في الادعاء: «أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي/ وأسمعت كلماتي من به صمم»، حوله حبّ السلطة واللهث وراء نعيمها إلى ازدراء الشعر / الثقافة، وهو سلاحه الوحيد ومصدر قوته، حيث يقول: «المجد للسيف ليس المجد للقلم». فداء المتنبي الآخر الذي ما زال يلاحق المثقفين حتى يومنا هذا، هو الإفراط في الادعاء وتعظيم الذات. فبيت الشعر الذي كان فخر المتنبي أصبح وبالاً عليه ساعة الجدّ: «الخَيْل واللّيْلُ والبَيْداءُ تَعْرفُني... والسّيْفُ والرّمْحُ والقرْطَاسُ والقَلَمُ»، ومعروف أنه حين حاصره فاتك الأسدي العيني، وأراد قتله، حاول المتنبي الفرار... فذكره ولده مُحسَّد بهذا البيت، فأسقط في يده وثبت لمصيره. فقُتل ومعه ولده وغلامه في النعمانية بالعراق سنة 353 هـ.
أحد أمراض أهل الثقافة الذي أورثهم إياه المتنبي هو تضخيم الذات بشكل مبالغ فيه. وازدراء الرأي الآخر، والاستقواء على المتلقي / الجمهور، وعدم الإصغاء إلى همومهم وحاجاتهم الإنسانية. المتنبي ليس فقط قام بهذا سعياً وراء المناصب، بل إن مصيبته التي لم يحسب حسابها كانت استسهال التعدي على الناس الذين لا يملكون سلطة يلوذون بها.
والمفارقة أن شاعراً كبيراً كالمتنبي مدح وهجا رجال الحكم، ولم يتسبب هجاؤه الفظ لكافور الإخشيدي في قتله، ولكنه قُتل في ريعان شبابه يوم تعرض لقاطع طريق وسلاب اسمه ضبة بن يزيد الأسدي، حيث ثأر له خاله فاتك الأسدي العيني.
سَلِمَ المتنبي من بطش السلطة، رغم نزقه، وفحش هجائه لكافور خصوصاً، وكان العرب يقولون: «وما زالت الأشراف تُهجى وتُمدح»، وجاءته الطعنة من أناس حسبهم أقل مستوى من أولئك الذين مدحهم أو هجاهم، ومن خلال قصيدة تمثل عيباً أدبياً إذا نسبت لشاعر عظيم كالمتنبي.
ماذا لو اكتفى المتنبي بوظيفته ورسالته كشاعر، وترك السلطة لأهلها؟ ماذا لو أنه أحسن تقدير دوره وتأثيره، ولم يبالغ في تضخيم ذاته وقوته؟ ماذا لو أنه تحاشى احتقار الناس العاديين والعبث بكرامتهم؟



لأول مرة... عرض كسوة الكعبة بكاملها خارج مكة المكرمة

كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)
كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)
TT

لأول مرة... عرض كسوة الكعبة بكاملها خارج مكة المكرمة

كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)
كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)

ضمن عدد هائل من المقتنيات التاريخية والقطع المستعارة من مؤسسات عربية ودولية ينفرد بينالي الفنون الإسلامية 2025 المقرر افتتاحه في 25 يناير (كانون الثاني) الحالي بعرض كسوة الكعبة المشرفة بالكامل، وهي المرة الأولى التي تشاهد فيها الكسوة خارج مكة المكرمة.

ويأتي عرض الكسوة في الدورة الثانية من البينالي بالتزامن مع الذكرى المئوية الأولى (حسب التقويم الهجري) لإنشاء مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة في السعودية، والذي ينال شرف صناعة الكسوة منذ عام 1346 هـ (1927 م).

جدير بالذكر أن الكسوة التي سيتم عرضها في البينالي غطّت الكعبة المشرّفة طوال العام الهجري الماضي ولم يسبق أن عُرضت بشكلها الكامل في أيّ محفل أو معرض من أي نوع.

قاعات عرض بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة (مؤسسة بينالي الدرعية)

ويمثل عرض الكسوة سابقة أولى يسجلها البينالي ضمن جهوده المعرفية التي تُضيء الجوانب المرتبطة بالفنون الإسلامية والنقوش والزخارف الفريدة، والتي تتجلّى في الكسوة الشريفة بوصفها واحدة من أسمى الإنتاجات الإبداعية التي بلغها الفن الإسلامي.

وسيقدم البينالي من خلال عرض كسوة الكعبة المشرفة تعريفاً بالكسوة، وتطورها عبر التاريخ، وما يرتبط بها من فنون ونقوش ومهارات حِرفية ومعارف، وذلك بأسلوب عرضٍ مميز، يتيح للزوار التعرّف على التفاصيل الدقيقة في حياكتها، وتطريزها بخيوطٍ من الحرير والذهب والفضة. وستتم إعادة الكسوة إلى رعاية مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة بعد اختتام فعاليات البينالي.

وتهدف مؤسسة بينالي الدرعية من خلال عرض الكسوة إلى ترسيخ الاعتزاز بالإرث الثقافي الإسلامي، وخلق فرصة استثنائية تسمح لعامة الجمهور بالتعرف عن قرب على أحد أهم مظاهر الفن الإسلامي عبر التاريخ، وتقديم فهمٍ أعمق للحرفية العالية في صناعة كسوة الكعبة المشرفة، مع ما يتضمنه ذلك من تأكيد على مركزية المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، وتوفيرها لكل الإمكانات والمهارات والحرفيين البارعين لصناعة الكسوة من خلال مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة.

صالة الحجاج الغربية في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة مكان إقامة فعاليات بينالي الفنون الإسلامية في دورته الثانية (مؤسسة بينالي الدرعية)

و إلى جانب كسوة الكعبة المشرفة سيعرض البينالي مجموعةً واسعة من التحف التاريخية الإسلامية وأعمال الفن المعاصر، بهدف دفع زواره إلى التأمل في ثراء الحضارة الإسلامية وفنونها الإبداعية، وذلك امتداداً لما قدمه البينالي في نسخته الأولى التي أُقيمت في عام 2023م تحت عنوان «أول بيت»، وحققت نجاحاتٍ كبيرةٍ جعلت منه ثاني أكثر بينالي زيارة في العالم، بحضورٍ وصلَ إلى أكثر من 600 ألف زائر تعرفوا على الإرث الثقافي للفنون الإسلامية.