مئات التلاميذ ضحايا موظفين فاسدين ومدارس «وهمية»

مديرة إحدى المدارس حاولت إحراق نفسها خلال الاحتجاجات أمام وزارة التربية

تلاميذ حرموا من الامتحانات الرسمية أمام وزارة التربية أمس (تصوير: ريشار سمور)
تلاميذ حرموا من الامتحانات الرسمية أمام وزارة التربية أمس (تصوير: ريشار سمور)
TT

مئات التلاميذ ضحايا موظفين فاسدين ومدارس «وهمية»

تلاميذ حرموا من الامتحانات الرسمية أمام وزارة التربية أمس (تصوير: ريشار سمور)
تلاميذ حرموا من الامتحانات الرسمية أمام وزارة التربية أمس (تصوير: ريشار سمور)

انشغلت الأوساط الرسمية والشعبية في اليومين الماضيين بقضية حرمان مئات التلاميذ من التقدم إلى الامتحانات الرسمية بعد تخلّف مدارسهم عن تقديم طلبات الترشيح إلى وزارة التربية خلال المهلة القانونية نظراً لعدم امتلاكها رخصاً قانونية. ولم تنفع الضغوط التي مورست، سواء الاحتجاجية للطلاب وأهاليهم في الشوارع، أو تلك السياسية، بدفع وزير التربية أكرم شهيب لمنح موافقات وطلبات استثنائية، كما كان يحصل في السنوات الماضية، وإن كان قد وُجِد حلّ سيتيح لهؤلاء الطلاب التقدم للامتحانات إنما خلال الدورة الثانية التي يشارك عادة فيها الطلاب الراسبون في الدورة الأولى.
وتأتي قضية «المدارس الوهمية» لتضاف إلى مجموعة فضائح هزّت في السنوات الماضية القطاع التعليمي في لبنان، إذ خرجت إلى العلن قبل فترة قضية «شهادات مزورة» تمنحها بعض الجامعات الخاصة التي وصفت وقتها أيضاً بـ«الجامعات الدكاكين».
ويبدو شهيب حاسماً في معالجة القضية المستجَدَّة، إذ أعلن تحويل ملفات المدارس التي لا تملك رخصاً قانونية إلى القضاء، موضحاً أنه ليس لدى هذه المدارس أصلا «(داتا) في الوزارة» وهي لم تستجب لدعوات المعنيين لتأمين الأوراق والرخص اللازمة، ما أدى إلى توجيه إنذارات لها لم تَحُل دون استمرار تلكُّئِها.
وكانت الاحتجاجات الطلابية انطلقت، مساء أول من أمس (الثلاثاء)، أمام وزارة التربية، أي قبل ساعات من موعد امتحانات الشهادة المتوسطة، واستكملت، يوم أمس، عبر تجمع الطلاب الذين لم يحصلوا على بطاقات ترشحهم أمام وزارة التربية في محلة «اليونيسكو» في بيروت. وشارك الطلاب في وقفتهم الاحتجاجية أهاليهم ومديرة مدرسة الاتحاد التربوي حنان كرباج التي قالت «الوكالة الوطنية للإعلام» إنها حاولت إحراق نفسها أمام الوزارة، بعد رفض إعطاء طلابها بطاقات لإجراء امتحاناتهم. وسكبت كرباج كمية من الوقود على ثيابها ووجهها محاولة إشعال النيران بجسدها، إلا أن الأهالي والتلاميذ المعتصمين سارعوا إلى منعها قبل نقلها إلى المستشفى لإصابتها بحروق بسيطة في وجهها.
وأوضحت ناشطة مواكبة لحراك التلاميذ وأهاليهم ومديري المدارس التي وُصِفت بـ«الوهمية» أن ما حصل هو أن «بعض المدارس لم تتمّ أوراقها القانونية، وبالتالي من الإجحاف وصفها بـ(الوهمية)، وقد أوضح الوزير للقيمين عليها خطأهم، فتراجعوا بعدما وعدهم في حال تأمين الأوراق اللازمة بالسماح لطلابهم بالمشاركة في الامتحانات خلال الدورة الثانية».
وأضافت الناشطة التي رفضت ذكر اسمها لـ«الشرق الأوسط»: «بالمقابل، كانت هناك 4 مدارس تتمتع بالصفة القانونية، وقد تسببت أخطاء من قبل موظفين بالوزارة في منع تلاميذها من المشاركة في الامتحانات، وقد تم استيعاب هذه الأخطاء على أن يشارك هؤلاء الطلاب أيضاً في الدورة الثانية».
واعتبر وزير التربية السابق حسن منيمنة أن ما يحصل في هذا الملف تتحمَّل مسؤوليته كل الأطراف المعنية سواء الوزارة أو «المدارس الوهمية» أو الأهالي، لافتاً إلى أن في الوزارة جهاز تفتيش للتدقيق بأوضاع المدارس الخاصة، من واجبه التدقيق بوضعها، ويقوم بزيارات دورية لها، وبالتالي يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، باعتبار أن ما حصل يدل على «خلل» في هذا الفريق. وقال منيمنة لـ«الشرق الأوسط»: «كان يُفترض أن يتم إقفال المدارس التي لم تتعاطَ مع الإنذارات التي وجّهتها إليها الوزارة لتحسين وضعها، كما كان على الأهالي قبل تسجيل أبنائهم في مدارس وضعها مدعاة للالتباس، أن يتحققوا ما إذا كان وضعها القانوني سليماً، وهذه للأسف عادة مفقودة لدى كثير من اللبنانيين».
وكانت أكثر من مدرسة خاصة عمدت لاحتجاز بطاقات عدد من الطلاب الذين لم يسدِّد أهلهم أقساطهم كاملة، ما دفع الوزير شهيب لاتخاذ قرار يسمح للتلاميذ المعنيين بالتوجه إلى الوزارة للاستحصال على بطاقات بديلة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.