متحف مصري لدمج المكفوفين والمبصرين عبر أعمال فنية مشتركة

«جاير أندرسون» أعد بطاقات تعريفية للآثار بطريقة «برايل»

متحف جاير أندرسون من الخارج  -  يتيح لذوي الإعاقة التعرف على القطع الأثرية
متحف جاير أندرسون من الخارج - يتيح لذوي الإعاقة التعرف على القطع الأثرية
TT

متحف مصري لدمج المكفوفين والمبصرين عبر أعمال فنية مشتركة

متحف جاير أندرسون من الخارج  -  يتيح لذوي الإعاقة التعرف على القطع الأثرية
متحف جاير أندرسون من الخارج - يتيح لذوي الإعاقة التعرف على القطع الأثرية

أعلنت وزارة الآثار المصرية انتهاء متحف «جاير أندرسون» من إعداد بطاقات الشرح لمختلف قاعات العرض المتحفي، باستخدام طريقة «برايل». وقالت الوزارة، في بيان صحافي، أمس، إن «ذلك يأتي في إطار خطتها لتطوير المتاحف والمناطق الأثرية وخدمة فاقدي البصر».
وقالت إلهام صلاح، رئيس قطاع المتاحف، إن «استخدام تلك البطاقات يعمل على تنمية التواصل المجتمعي والتنمية المستدامة التي يهدف إليها قطاع المتاحف».
وأشارت إلى أنه «سيتم البدء بالعمل بالبطاقات داخل قاعات المتحف، بدءاً من غد الثلاثاء، بحضور وفد من المكفوفين بالجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتحت إشراف القسم التعليمي لذوي الاحتياجات الخاصة بالمتحف».
ويطلق على متحف «جاير أندرسون»، كذلك اسم «بيت الكريتلية» أو «بيت الكريدلية»، ويتكون المتحف من بيتين هما بيت محمد بن الحاج سالم وبيت السيدة آمنة بنت سالم، وتم الربط بينهما بممر (قنطرة)، ويعد هذان البيتان من الآثار الإسلامية النادرة والثمينة، وينتميان إلى العصر العثماني، ويقع «بيت الكريتلية» في أحد أعرق شوارع القاهرة القديمة بشارع وميدان أحمد بن طولون بحي السيدة زينب (وسط القاهرة).
وقالت ميرفت عزت، مدير متحف «جاير أندرسون»، لـ«الشرق الأوسط»: «متحف (أندرسون) يعد بمثابة متحف حضارات مصغر، لأنه يضم قطعاً أثرية نادرة تنتمي لـ7 حضارات مختلفة، من بينها الحضارة الصينية، والدمشقية، والهندية، والمصرية القديمة، بجانب الحضارة الإسلامية في القاهرة، كما يضم لوحات فنية لكبار الفنانين التشكيليين المصريين والأجانب».
وأضافت: «تكمن أهمية متحف (جاير أندرسون)، في أنه غير مخصص لفترة تاريخية، أو حضارة معينة، ويستقبل سائحين وزائرين أجانب وعرباً ومصريين وطلاب مدارس، وينظم ورشاً تعليمية بصفة دورية يقبل عليها عشرات الطلاب والشبان».
وعن كيفية إدخال خدمة طريقة «برايل» في شرح معروضات المتحف قالت: «كنا ننظم ورشاً تدريبية وتعليمية للطلاب الأصحاء والطلاب ذوي الإعاقة السمعية والبصرية، حتى فكرنا في مساعدة ذوي الإعاقة البصرية للتعرف على معروضات المتحف بأنفسهم بدلاً من شرح أمناء المتحف، الذي ربما قد يملون منه أحياناً، نظراً لتعدد قاعات عرض المتحف، وتطوع أحد موظفي المتحف من المكفوفين بإعداد بطاقات شرح وتعريف المعروضات بالقاعات، حتى يستطيع المكفوفون التعرف بأنفسهم على القطع دون شرح».
وأوضحت: «قمنا كذلك باستنساخ بعض القطع لمحاكاة القطع الأثرية النادرة التي تتأثر بلمس الأيدي، بينما سمحنا لذوي الإعاقة بلمس القطع الكبيرة التي لا تتأثر بالتلامس».
ولفتت إلى أن «المتحف سوف ينظم ورشاً فنية خلال شهر يوليو (تموز) المقبل لدمج المبصرين بذوي الإعاقة البصرية، عبر تشكيل مجسمات فنية من الصلصال بواسطة المكفوفين، فيما يقوم المبصرون بزخرفتها ليحدث التكامل بين الفئتين».
وترجع تسمية المتحف باسم «جاير أندرسون»، إلى عام 1935، عندما تقدم ضابط إنجليزي يدعى أندرسون بطلب إلى لجنة حفظ الآثار العربية للسكن في البيتين بعد ترميمهما وإصلاحهما من قبل لجنة الآثار.
ووعد أندرسون بتأثيثهما على الطراز الإسلامي، وأن يعرض فيهما مجموعته الأثرية من مقتنيات أثرية إسلامية، وحتى فرعونية وآسيوية، على أن يصبح هذا الأثاث ومجموعته من الآثار ملكاً للشعب المصري بعد وفاته، أو حين يغادر مصر نهائياً، فوافقت اللجنة، وضم المتحف قطعاً فنية تعود للعصور الإسلامية، وأخرى من الصين والقوقاز والشرق الأقصى، إضافة إلى بعض التحف الأوروبية. وعاد البيت مرة أخرى إلى مصلحة الآثار المصرية، بعد وفاة أندرسون، وأطلق اسمه على المتحف تكريماً لحبه لمصر.
ويضم حي السيدة زينب عدداً كبيراً من المباني والمساجد الإسلامية النادرة، التي تجتذب السائحين العرب والأجانب، كما تواصل وزارة الآثار المصرية ترميم وإنقاذ نحو 5 مبانٍ أثرية بمنطقة السيدة زينب والخليفة، وهي سبيل أحمد أفندي سليم، وسبيل يوسف بك، وقبة الخلفاء العباسيين، وقبة سنجر المظفر، وقبة وزاوية أيديكن.



إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».