جبال الأفاتار الصينية... بين الطبيعة الخيالية وواقع السياحة «الشعبية»

جبال الأفاتار الصينية... بين الطبيعة الخيالية وواقع السياحة «الشعبية»
TT

جبال الأفاتار الصينية... بين الطبيعة الخيالية وواقع السياحة «الشعبية»

جبال الأفاتار الصينية... بين الطبيعة الخيالية وواقع السياحة «الشعبية»

حديقة غابة زانغجياجي الوطنية، الواقعة في مقاطعة هونان الجبلية في جنوب الصين، هي أول المواقع الصينية إدراجاً على قوائم التراث العالمي لدى منظمة اليونيسكو، وهو ما يجعلها مفخرة للصينيين، ومن الوجهات المفضلة لديهم. وعلى المستوى العالمي، تشتهر أيضاً باسم «جبال الأفاتار»، حيث ألهمت فيلم جيمس كاميرون الشهير «أفاتار»، نظراً لطبيعتها وجبالها المسننة الشاهقة التي تأخذ أشكال أعمدة متراصة من الحجر الرملي، تنطلق من قاع الوادي صوب السماء، مع تناثر شجيرات خضراء مورقة على قممها الضيقة. وهذه الأعمدة هي التي تشكل نسبة كبيرة من مجموع جبال تيانزي، كون الحديقة تحتوي أيضاً على 23 نوعاً من الحيوانات النادرة، وأكثر من 3 آلاف نوع من النباتات، كان إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونيسكو في عام 1993 من تحصيل الحاصل. وفي عام 2004، صُنفت كواحدة من الحدائق الجيولوجية العالمية.
بيد أن الوصول إلى هذا الجمال الطبيعي الأخاذ ليس سهلاً. السير على الأقدام من أفضل الوسائل لاستكشافها، لكن إذا تعسر الأمر، وكان غير ممكن لأي سبب من الأسباب، فإن الحديقة تُوفر «التلفريك» ومصاعد كهربائية وحافلات عمومية. قد لا تكون هذه الأخيرة مريحة أو مواكبة لتطورات العصر، إلا أنها تفي بالمطلوب. ولا بد من الإشارة إلى أن سحر المكان يزيد مع هبوط غيوم الضباب، لتظلل الأشجار وتكاد تخفي نصفها. حينها فقط يُدرك الناظر أهمية المكان، ولماذا ألهم كثيراً من الرسامين الصينيين عبر التاريخ، وجبال «بندورا» الأسطورية في فيلم «أفاتار».
فلدى رؤية هذا المنظر، يخال المرء أنه أمام لوحة من وحي الخيال، نظراً لتكويناته الجيولوجية التي شكلتها الطبيعة، وعوامل التعرية عبر العصور. وكان من البديهي أن تلفت انتباه المشرفين على التنمية السياحية الذين فتحوا الأبواب إليها على مصراعيه، لتُصبح اليوم من أهم مناطق الجذب السياحي في الصين. المشكلة أن الإقبال عليها لم يترافق مع توفير خدمات متطورة، ولا مع مفهوم الاستدامة. ولا يعود السبب إلى الازدحام أو عدم توفر الموارد، وإنما إلى نوعية السياح الذين لا يعرفون أنهم يدمرون الثروة الطبيعية، في ظل نقص الوعي ولا مبالاة السلطات. فالسياح المحليون يمثلون أكبر نسبة من عدد الزوار، بالنظر إلى تعداد السكان البالغ 1.4 مليار نسمة، والطفرة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، والتي جعلت الكل يتطلع إلى السفر والاكتشاف. ومع تركيب أحدث وأطول جسر ذا قاع زجاجي في العالم «جسر جبال أفاتار»، بطول 430 متراً وعرض 6 أمتار، على ارتفاع 300 متر فوق واد هائل، زاد الإقبال على المنطقة، لا سيما أن الجسر نفسه أصبح معلماً سياحياً. لكن يجب على الزوار حجز تذاكرهم مقدماً بتكلفة قدرها 138 يواناً، أي ما يعادل نحو 15.94 جنيه إسترليني.
ومنذ لحظة الوصول إلى مدينة ولينغيوان، على مشارف حديقة غابة زانغجياجي الوطنية، يغمر الزائر ذلك الإحساس بأنها من الوجهات السياحية «الشعبية»، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ففي كل شارع يوجد فندق وعشرات الحافلات الكبيرة التي تنقل جحافل السياح الصينيين بصفة يومية، يتبعون المرشدين بصورة عشوائية، ومكبرات صوت تقطع السكينة. لا يوقفهم أن رسوم الدخول باهظة، تعادل 40 دولاراً أميركياً تقريباً، إضافة إلى أن خدمة التلفريك أو المصعد غير متضمنة في تذاكر الدخول. ومما يزيد من الازدحام أن صلاحية تذاكر الزيارة تبقى سارية لـ3 أيام بدلاً من يوم واحد، وهو ما يُنعش الفنادق المحيطة بالمنطقة. وبعد الوصول إلى المحطة الأولى في حديقة غابة زانغجياجي الوطنية، بواسطة الحافلة أو «التلفريك»، يمكن المشي على حافة النهر، حيث أعمدة الحجر الرملي، وكتل الكوارتز المنتصبة بقامتها السامقة مثل الرماح، تطل على المنحدرات المحيطة. وعبر إحدى الدروب غير المعبدة تصل إلى الغابة، ومنها إلى القمة. هنا، وبعد مشاهدة المناظر البانورامية المحيطة، سيهون كل التعب وحالات الفوضى التي يمكن أن يثيرها بعض السياح المحليين. وكلما توغلت في المكان، وابتعدت عن جحافل السياح، تكتشف مسارات هادئة تشعر فيها وكأنك تمتلك الحديقة بأسرها. فمساحة الحديقة شاسعة إلى حد أنها في كل مرة تأخذك إلى مكان جديد ومختلف.
ورغم ارتفاع أعداد السياح بشكل غير مسبوق، لا تزال جبال «أفاتار» من الوجهات الطبيعية التي تستحق الزيارة، بغض النظر عن العناء والازدحام.
وأسهل طريقة للوصول هي الطيران. وبالنسبة للذين يفضلون السفر البري، لا بد من استقلال القطار إلى مدينة زانغجياجي. ولأن خط السكك الحديدية ليس متصلاً بمعظم الوجهات الرئيسية الأخرى في البلاد، فإنه لا بد من تغيير الوجهة مرة أو مرتين تقريباً للوصول إليها في نهاية الأمر، لكن من الضروري التأكد من مواعيد القطارات.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».