«ضغط رباعي» على الوجود الإيراني في سوريا

شرق الفرات وإدلب ومناطق الحكومة... وغارات إسرائيل

«ضغط رباعي» على الوجود الإيراني في سوريا
TT

«ضغط رباعي» على الوجود الإيراني في سوريا

«ضغط رباعي» على الوجود الإيراني في سوريا

يتعرض وجود إيران في سوريا لضغوط عسكرية وسياسية في 4 جهات بهذه البلاد، لدفع طهران إلى «تقليص» وجودها تدريجياً؛ وصولاً إلى خروج قواتها العسكرية وميليشيات تابعة لها من مناطق سيطرة الحكومة السورية.
يأتي الضغط الأول من البوابة الشرقية لسوريا؛ إذ إن أميركا قررت البقاء شرق نهر الفرات وقاعدة التنف في الزاوية العراقية - السورية - الأردنية. وتجري في هذه المناطق، التي تشكل ثلث مساحة الأراضي السورية، حملة مكثفة بقيادة أميركية لحل التوتر الكردي - الكردي واحتواء إمكانات التوتر العربي - الكردي، سواء بعقد لقاءات سرية أو تشكيل هيئة عليا تضم أعيان هذه المناطق من العشائر العربية والقوى السياسية الكردية، إضافة إلى تخصيص أموال لبسط الاستقرار، وإزالة الألغام، والإعمار، في هذه المناطق بعد دحر «داعش» لمنع إمكانية اختراق إيراني نحو شرق الفرات.
وإذ تنتشر إيران وتنظيمات تابعة لها غرب الفرات، كثف التحالف الدولي ضد «داعش» جهوده لتدريب «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية وتخريج عناصر محلية قادرة على ضبط الاستقرار. وضمنت واشنطن مساهمة بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى في التحالف سواء في القوات البرية أو في الطلعات الجوية، خصوصاً بعد تمديد مذكرة «منع الصدام» بين واشنطن وموسكو في الأجواء السورية.
وتجري أميركا محادثات مع تركيا لإقامة منطقة أمنية بين جرابلس على نهر الفرات وفش خابور على نهر دجلة لتخفيف احتمالات الصدام التركية - الكردية شمال شرقي سوريا وضمان الاستقرار.
وترمي سلة الإجراءات، بحسب قناعة واشنطن، إلى قطع الطريق البرية بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت ومنع إيران من ملء الفراغ شرق سوريا. كما طلبت الإدارة الأميركية من «قوات سوريا الديمقراطية» تجميد الحوار مع دمشق، في وقت يجري فيه بحث أفكار لضم «مجلس سوريا الديمقراطية» السياسي إلى عملية السلام في جنيف.
البوابة الثانية للضغط، تأتي في مناطق سيطرة الحكومة، التي تشكل نحو 60 في المائة من مساحة البلاد؛ إذ تجري جهود روسية لضبط النفوذ الإيراني. عسكرياً، يشمل ذلك دعم قاعدة حميميم تشكيل «الفيلق الخامس»؛ سواء من عناصر سورية موالية لدمشق أو من فصائل معارضة سابقة كما حصل في قوات عسكرية كانت محسوبة على «الجيش الحر» و«جبهة الجنوب» قبل استعادة الحكومة السيطرة على «مثلث الجنوب» قرب الأردن وخط فك الاشتباك في الجولان السوري المحتل. وتدعم موسكو «قوات النمر» بقيادة العميد سهيل الحسن الذي يقيم علاقة خاصة مع قاعدة حميميم.
وبحسب معلومات، يضم «الفيلق الخامس» نحو 50 ألف مقاتل ويحصلون على رواتبهم وأسلحتهم والذخيرة من قاعدة حميميم. وهم يتبعون مباشرة الجيش الروسي، بحيث يحصل العنصر على راتب وسطي قدره 200 دولار أميركي، والضابط على ما بين 300 و400 دولار. وانتشر هؤلاء في الجنوب بعد انسحاب الميلشيات الإيرانية بداية العام الماضي بموجب تفاهم روسي - أميركي - إسرائيلي. وتريد موسكو أن يواجه هؤلاء إمكانات قيام إيران بتجنيد شباب سوريين في تنظيمات تابعة لطهران في الجنوب أو شرق الفرات.
البوابة الثالثة، ظهرت لدى طلب موسكو من مئات منهم الذهاب إلى شمال غربي سوريا للمساهمة في معارك إدلب، في وقت لوحظ فيه عدم مشاركة إيران وميليشياتها في معركة إدلب سواء من بوابة ريف حلب الغربي أو شمال حماة. وساهم ذلك في انتقال معركة إدلب من حملة قضم سريعة إلى «حرب استنزاف» استمرت أكثر من شهر بـ«إنجازات متواضعة».
وتشترك روسيا وإيران وتركيا في رعاية عملية آستانة التي ولد فيها اتفاق «خفض التصعيد» بين أنقرة وموسكو في سبتمبر (أيلول) الماضي. ونشرت الدول الثلاث نقاط مراقبة في «مثلث الشمال» الذي يضم إدلب وأرياف حماة واللاذقية وحلب. وإذ طرحت أسئلة كثيرة عن أسباب عدم انخراط إيران في معركة إدلب، أظهرت أنقرة تصميماً على دعم فصائل معارضة وإسلامية بالسلاح والمعلومات والخرائط وأبقت على عناصر المراقبة وردت على القصف السوري، بهدف صد تقدم قوات الحكومة السورية.
وتواصل روسيا منافسة إيران اقتصادياً للاستحواذ على مشاريع كبرى. وبعد الحصول على عقد تشغيل مرفأ طرطوس قرب قاعدة طرطوس الموسعة رداً على قرار طهران إدارة مرفأ اللاذقية، تبحث روسيا استثمار مطار دمشق الدولي قرب المقر السابق لقيادة القوات الإيرانية في سوريا، الذي نقل بسبب الغارات الإسرائيلية من المطار إلى شمال البلاد.
من هنا يأتي الضغط الرابع؛ أي الغارات الإسرائيلية على «مواقع إيران»؛ إذ إن إسرائيل واصلت قصف هذه «المواقع» رغم تسلم دمشق منظومة «إس300» من موسكو ورغم اعتراضات سورية وإيرانية سابقة. وأظهرت واشنطن من جهتها دعم الغارات الإسرائيلية بوصفها «إحدى أدوات الضغط العسكري على إيران»، بحسب مسؤولين أميركيين. وسيكون هذا الملف حاضراً في اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي؛ الأميركي والروسي والإسرائيلي، في القدس الغربية نهاية الشهر الحالي.
وكانت دول عربية بدأت مسيرة حذرة في التطبيع مع دمشق على أمل إبعادها عن طهران أو تخفيف النفوذ العسكري لإيران. وبدا أن مسار «خطوة مقابل خطوة» هو المسيطر لحض دمشق على إرسال إشارات الابتعاد عن الفلك الإيراني. هنا، كان لافتاً بيان الخارجية السورية قبل أسبوعين بعد الاعتداءات الإيرانية في الخليج العربي؛ إذ أعربت دمشق، بحسب بيان بثته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عن رفض «إعاقة الملاحة» في «الخليج العربي» ودعت «جميع الأطراف» إلى «ضبط النفس» و«الحوار» بهدف «خفض التوتر» وضمان «الأمن والسلم والاستقرار» في المنطقة.



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.