فرح القاسمي تعبر الحدود غير المرئية في التصوير

المصورة الإماراتية عاشقة الألوان الزاهية

فرح القاسمي في الاستديو الخاص بها في نيويورك (نيويورك تايمز)
فرح القاسمي في الاستديو الخاص بها في نيويورك (نيويورك تايمز)
TT

فرح القاسمي تعبر الحدود غير المرئية في التصوير

فرح القاسمي في الاستديو الخاص بها في نيويورك (نيويورك تايمز)
فرح القاسمي في الاستديو الخاص بها في نيويورك (نيويورك تايمز)

كان الحضور غائبين إلى حد كبير في أحدث أعمال المصورة فرح القاسمي، أو جرت دعوتهم بصورة مقتضبة للغاية. بيد أن المشاهد الداخلية –التي صُورت بالكامل في دولة الإمارات، مسقط رأس فرح القاسمي– كانت مليئة بالألوان الزاهية والأناقة الراقية.
في صورة «ما بعد الغداء» لعام 2018، حيث الأريكة الوردية المخملية، والوسائد والستائر ذات الألوان المطابقة، تحتل معظم الصورة؛ وبالنظر عن قرب، ترى هناك زوجاً من الجوارب المزخرفة في إحدى الزوايا، وهي تنتمي لشخص غير مرئي يستلقي على جزء من الأريكة. وهناك يد شخص آخر مع زجاجة للمياه تخرج من وراء الستائر.
وفي صورة «طيور الباستيل المصبوغة» لعام 2019، تظهر ثلاثة طيور صغيرة باللون الأصفر، والسماوي، والوردي على أرضية حجرية منقوشة. وفي صورة «زهرة الطماطم 1» لعام 2018، هناك ثمرة طماطم حمراء زاهية اللون مصورة على شكل زهرة تستقر على خلفية من نفس ظلال الصورة تقريباً؛ وكانت فرح القاسمي قد نفّذت العمل اليدوي بنفسها، بعد طلب شراء سكينة للتقشير كلفتها 5 دولارات على موقع «أمازون»، وعلّمت نفسها بنفسها أسلوب التقشير الفني عبر فيديوهات «يوتيوب».
تعد هذه الصور من بين الصور العشر الغامضة والمثيرة للعاطفة بشكل واضح التي التقطتها فرح القاسمي والتي عُرضت في معرض «آرت بازل» خلال الأسبوع الجاري، في كشك بمعرض «ثيرد لاين»، وهي صالة فنية في أبوظبي.
وتحظى فرح القاسمي باهتمام كبير، وهي تبلغ من العمر 28 عاماً، وتعيش الآن في مدينة نيويورك، وتدرس في جامعة ييل، لنيل درجتي البكالوريوس والماجستير. وهناك عرض لأعمالها في مركز «ليست فيجوال آرتس» الملحق بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج في الفترة بين 30 يوليو (تموز) إلى 20 أكتوبر (تشرين الأول).
وقالت هنرييت هولديتش، أمينة ومديرة المعارض الفنية في مركز «ليست فيجوال آرتس»، والتي علمت أول الأمر بأعمال الفنانة فرح القاسمي عبر الإنترنت: «إنها في طريقها للصعود من دون شك».
وأضافت هولديتش تقول: «لقد كنت مفتونة للغاية بلغتها المرئية الواضحة. إن صورها فخمة ومترفة للغاية، مثل الأعمال التحريرية تقريباً، ولكنك تدرك بعد وهلة أنها أكثر تعقيداً مما تظن. وهناك طبقات من التمويه والتخفي في أعمالها».
ومن الناحية الشخصية، فإن فرح القاسمي ليست غامضة على الإطلاق ولكنها تختار كلماتها بعناية فائقة تماماً كما تفعل في صورها. وهي تسكن في شقة صغيرة في ويليامزبيرغ بحي بروكلين، حيث تقدم شاي الزنجبيل اللذيذ للزائرين، وتقدم في الوقت نفسه تقييما مدروساً لموضوعاتها الفنية.
تقول القاسمي: «أفكر دائماً في كيفية تصوير ما لا يسهل تصويره. أو كيف أتحدث عن بعض أكثر الجوانب تعقيداً في أي مكان من دون الاستعانة باللغة اللفظية»، وتضيف أن موضوعات أعمالها لا تتعلق بالعالم العربي فحسب، ولكن بدول الخليج العربي على وجه التحديد.
وقالت إن اهتماماتها تنصبّ في المعتاد على العادات والأعراف الاجتماعية كما يمكن رؤيتها من خلال الأشياء، والإحساس الإنساني بالحدود غير المرئية. وكانت الشخصيات التي ظهرت في صورة «ما بعد الغداء» هم أصدقاءها المقربين.
وكان الفيديو الذي مدته 40 دقيقة وتمت إذاعته في معرض «آرت بازل»، بعنوان «أم النار» لعام 2019 عبارة عن كوميديا سوداء مرعبة من بطولة شبح، كما تقول فرح القاسمي، وكان يبدو كبرنامج من برامج تلفزيون الواقع. وكان العنوان الرئيسي يتناول روح الأساطير الإماراتية، ويسرد التغيرات التي شهدتها في الإمارات منذ تأسيسها في عام 1971.
وتظهر مكانة المرأة في مسقط رأسها، والأدوار والجندرية بصفة عامة، في أعمالها بكثرة، وربما بصورة غير مباشرة في أغلب الأحيان. وفي صورة من عام 2016 بعنوان «تحية الأنوف»، يظهر فيها رجلان من العرب يتبادلان التحية بالأسلوب المحلي التقليدي، ولكن تمكن ملاحظة شيء ما في المشهد ينمّ عن الدفء والألفة والصداقة.
ورداً على سؤال إذا كان من الصعب أن تكون امرأة في العالم العربي، رفضت فرح القاسمي ما يفترضه السؤال، وقالت: «من الصعب أن تكوني امرأة في أي مكان في العالم».
واستطردت متابعة القول: «أعتقد أن أهم ما يميز الإمارات هو القدر الكبير من الحرية النسبية الذي تحظى به المرأة هناك. ولكن هناك أعراف أخرى غير معلن عنها أو حدود اجتماعية صارمة تجعل الأمور عسيرة بعض الشيء. أنا مهتمة بما تُعنى به هذه الحدود غير المرئية في المجتمع وكيف يتم النظر إليها واعتبارها».
تعبّر فرح القاسمي عن عشقها الواضح والعميق للألوان الزاهية، وتقول عن مدينة أبوظبي حيث نشأت: «إنها عالم مفعم بالألوان».
وفي سنوات الدراسة بجامعة ييل، اكتشفت فرح القاسمي المجال الذي سوف تتبناه فيما بعد بشكل كامل. وقالت عن مشاريعها المبكرة: «لقد التقطت الكثير من الصور البيضاء والسوداء الغاضبة للغاية. ولم أشعر بأهمية ما أفعل حتى شرعت في التقاط الصور الملونة. ثم عشقت الميزة التحويلية للصور الملونة من وقتها».
استغرقت فرح القاسمي 3 سنوات قبل العودة من أجل الحصول على درجة الماجستير. وعملت في وقت من الأوقات كمسؤولة في جامعة نيويورك فرع أبوظبي. وسرعان ما انتقلت إلى التدريس، والذي لا تزال تعمل به حتى الآن في كلية رود آيلاند للتصميم وفي جامعة نيويورك.
وظهرت فرح القاسمي مع هيلينا آنراذر، تاجرة العاديات من نيويورك، ولكنها أوضحت أنها تود الاحتفاظ بعلاقتها مع صالة «ثيرد لاين» في أبوظبي.
وتقول: «من المهم أن أعرض صوري في الإمارات نظراً لأن الأعمال تدور حول الإمارات بصورة أساسية. ويعمل الأمر بشكل صحيح إن كان يسهل الوصول إليه ومتاحاً للجمهور المحلي».
وعلى الرغم من مقدرة الفنانة على وضع الإطار الفكري الذكي حول أعمالها، فإن بعضها يظهر بارزاً من منطلق أكثر شخصية عن سواه.
وتقول: «كانت جدتي من النساء اللاتي كن يصنعن البطانيات بأيديهن»، وأضافت أن تركيزها الراهن عن المساحات الداخلية في صورها يبدو أنه وسيلة لإلقاء الضوء على شيء غالباً ما يُنظر إليه على أنه حرفة يدوية، أو هواية، أو ربما منحه قدره من الأهمية يضيف الكثير من الإعجاب على أعمالها.
- خدمة «نيويورك تايمز»



التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
TT

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لوكالة «ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة غامرة. وقالت عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، البروفيسورة كاثرين هيمانز، لـ«بي بي سي»: «أحبُّ المجرّة البراقة والمتألِّقة بأضواء عيد الميلاد، كأنّ هذه ما كان عليه الكون وهو يبلغ من العمر 600 مليون عام فقط». تُظهر الصورة 10 كرات من النجوم بألوان مختلفة، تبدو مثل زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون. وهذه المرّة الأولى التي شاهد فيها العلماء كتلاً من النجوم تتجمَّع لتُشكل مجرّة مثل «درب التبانة»، فأطلقوا على المجرّة البعيدة اسم «اليراعة المتألّقة»، لتشابُهها أيضاً مع سرب من اليراعات متعدِّد اللون.

من مداره في الفضاء، من دون عوائق من الغلاف الجوّي للأرض، أظهر لنا أقوى تلسكوب على الإطلاق، مزيداً من المجرّات الأبعد، وبالتالي الأقدم؛ لكنها ليست مثل مجرّتنا في المراحل المُبكرة من التشكيل. ووفق الدكتورة لاميا ماولا، من كلية «ويليسلي» في ماساتشوستس، المُشاركة في قيادة البحث، فإنّ «البيانات الخاصة بما حدث في هذه المرحلة من الكون ضئيلة جداً». وأضافت: «هنا نُشاهد مجرّة وهي تتشكَّل حجراً بحجر. فالمجرّات التي نراها عادة حولنا تشكَّلت بالفعل، لذا فإنها المرّة الأولى التي نشهد فيها هذه العملية».

ووصفت البروفيسورة هيمانز، عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، والمستقلّة عن فريق البحث، الاكتشاف بأنه «رائع، ومهمّ علمياً وبالغ الاحتفاء»؛ وقالت: «مدهش أن يبني البشر منظاراً يتيح التطلُّع إلى الماضي البعيد جداً، فنرى هذه المراحل الوليدة جداً من المجرّة بطريقة احتفالية جميلة كهذه».

لغز الكون وعجائبه (ناسا)

وتختلف ألوان العناقيد النجمية باختلاف مراحل تكوينها، وفقاً للدكتورة ماولا: «إنها جميلة لأنّ الحياة الباكرة للمجرّة نشطة جداً. نجوم جديدة تولد، ونجوم ضخمة تموت، وكثير من الغاز والغبار حولها، وكثير من النيتروجين والأكسجين... بسبب الحالة التي هي فيها، تتراءى هذه الألوان الجميلة». عندما صادفت ماولا المجرّة، لم ترَ قط كتلاً من النجوم بمثل هذه الألوان الزاهية والمتنوّعة. قادها ذلك للاعتقاد بأنّ ثمة شيئاً مختلفاً حول هذا النظام، لذا تحقّقت من مدى بُعد ذلك. لدهشتها تبيَّن أنه يبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية.

النور الآتي من «اليراعة المتألّقة» استغرق أكثر من 13 مليار سنة ليصل إلينا. صغير جداً وبعيد جداً، حدَّ أنه لم يكن بإمكان تلسكوب «جيمس ويب» رؤيته، لولا حظوظ المصادفة الكونية. وكان هناك تجمّع من المجرّات بين «اليراعة المتألّقة» وتلسكوب «جيمس ويب»، شوَّهت الزمكان لتمدُّد الضوء من المجرّة البعيدة، وتعمل بفعالية مثل عدسة مكبرة عملاقة.

يٌسمّي علماء الفلك هذه العملية «عدسة الجاذبية»، التي، في هذه الحالة، مكَّنت الباحث المُشارك الدكتور كارثيك أيير من جامعة «كولومبيا» في نيويورك، وأعضاء آخرين من الفريق، من أن يروا للمرّة الأولى، تفاصيل مذهلة لكيفية تكوُّن المجرّات الأولى مثل مجرتنا «درب التبانة». وقال: «إنها تأخذ الضوء الآتي من اليراعة وتثنيه وتضخّمه حتى نتمكن من رؤيته بتفاصيل رائعة».