تركيا تجد صعوبة في لعب دور علني بالتحالف الدولي ضد «داعش»

أنقرة وضعت قوائم بـ 6 آلاف شخص لمنعهم من دخول أراضيها خوفا من انضمامهم للمتشددين

رئيس الوزراء التركي الجديد أحمد داود أوغلو بعد منح البرلمان برنامج حكومته الثقة أمس (أ.ب)
رئيس الوزراء التركي الجديد أحمد داود أوغلو بعد منح البرلمان برنامج حكومته الثقة أمس (أ.ب)
TT

تركيا تجد صعوبة في لعب دور علني بالتحالف الدولي ضد «داعش»

رئيس الوزراء التركي الجديد أحمد داود أوغلو بعد منح البرلمان برنامج حكومته الثقة أمس (أ.ب)
رئيس الوزراء التركي الجديد أحمد داود أوغلو بعد منح البرلمان برنامج حكومته الثقة أمس (أ.ب)

قد تجد تركيا صعوبة في أن تلعب دورا علنيا في الائتلاف الذي تشكله الولايات المتحدة لضرب أهداف لتنظيم داعش في العراق وربما سوريا، خوفا من أن ينتقم التنظيم المتشدد من عشرات الأتراك الذين يحتجزهم رهائن.
وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه يأمل أن يضع استراتيجية إقليمية للتصدي لتنظيم داعش الذي استولى على مناطق واسعة من العراق وسوريا، لكن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين توقعوا أن تنأى تركيا بنفسها عن لعب دور علني كبير، وفقا لـ«رويترز».
وتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، هي البلد المسلم الوحيد في ائتلاف أساسي أعلنت الولايات المتحدة عنه أول من أمس الجمعة خلال قمة للحلف في نيوبورت بويلز. ويضم الائتلاف عشر دول التزمت بمحاربة مقاتلي «داعش» في العراق.
ولم يتضح إلى أي مدى قد يستهدف الائتلاف تنظيم داعش في سوريا، حيث يتمتع المتشددون بملاذ آمن. وعلاقات تركيا بدول سبع مجاورة لها حساسة، وأحيانا ما تعاني هذه الدول من اضطرابات. ويحتجز تنظيم داعش نحو 46 مواطنا تركيا، بينهم دبلوماسيون خطفوا من القنصلية التركية في الموصل عندما اجتاح التنظيم المدينة، وهي ثاني كبرى مدن العراق، في يونيو (حزيران) الماضي.
وتقديرا للمأزق الذي تجد تركيا نفسها فيه، تهدف واشنطن إلى حمل أنقرة على التركيز على وقف تدفق المتشددين الأجانب، وبينهم كثيرون من الولايات المتحدة وغرب أوروبا يعبرون أراضيها للانضمام للقتال في سوريا. وقال مسؤول أميركي، طلب عدم نشر اسمه «الكل يدرك أن الأتراك لهم وضع خاص»، في إشارة إلى سلامة الرهائن الأتراك وعدم رغبة دولة في مهاجمة دولة مجاورة خشية حدوث رد فعل انتقامي. وتابع «تركيا ستكون جزءا من الائتلاف، لكن ما الذي يعنيه ذلك؟.. لن يتطلب الكثير».
وذكر مسؤول ثان أن واشنطن ستطلب من أنقرة أن تبذل جهدا أكبر لمنع المقاتلين الأجانب من دخول سوريا، وهي رسالة وجهها أوباما بشكل دبلوماسي الجمعة، وسيكررها وزير الدفاع تشاك هيغل خلال زيارة لتركيا هذا الأسبوع. وعندما اجتمع بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قال أوباما للصحافيين «أريد أن أعبر عن تقديري للتعاون بين القوات المسلحة وأجهزة المخابرات الأميركية والتركية في التعامل مع قضية المقاتلين الأجانب، وهي قضية لا تزال تحتاج لجهد أكبر».
وسعت تركيا لفترة طويلة لدفع الولايات المتحدة كي تتحرك بشكل أكبر لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام والتي أودت بحياة نحو 200 ألف شخص. وقال مسؤولون أتراك إن تركيا وضعت قائمة تضم أسماء ستة آلاف شخص ممنوعين من دخول أراضيها للاشتباه في أنهم يسعون للانضمام للمتشددين في سوريا، بحسب معلومات من وكالات مخابرات أجنبية.
وقال المسؤول الأميركي الثاني إن «ملف المقاتلين الأجانب معروف جيدا. إنها مشكلة، وهي حتما تسهم في تقدمهم في سوريا والعراق.. هذا حتما أمر نتطلع لتركيا كي تساعدنا فيه».
ودفع التقدم الخاطف لتنظيم داعش في العراق أوباما لاستئناف الغارات الجوية في العراق خلال شهر أغسطس (آب) الماضي للمرة الأولى منذ انسحاب القوات الأميركية في 2011. وحتى يوم الخميس كانت الولايات المتحدة قد نفذت 127 ضربة جوية. وزادت التوقعات بأن أوباما قد يستهدف «داعش» في سوريا. وبالإضافة لإيفاد هيجل لتركيا سيتوجه وزير الخارجية جون كيري للشرق الأوسط الأسبوع المقبل لحشد شركاء للائتلاف. وتسلط معضلة تركيا الضوء على طبيعة التحديات التي يواجهها كيري في تشكيل ائتلاف فعال من الدول التي لها مصالح والتزامات مختلفة في المنطقة. وفي مؤشر على مدى حساسية المسألة في تركيا، شدد مسؤولون أتراك، في أحاديث خاصة، على أن أيا من الطائرات الأميركية التي تنفذ غارات في العراق لم تأت من قاعدة انجرليك الجوية في جنوب تركيا.
وقال هنري باركي، وهو أستاذ بجامعة ليهاي وعضو سابق في إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأميركية «لن يسمحوا باستخدام انجرليك لتنفيذ ضربات جوية». وأضاف، في إشارة إلى مقطع الفيديو الذي نشر يوم 19 أغسطس وأظهر مقاتلا ملثما وهو يذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي «إعدام فولي لم يكن رسالة لنا فحسب، بل أيضا للأتراك». ونشر التنظيم مقطع فيديو آخر يوم الثلاثاء يظهر إعدام صحافي أميركي ثان هو ستيفن سوتلوف.
ورغم تشديد تركيا على احترام التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي الذي انضمت إليه في 1952، فقد عبر مسؤولون أتراك عن عدم استعدادهم للمخاطرة بحياة رهائنهم. وقال مسؤول تركي طلب عدم نشر اسمه «تركيا عضو بحلف الأطلسي. نشترك في المبادئ والقيم نفسها مع الغرب، لكن لدينا 46 رهينة». وقال دبلوماسي غربي في أنقرة «إنهم عاجزون. لا يستطيعون - وهذا أمر مفهوم حقيقة - أن ينضموا بحماس للتحرك العسكري. أنا واثق أنهم يبدون تأييدهم في الأحاديث الخاصة لكنهم لا يشعرون أن بإمكانهم إبداء هذا على الملأ».
وقال محللون في الولايات المتحدة بينهم اللفتنانت جنرال المتقاعد ديفيد بارنو، وهو قائد أميركي كبير سابق في أفغانستان، إن تركيا ستقدم المساعدة من وراء الكواليس بالسماح لدبابات وطائرات استطلاع وطائرات من دون طيار بالعمل من أراضيها. وقال بارنو الذي يعمل الآن في مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن إن الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أنهم قد يكونون على استعداد لاستخدام هذه القواعد لأنشطة غير قتالية.. وليس الطائرات التي تحمل قنابل.
لكن استهداف التنظيم في سوريا يتطلب إقناع دول مثل تركيا والسعودية والأردن وغيرها بأن الولايات المتحدة باقية لبعض الوقت رغم إحجام أوباما عن التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط. وقال فريد هوف، وهو خبير سابق بالشؤون السورية في وزارة الخارجية الأميركية «أي شخص يفكر جديا في الانضمام للائتلاف ويتخذ القرار في نهاية المطاف ينبغي أن يقنعه رئيس الولايات المتحدة بأن بلاده ستكون موجودة لفترة زمنية ولن تتخلى عنه».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»