هاني السّالمي... روائي غزّي يبيع القهوة ويقدم الأدب «ضيافة»

على أحد مفارق الطّرق الرئيسية في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة المحاصر، يقضى الرّوائي الفلسطيني هاني السالمي (40 سنة) معظم يومه، يبيعُ المشروبات السّاخنة على عربة صغيرة بنى واجهتها من بعض القصص والرّوايات الموقعة باسمه، التي طبعتها ووزّعتها دور نشرٍ متعدّدة في وقتٍ سابق.
أمام العربة وعلى مسافة مترٍ ونصف، نثر السّالمي بعض الكراسي البلاستيكية، لاستقبال «ذوّاقي قهوته وأدبه» كما يسمّيهم، ومعظمهم من أبناء الزّمن الجميل الذين لا يملّون قراءة الأدب والاستماع للحكايات، فبشكلٍ شبه يومي يزوره عدد من كبار السن ممن جذبتهم ملابسه الأنيقة وذوقه الرّفيع في التعامل، يحتسون القهوة وينصتون باهتمام إلى فقراتٍ يختارها الكاتب الأربعيني من صفحات مؤلفاته التي ترسم في معظمها ملامح الوجع في حياة أهل غزة.
السالمي الذي تخرّج في كلية العلوم في جامعة الأزهر عام 2002، انجذب للكتابة والأعمال الأدبية منذ طفولته، ليبدأ بتسجيل إنجازاتٍ حقيقية في مجال التأليف عام 2007، عندما فازت روايته «الندبة» بجائزة القطان للروائيين الشّباب على مستوى فلسطين، ليجد نفسه بعد عقدٍ ازدحم بالإنتاج الخاص، بائع قهوة يطلب رزقه على مفترق طرق.
«بعد فوزي بالجائزة، ظننتُ أنّ كتاباتي سترى النور، كنتُ أطمح إلى أنّ تصبح معروفة على مستوى الوطن العربي، لكنّ الواقع الاقتصادي والثّقافي في قطاع غزة كان صخرة تحطّمت على قمتها كل أحلامي» يقول في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط».
السالمي أبٌ لأربع فتياتٍ لهنّ متطلباتهن الخاصة التي يصعب عليه انتظار فرصة عملٍ تناسب موهبته من أجل تحقيقها، فعلى الرغم من أنّه اشتغل بشكلٍ جزئي في عددٍ من مؤسسات المجتمع المدني كمدرب في فنون الكتابة الإبداعية، وأحياناً كمنشط اجتماعي إضافة لشغله في أوقاتٍ أخرى بمهنٍ شاقة لا علاقة لها باهتماماته كالبناء و«العِتالة»، فإنّ تلك الفرص لم تعدُ كونها فرص مؤقتة مصيرها أن تنتهي في وقتٍ ما.
يضيف السّالمي: «كان الحل الوحيد تأسيس مشروعٍ خاص، ولو بيومية لا تتعدى الثلاثة دولارات (..) على الأقل أستطيع أن أعود إلى بيتي بكيس خبز يسد رمق عائلتي»، مبيّناً أنّه شعر في بداية الأمر بحرجٍ شديد، فالناس الذين اعتادوا على رؤيته في الاحتفالات الرّسمية والنّدوات الأدبية يخطب بهم، اختلف عليهم الحال كثيراً وصارت نظرات الاندهاش تلاحقه كأنّها تسأل: «ما الذي دفع كاتبا معروفا لمثل هذا العمل؟».
نجح الروائي الذي يحمل عضوية اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين منذ عام 2007، مع مرور الوقت، بتجاوز مرحلة الخجل، وأضحى يحدّث الناس عن قصته والأسباب التي دفعته لهذا الأمر، فوجد قبولاً منهم وتضامناً مع حالته، بل إنّ بعضهم يفضل قضاء وقت فراغه بجانبه يستمع إلى حديثه المليء بالشّغف.
السالمي يبدو كل يومٍ فخوراً بأعماله الأدبية أكثر من اليوم الذي سبقه، لا سيّما حين يحدث «الكييفة» من أصحاب عربة القهوة عن أبطالها الخياليين وكيف ابتكر أحداثها خلال مراحل الكتابة ثم ربطها بالواقع وبنى بين سطورها الحكمة.
لدى السّالمي الكثير من الرّوايات غير «الندبة» لاقت رواجاً واسعاً بين قراء غزة، على رأسها: «حين اختفى وجه هند» و«هذا الرصاص أحبه» التي فازت بجائزة محلية عام 2011، و«سر الرائحة»، و«الظل يرقص معي»، و«الماسة»، و«قلب طابو»، و«الأستاذ الذي خلع بنطاله»، و«الحافلة رقم 6»، و«الجنة الثانية»، وغيرها الكثير من المسرحيات التي عُرِضت في مناسباتٍ مختلفة».
ويعلّق السّالمي بالقول: «حاولت في كلّ تلك الأعمال أن أظلّ قريباً من غزة وحصارها وأحداث العدوان الإسرائيلي المتكرّر الذي عشته فيها»، موضحاً أنّ عمله في بيع القهوة هو انعكاسٌ للحالة الأدبية المهترئة التي يحيط الضعف بكل جوانبها في القطاع.
ويكمل بابتسامة رضا: «العمل على عربة القهوة لا يضرّ نفسي بالقدر الذي يعطيها إصراراً على الحياة والحلم بواقع أفضل».
التجربة الجديدة التي عاشها الرّوائي السّالمي قد لا تكون الأولى في الواقع الغزّي، حيث أضحت موهبة الكتابة هامشاً يعاني كلّ ما يمتلكها من ظروف الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ نحو 12 سنة، وقلة الإمكانات والدّعم. ويختم كلامه بالتنبيه إلى أنّه يستعدّ لتوقيع روايته الجديدة في الأيام المقبلة التي تحمل اسم «المسيحي الأخير»، على عربة بيع القهوة في وسط الشّارع.