مخاوف من هيمنة «العسكرة» على قطاع النفط الليبي

تعرض قطاع النفط الليبي منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011 لتهديدات إرهابية كثيرة، وظل على مدار أكثر من ثماني سنوات رهناً للانقسامات السياسية والآيديولوجية، في وقت فيه أعربت المؤسسة الوطنية للنفط أمس عن «قلقها الشديد إزاء الوجود العسكري المتزايد بميناء رأس لانوف النفطي، واحتمال تحوله إلى هدف عسكري».
وقالت المؤسسة الوطنية في بيان أمس إن هذا الوجود العسكري «قد يجبرها على سحب موظفيها من الميناء حرصاً على سلامتهم». علما بأن ميناء رأس لانوف النفطي يعد أحد أهم موانئ تصدير النفط الليبية على البحر المتوسط، وتسيطر عليه قوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وعلى المنطقة المحيطة به.
وأضافت المؤسسة أن «مجموعة مكونة من 80 عسكرياً يقودها اللواء عبد الله نور الدين الهمالي، دخلت الميناء الأربعاء الماضي، واستولت على أحد مبانيه، وتم تخصيصه للاستخدام العسكري»، مضيفة أن تلك القوات حاولت تزويد سفينة حربية بالوقود، واستحوذت على وجبات الطعام المخصصة للموظفين. كما لفتت المؤسسة إلى أنه تم الاستيلاء أيضاً «على 31 مسكناً مخصصاً لموظفي شركة الهروج للعمليات النفطية، وهي الشركة المشغلة للميناء والتابعة للمؤسسة الوطنية للنفط».
وظلّ قطاع النفط في ليبيا عرضة لنهب ميليشيات مسلحة، واستخدامه كورقة مساومة للحصول على مكاسب مالية. وقد جرى إغلاق حقول وموانئ بشرق ليبيا بين عامي 2013 و2016 إلى أن بسط «الجيش الوطني» سيطرته على معظم المرافق النفطية في شرق البلاد، وطرد الجماعات الإرهابية منها. بالإضافة إلى السيطرة على حقلي الشرارة والفيل النفطيين الرئيسيين في الجنوب.
وقال مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، أمس، إن «المؤسسة الوطنية للنفط تعمل لصالح الليبيين كافة، ولن نقبل أبدا بوضع يسيء فيه أحد أطراف الصراع القائم استخدام مرافق المؤسسة». لافتا إلى أن «وجود قوات داخل منشآتنا يشكل خطراً محدقاً على الموظفين، وقد يجعل الميناء هدفاً عسكرياً محتملاً، مما يهدد بتدمير البنية التحتية النفطية الليبية، واحتمال حدوث أزمة اقتصادية».
وشدد صنع الله على أن المؤسسة الوطنية للنفط «تجدد تأكيدها على عدم انحيازها لأي من أطراف الصراع القائم والتزامها بالحياد».
وسبق أن حذر رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، من أن يؤدي استمرار عدم استقرار البلاد إلى فقد 95 في المائة من الإنتاج، وقال عقب اندلاع العملية العسكرية في طرابلس إن عمليات تصدير النفط والغاز «تواجه أكبر تهديد لها منذ عام 2011 بالنظر إلى حجم المعارك وتداعيات الحرب».
وتسلم المؤسسة الوطنية عائدات التصدير إلى مصرف طرابلس المركزي، الموالي لرئيس المجلس الرئاسي بحكومة «الوفاق» فائز السراج، وتباشر اختصاصاتها بدفع رواتب بعض موظفي الحكومة المؤقتة في شرق البلاد، التابعة لمجلس النواب في طبرق.
وأول من أمس نشب حريق بمولد كهربائي في حقل السرير النفطي، تسبب في خسارة إنتاج قدرتها المؤسسة الوطنية بنحو 30 ألف برميل نفط يومياً، وتعهدت بإجراء تحقيق داخلي لتحديد أسباب ارتفاع حرارة المولد، وتقدير أعمال الإصلاح الضرورية لعملية إعادة التشغيل.
ويصل إنتاج ليبيا حالياً لنحو 1.3 مليون برميل يومياً، في ظل تذبذب خلال الأعوام الماضية بسبب الاشتباكات المسلحة بمحيط الهلال النفطي، وتوقف عملية الإنتاج في وقت سابق من حقل الشرارة، الذي ينتج نحو ثلث النفط الليبي.
وكانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل يومياً قبل الانتفاضة التي أسقطت القذافي، ومنذ ذلك التاريخ وقطاع النفط يخضع لمساومات واسعة من المواطنين الطامحين لتحقيق مكاسب مالية، فضلاً عن تهريبه خارج البلاد من قبل ميليشيات مسلحة.
بدوره، قال مسؤول بالمؤسسة الوطنية للنفط لـ«الشرق الأوسط» إن التحذيرات، التي أطلقها صنع الله مبكراً، من أن عملية التصدير النفط والغاز تواجه أكبر تهديد لها «بدأت بالفعل، حيث تجري عملية (عسكرة) واسعة للقطاع».
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه: «لقد سبق أن طالبنا بإبعاد النفط الليبي عن الاقتتال، وحسابات المتحاربين لأنه ثروة الليبيين الوحيدة، لكن يبدو أنه هو المستهدف».
ونفى موالون لـ«الجيش الوطني» ومسؤولون من الحكومة المؤقتة عدة مرات أن تكون معركة «تحرير» طرابلس من الإرهابيين، تستهدف الاستحواذ على قطاع النفط، مشيرين إلى أن «الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر دفعت أثماناً باهظة للحفاظ على النفط، واستعادته من قبضة مسلحي (داعش)».