لجنة المال في البرلمان اللبناني تعيد تشريح الموازنة

خبير اقتصادي يحذّر من ارتفاع العجز وتخطّي شروط «سيدر»

TT

لجنة المال في البرلمان اللبناني تعيد تشريح الموازنة

دخلت موازنة لبنان لعام 2019 في متاهات جديدة، بعدما وضعتها لجنة المال والموازنة على مقصلة التشريح، لإعادة درسها من جديد، وسط معلومات عن إلغاء بعض البنود التي أقرتها الحكومة على مدى 19 جلسة لمجلس الوزراء، والتي تمكنت خلالها من خفض العجز من 11.5% إلى 7.59%، وسط تحذيرات من إلغاء بنود تؤدي إلى تطيير بعض المداخيل، وتعيد رفع نسبة العجز مجدداً بما يتعارض مع شروط مؤتمر «سيدر» ويرتّب على لبنان أعباء كارثية في العام المقبل.
وفيما تتخوّف مصادر سياسية من إغراق مشروع الموازنة في نقاش واسع، يؤدي إلى تأخير إقرارها، رأى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور جاسم عجّاقة، أن «إعادة تشريح الموازنة في المجلس النيابي، تندرج ضمن الحق الدستوري للنواب في النقد والمراقبة، لو لم تكن الكتل النيابية ممثلة في الحكومة». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الموازنة كما أقرت في الحكومة، وبغضّ النظر عن الملاحظات التي يمكن إبداؤها، إلا أنها نجحت في خفض العجر من 11.5% إلى 7.5%، وكلّ الأحزاب الممثلة في الحكومة وافقت عليها»، معتبراً أن «إعادة درس كلّ بنودها حقّ دستوري، لكن إذا جرى فرطها (تفكيكها) لا أحد يضمن بقاء العجز عند حدود الـ7.5%، وقد يرتفع إلى أكثر من 9% أو نعود إلى العجز الموجود في موازنة 2018 الذي يزيد على 11%».
وانتقد رئيس الحكومة سعد الحريري بشدّة، الآلية المعتمدة في إعادة درس الموازنة في البرلمان، وذكّر في مؤتمره الصحافي الذي عقده يوم الثلاثاء الماضي، بأن «الحكومة أشبعت الموازنة دراسة على مدى 19 جلسة، وأقرتها بإجماع أعضائها، وكان الوزراء يطْلعون نواب كتلهم على تفاصيل الموازنة». وسأل «لماذا إعادة درسها من جديد؟» وأوضح عجّاقة، أنه «أقرب إلى طرح الرئيس الحريري». وأشار إلى أن «لجنة المال والموازنة لا تمتلك المعدات اللازمة التي تمتلكها وزارة المال لإعادة إجراء الحسابات». وأضاف: «إذا لم تكن الدراسة متوازنة نصبح أمام احتمالات خطيرة»، لافتاً إلى أن «البنود التي قد يجري تطييرها أو تعديلها متعددة ومنها إلغاء زيادة الضريبة على القيمة المضافة، وإلغاء الإعفاءات عن غرامات تأخير تسديد الرسوم، التي تشجّع المكلّف على دفع الضرائب»، ورأى أن «المطلوب إعادة الناس إلى كنف القانون وليس العكس».
من جهته، أعلن عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون، أن «إعادة درس الموازنة في المجلس النيابي هي حق دستوري للنواب لا يمكن إلغاؤه». وطمأن في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «النواب ملتزمون بالإسراع بإقرار الموازنة، وبنفس الوقت يأخذون تخفيض العجز بعين الاعتبار». وقال: «عند إلغاء أي بند يجري البحث عن بند آخر يؤمّن الواردات المطلوبة، وهم حريصون على الموازنة بقدر حرص الحكومة». وعن الانتقاد الضمني الذي وجّهه الحريري إلى لجنة المال والموازنة، وإعادة بحثها رغم أن الوزراء أطلعوا كتلهم عليها، لفت النائب عون إلى أن «هذا الأمر غير دقيق، لأن ثمة نواباً غير ممثلين في الحكومة، كما أن تكتل (لبنان القوي) لم يفتح باب نقاش الموازنة في اجتماعاته». وقال: «إذا لم يعجبهم دور النواب فليقفلوا مجلس النواب وتصدر الموازنة عن الحكومة».
وكان رئيس لجنة المال والموازنة وأمين سرّ تكتل «لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان، قد أعلن أن المجلس النيابي قادر على إيجاد مداخيل للخزينة لا تطال جيوب الموظفين والطبقات الفقيرة والمتوسّطة، من دون الكشف عن مصدر هذه المداخيل، لكنّ الخبير المالي والاقتصادي جاسم عجّاقة رأى في ذلك «محاولة لتحميل عجز الموازنة وخدمة الدين إلى مصرف لبنان». وقال: «إذا لجأوا إلى هذا الخيار يرتكبون خطيئة قاتلة، لأن قانون النقد والتسليف يمنع على المصرف المركزي إقراض الدولة، لكن يمكنه إعطاؤها بعض السُّلف أو الديون بشروط مقيدة جداً». وأضاف عجّاقة: «إذا لم تعتمد لجنة المال والموازنة إجراءات تأتي بإيرادات مكان البنود التي يجري تطييرها، وإذا تجاوزنا سقف الـ9% عجزاً، ستكون السنة القادمة كارثية على لبنان، لأن البقاء تحت عجز 9%، يعني أننا ما زلنا ضمن الأرقام التي وضعها مؤتمر (سيدر) الذي اشترط خفض العجز بنسبة 1% سنوياً وعلى مدى خمسة أعوام، أما إذا قفز العجز فوق 9% نصبح أمام كارثة اقتصادية ومالية، وستكون إجراءات العام المقبل أكثر قسوة على اللبنانيين».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.