فصائل إدلب تضم خليطاً من «المعتدلين» والإسلاميين والمتشددين

هجوم قوات النظام السوري وروسيا وحّد بينها

مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)
مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)
TT

فصائل إدلب تضم خليطاً من «المعتدلين» والإسلاميين والمتشددين

مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)
مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)

في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، شن النظام السوري في سوريا بدعم من روسيا، ما جرى تصميمه بادئ الأمر على أنه «هجوم محدود» في شمال غربي سوريا. وتمثل الهدف من وراء الهجوم، الذي جرى الاتفاق حوله خلال اجتماع عقد في آستانة في فبراير (شباط) 2019، في مهاجمة جماعات معارضة وأخرى جهادية على كثير من الجبهات الاستراتيجية الحساسة، من أجل تعزيز ما أطلق عليها «المنطقة منزوعة السلاح»، أي ذلك الحزام من الأراضي الذي أقر في منتصف سبتمبر (أيلول) 2018 والذي يحيط بـ«منطقة خفض تصعيد» أكبر أنشئت منتصف عام 2017.
في الأساس؛ كان الهدف من المنطقة منزوعة السلاح أن تكون خالية من أي تنظيمات إرهابية وجميع الأسلحة الثقيلة، ومع هذا ظلت عناصر من كلا الأمرين داخل المنطقة. الأسوأ من ذلك أنه كان من المفترض أن تشهد منطقتا «خفض التصعيد» و«نزع السلاح» توقفاً شبه كامل لأعمال العنف، فيما عدا جهود مكافحة الإرهاب التي يجري اتخاذها دفاعاً عن النفس ضد جماعات مصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة. لكن هذا الوقف لإطلاق النار تعرض للتجاهل منذ اليوم الأول من جانب نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، مع إقدامهم على أعمال قصف دون تمييز أسقطت أعداداً لا تحصى من المدنيين على نحو شبه يومي.
وجراء غياب أي نظام مراقبة أو آليات فرض مستقلة، أصبح في حكم المؤكد أن منطقتي «خفض التصعيد» و«نزع السلاح» ستفشلان حتى قبل أن تنطلقا. في الواقع، كانت منطقة خفض التصعيد التي أقيمت شمال غربي سوريا منتصف عام 2017، واحدة من أربع موزعة عبر أرجاء البلاد؛ وتقع المناطق الثلاث الأخرى في الغوطة الشرقية لدمشق، وجنوب غربي سوريا، وجيب من الأراضي يحيط بمدينتي تلبيسة والرستن في حمص.
كانت روسيا هي التي اقترحت فكرة إقرار مناطق خفض تصعيد في سوريا، واليوم أصبح الهدف من وراء ذلك واضحاً؛ التعامل مع أزمة نقص القوة البشرية التي تعوق تحركات نظام الأسد، والتي تركته عاجزاً عن القتال بفاعلية على أكثر من جبهة في وقت واحد. ومثلما كشفت الأحداث منذ ذلك الحين، فإن النظام بعد ذلك، بدعم روسي قوي، حاصر وقصف وغزا منطقة واحدة في المرة الواحدة؛ بدءاً بالغوطة الشرقية بين فبراير وأبريل 2018، ثم حمص بين أبريل ومايو (أيار)، وأخيراً جنوب غربي سوريا بين يونيو (حزيران) ويوليو (تموز). فقط منطقة خفض التصعيد في شمال غربي البلاد ظلت على حالها بوصفها «مِكَبّ النفايات» الذي يضم المسلحين والجهاديين المهزومين، بجانب عشرات الآلاف من المدنيين الذين أجلوا عن ديارهم.
وبذلك، تحولت إدلب إلى بوتقة تنصهر بداخلها عناصر متباينة. وفي الوقت الذي يحتفظ فيه كثير من المناطق بمجتمع مدني مزدهر ومعتدل؛ يقوده إصرار على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، فإنه واجه معارضة قوية وعدائية من جانب جماعات جهادية على صلة بتنظيم «القاعدة». في السنوات الأولى، وبسبب إلحاحية المعارك، دخلت هذه الجماعات الجهادية في علاقات تعاونية مع التيار الرئيسي من المعارضة المسلحة في سوريا، لكن منذ عام 2016، ومع مرور الصراع ذاته بفترات مدّ وجزر في خضم تدخلات دولية ومبادرات دبلوماسية، بدأ الجهاديون في الانقلاب على حلفائهم العسكريين، وسعوا نحو فرض إرادتهم على أرض الواقع من خلال التهديد والقوة الوحشية. إلا إنه نتيجة التصعيد الأخير في العنف داخل إدلب وتهديد القوة الكاسحة من جانب النظام السوري وروسيا، عاد كثير من هذه الجماعات إلى تحالفاتها الهشّة السابقة.
اليوم، تواجه مجموعة مختلفة من العناصر المسلحة هجوماً يشنه الأسد في شمال غربي سوريا، ويمكن تقسيمها إلى 5 مظلات أساسية:
«جبهة التحرير الوطني»؛ والعناصر الرئيسية: «فيلق الشام»، و«أحرار الشام»، و«حركة نور الدين الزنكي»، و«صقور الشام»، و«جيش الأحرار»، و«جيش إدلب الحر»، و«الفرقة الساحلية الأولى»، و«الجيش الثاني»، و«الفرقة الساحلية الثانية»، و«جيش النخبة»، و«فرقة المشاة الأولى»، و«جيش النصر»، و«الفرقة 23»، و«لواء شهداء الإسلام»، و«تجمع دمشق».
وتعد «جبهة التحرير الوطني» تحالفاً واسعاً من جماعات المعارضة المنتمية للتيار الرئيسي التي تشكلت أواخر مايو 2018 وتوسعت في أغسطس (آب) 2018. وتربط «جبهة التحرير الوطني» نفسها بـ«جيش سوريا الحرة»، وتعد قريبة للغاية من الحكومة التركية. وكانت أغلبية العناصر أعضاء «جبهة التحرير الوطني» سبق أن تلقوا مساعدات عسكرية من «غرفة تنسيق العمليات العسكرية» التي تتولى وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) الإشراف عليها، وتلقت الغرفة دعماً من حلفاء أوروبيين وشرق أوسطيين بين عامي 2013 و2017.
وتشكل «جبهة التحرير الوطني» مجموعة واسعة النطاق من خلفيات آيديولوجية، في ظل وجود عناصر معتدلة مثل «جيش إدلب الحر» و«جيش النصر» الذين يربطون أنفسهم بعناصر على صلة بـ«جماعة الإخوان المسلمين»، مثل «فيلق الشام»، وعناصر سلفية محافظة و«جيش الأحرار» و«أحرار الشام».
وقد انحسر نطاق نفوذ وقوة «جبهة التحرير الوطني» منذ تشكيلها، الأمر الذي يعود لأسباب؛ على رأسها الهجمات التي شنتها «هيئة تحرير الشام» (التي عرفت سابقاً باسم «جبهة النصرة»). سياسياً، تعارض «جبهة التحرير الوطني» بشدة الأجندة الآيديولوجية والاستراتيجية لـ«هيئة تحرير الشام» والموالين لـ«القاعدة»، حسبما أظهرت جميع العناصر المكونة لها في السنوات الأخيرة. ورغم أنه يصعب تقدير أعداد أفرادها، فإنه من المحتمل أن يكون تحت قيادة الجبهة نحو 30 ألف مقاتل يعملون بقدرة كاملة.

«جيش العزة»
فصيل معارض يعمل بصورة أساسية شمال حماة، وكان من قبل عضواً لفترة طويلة في غرفة العمليات التي تديرها وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه». ورغم أنه لا يزال يرفع علم «الجيش السوري الحر»، فإنه يصر في الفترة الأخيرة على البقاء مستقلاً خارج مظلة «جيش التحرير الوطني».
ويبقي «جيش العزة» على اتصالات وثيقة مع الحكومة التركية، لكنه في الأشهر الأخيرة أظهر قدراً أقل من الالتزام بالتوجيهات التركية؛ كان أبرزها إلغاؤه موافقته على اتفاق منطقة نزع السلاح، بالمخالفة لأوامر أنقرة. في الوقت ذاته، أبدى «جيش العزة» معظم الوقت استعداده للبقاء منفتحاً تجاه فكرة بناء علاقات حيادية وإيجابية في معظمها مع «هيئة تحرير الشام»، مقارنة بالعناصر المقاتلة في «جبهة التحرير الوطني». ورغم صعوبة تقدير أعداد مقاتليه، فإن الاحتمال الأكبر أن «جيش العزة» يضم ما بين ألفين و3 آلاف مقاتل.

«الجيش الوطني السوري»
تتمثل العناصر الرئيسية النشطة في إدلب وشمال حماة في: «لواء شهداء بدر»، و«الجبهة الشامية»، و«أحرار الشرقية»، و«أحرار الشمال (فيلق الشام)».
يشكل «الجيش الوطني السوري» هيكلاً عسكرياً ضخماً أسسته القوات التركية أواخر عام 2017 كي توحد تحت قيادته كثيراً من فصائل المعارضة المسلحة التي أسهمت في التدخلات التركية من خلال عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» في شمال حلب بين عامي 2016 و2018. ويتسم بهوية واضحة تعكس صورة «الجيش السوري الحر»، ويتألف من أكثر من 30 مجموعة ـ ربما تمثل في مجملها ما بين 20 ألفاً و25 ألف مقاتل على الأقل ـ من أبناء خلفيات عربية وتركمانية. على الورق، يبقى «الجيش الوطني السوري» على ولائه للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، وإن كان يبدو أشد ولاءً للحكومة التركية.
واجه بعض أعضاء «الجيش الوطني السوري» اتهامات بالتورط في جرائم، وتشوهت صورة الكيان بتورط عناصره في التدخلات التي قادتها تركيا والتي جرى النظر إليها باعتبارها تتحرك بدوافع مناهضة للأكراد. كما عانى «الجيش الوطني السوري» من موجات تناحر داخلي متكررة.
ونشر «الجيش الوطني السوري» مئات المقاتلين، بجانب أسلحة ثقيلة ومركبات مدرعة مدعومة من تركيا إلى شمال حماة في الفترة ما بين منتصف ونهاية مايو، وذلك لتعزيز المواقف الدفاعية لـ«جبهة التحرير الوطني» وتمكين قدرات الجبهة الهجومية. ويبدو أن انضمامهم إلى ميدان القتال ترك تأثيراً ملموساً ويبدو دورهم بمثابة إشارة واضحة على تصعيد تركي مضاد في مواجهة هجمات سورية وروسية.

«هيئة تحرير الشام»
تشكل «هيئة تحرير الشام» الصورة الثالثة لجماعة كانت تعرف في الأصل باسم «جبهة النصرة». وتأسست «هيئة تحرير الشام» في يناير (كانون الثاني) 2017، بعد 6 أشهر من إعادة تسمية «جبهة النصرة» باسم «فتح الشام»، وتعرضها لتنديدات شديدة من جانب الموالين لـ«القاعدة» داخل سوريا ودولياً باعتبار أنها انشقت عن التنظيم. ورغم مرور «هيئة تحرير الشام» من قبل عبر فترات عداء مع «القاعدة» والموالين لها داخل سوريا، فإنها عملت في الفترة الأخيرة في ظل تفاهم جرى التفاوض حوله حصلت بمقتضاه على سلطة فوق مستودعات أسلحة «القاعدة» وأصبح بإمكانها الدخول إلى خطوطها الأمامية.
وعلى ما يبدو، يقود الزعيم الشاب لـ«هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، حركة سلفية جهادية يبدو أنها تشكل النسخة السورية من «طالبان»، ذلك أنها تتبع آيديولوجية متطرفة بوضوح، لكنها تحصر تركيزها على الوجود داخل حدود دولة قومية: سوريا.
اليوم، لا تزال «هيئة تحرير الشام» تعمل على نحو يتعارض تماماً مع التوجيهات المباشرة الصادرة عن «القاعدة»، خصوصاً من خلال إصرارها على حكم مناطق واقتحام العمل السياسي والتعاون مع حكومتين على الأقل بالمنطقة ومحاولة التواصل سراً مع عدد أكبر من الحكومات، بينها حكومات أوروبية.
وتبقي «هيئة تحرير الشام» قنوات اتصال مع السلطات التركية فيما يخص شؤوناً عسكرية وسياسية وتجارية، لكن العلاقة بين الجانبين لا تدور في إطار الصداقة، وإنما تحكمها المصالح البرغماتية: «هيئة تحرير الشام» تسعى لتجنب تحويل تركيا إلى عدو، بينما تحتاج تركيا إلى تفادي تحول «هيئة تحرير الشام» إلى عنصر تعكير ضدها في شمال غربي سوريا على نحو يهدد مصالحها.
وتشير الاحتمالات إلى أن «هيئة تحرير الشام» يعمل تحت قيادتها نحو 15 ألف مقاتل بصورة كاملة، بجانب آلاف عدة من الموظفين المدنيين. وتبقي الجماعة على نفوذ مهيمن لها بمختلف أرجاء شمال غربي سوريا، لكنها تفتقر إلى الشعبية بشدة في أوساط سكان المنطقة البالغ عددهم 3 ملايين نسمة. وتمثل «هيئة تحرير الشام» العنصر العسكري الأقوى، ويبدو أنها على امتداد 18 شهراً حرصت على تعزيز مستوى تدريب مقاتليها وتسليحهم بأسلحة ومعدات أحدث، منها خوذات وسترات مضادة للرصاص.

الموالون لـ«القاعدة»
الفصائل الأساسية: تنظيم «حراس الدين»، و«حزب تركستان الإسلامي»، و«أجناد قوقاز»، و«كتائب الفاتح»، و«جبهة أنصار الدين»، و«جماعة أنصار الدين»، و«كتائب الإمام البخاري».
منذ انشقاق «جبهة النصرة» عن «القاعدة» وتشكيلها «هيئة تحرير الشام»، انشق عنها كثير من الموالين لـ«القاعدة» في شمال غربي سوريا وشكلوا فرقاً جديدة؛ كان أبرزها تنظيم «حراس الدين» الذي قاده كثير من أعضاء «القاعدة»، منهم اثنان من أعضاء مجلس الشورى العالمي التابع للتنظيم. وتبعاً للتعليمات الصادرة عن زعيم «القاعدة»، أيمن الظواهري، حرص تنظيم «حراس الدين» والموالون له بدرجة كبيرة على عدم السعي نحو السيطرة على أرض ما أو حكم مجموعة من السكان، وركزوا بدلاً من ذلك على العمل العسكري باعتباره الهوية المميزة لهم والغرض الأساسي الذي يسعون خلفه.
نظرياً؛ فإن جميع هذه المجموعات التي ربما يبلغ قوامها مقاتليها 4 آلاف، يعارضون كل ما يخص «جبهة التحرير الوطني» و«الجيش الوطني السوري»، ويوجهون انتقادات شديدة إلى «هيئة تحرير الشام»، لكنهم تجنبوا التورط في تشاحنات وتقاتل بين الفرق. كما أن هذه المجموعة لا تزال متميزة على صعيد العمليات عن التشكيلات الأخرى سالفة الذكر، وعادة ما تعمل على خطوط أمامية خاصة بها، بدلاً من التعاون مع جماعات أخرى.
من ناحية أخرى؛ فإن أبرز ما يميز «حزب تركستان الإسلامي» جذوره الضاربة بمنطقة سنغان الصينية (أوغور). وبمرور الوقت أصبح الحزب فاعلاً للغاية في شمال سوريا وأكثر قوة بكثير من الكيان الأصلي له في آسيا. وتتمركز منطقة عمليات الحزب في مدينتي بداما وجسر الشغور غرب إدلب، لكنه في الفترة الأخيرة أقدم على خطوة نادرة الحدوث بإرساله مقاتلين إلى شمال حماة؛ الخط الأمامي اليوم لأشرس المعارك على مستوى البلاد.
ورغم استمرار كثير من الاختلافات اليوم بين «هيئة تحرير الشام» و«جبهة التحرير الوطني» و«الجيش السوري الوطني»، وبين «هيئة تحرير الشام» و«القاعدة»، وبين الموالين لـ«القاعدة» و«جبهة التحرير الوطني» و«الجيش الوطني السوري»، فإن إلحاحية المعارك الدائرة شمال غربي سوريا في الأشهر الأخيرة كانت لها الأولوية. الحقيقة أن كثيراً من هذه الفصائل ناقشت التعاون عسكرياً في جبهات أمامية مشتركة ضد التحالف الموالي للأسد، بل وتتعاون فيما بينها فنياً داخل غرفة عمليات واحدة؛ كان يطلق عليها في الأصل «فتح دمشق»، لكن أعيدت تسميتها في الفترة الأخيرة لتحمل أسماء عمليات محددة مخطط لها سلفاً. وفي الأسابيع الأخيرة، جرت سلسلة من الاجتماعات (استثني منها الموالون لـ«القاعدة»)، لمناقشة إمكانية الاندماج الرسمي لبعض هذه القوى، وإن كانت احتمالات حدوث ذلك تبقى ضئيلة.
وحتى الآن، يبدو أن استعداد هذه الجماعات لتنحية خلافاتها الكبيرة جانباً أثمر أداءً دفاعياً وهجومياً أقوى في مواجهة هجوم قوي من جانب سوريا وروسيا. أما مسألة استمرار هذا الصمود فتعتمد بدرجة كبيرة على تركيا ومدى استعدادها للإبقاء على دعم كبير لحلفائها، وعلى روسيا وما إذا كانت ستختار المضي في التصعيد، أم تتحرك نحو وقف التصعيد لأسباب سياسية.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.