قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

تآزُر عربي وإسلامي لأمن المنطقة

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
TT

قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)

قمم مكة المكرمة الثلاث المتمثلة في القمة الإسلامية في دورتها العادية والقمتين الطارئتين لمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، حوت في طياتها حرصاً على التآزر العربي والإسلامي من أجل تحقيق الأمن في المنطقة، والتصدي بحزم للتهديدات العدوانية والأنشطة التخريبية.
تمثَّل ذلك في التشديد على إدانة الاعتداء الإرهابي باستهداف أربع سفن تجارية بعمليات تخريبية في ميناء الفجيرة الإماراتي وتخريب ناقلات نفط في السواحل الإماراتية، بالإضافة إلى الهجوم على محطتي ضخ تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية، باستهدافه مصالح الدول وإمدادات النفط العالمية، كما تمثل في الإعراب عن التضامن مع السعودية والدعم اللامحدود للإجراءات التي تتخذها لحماية أمنها القومي.

وأفادت نتائج تحقيق أوّلي مشترك حول استهداف ناقلتي نفط نرويجية وسفينة شحن إماراتية في الخليج بأن الهجمات نُفِّذت باستخدام ألغام بحرية على درجة من التعقيد تشير إلى أن دولة تقف وراءها، وهناك ترجيح بأن إيران مسؤولة عن ذلك. كما اتهم مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، إيران بأنها مسؤولة عن الهجوم على ناقلات النفط. أما مؤتمر أعمال القمة الإسلامية فتم فيه التباحث في شؤون وتحديات الشرق الأوسط ومن ضمنها تدخلات إيران في المنطقة.

قيم الوسطية
من جهة أخرى، نجد هناك تشديداً على أهمية تأكيد قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة، بهدف التصدي لتيارات التطرف والإرهاب. وقد نصت وثيقة مكة المكرمة المنبثقة عن القمة التي انعقدت خلال الفترة من 27 إلى 29 مايو (أيار) 2019 على ذلك، سواء رفض العبارات والشعارات العنصرية أو التنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، وفي ذلك تآزر رمزي بهدف دحض التطرف في العالم الإسلامي والعربي فكرياً ودينياً وتعديل القيم والمفاهيم المغلوطة من خلال المؤسسات السياسية والدينية وسن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري، مما هو كفيل بتجفيف مسببات الصراع الديني والإثني ومكافحة التطرف والإرهاب، خصوصاً مع تصاعد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي تدل على عدم المعرفة بحقيقة الإسلام وإبداعه الحضاري وغاياته السامية. والتعرف الحقيقي على الإسلام يستدعي الرؤية الموضوعية التي تتخلص من الأفكار المسبقة. ويظهر تصاعد الخوف من الإسلام فيما حدث في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا من إطلاق النار على مصلين في مسجدين، وما ظهر من خلال البيان الذي شرح دوافع تنفيذ الهجوم بأنها محاولة لحماية العرق الأبيض، ما يشير إلى تصاعد اليمين المتطرف.
تأتي القمم الثلاث بعدة أهداف أبرزها التصدي لأذرع إيران الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط من الحوثيين و«حزب الله» وغيرهما، بالأخص في خضم التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران وموجات التصعيد من الطرفين نتيجة تقهقر الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية حيال إيران، وما جاء في أعقاب ذلك من دعم إيراني للحوثيين الذين كثفوا من هجماتهم في المنطقة في التوقيت ذاته. وقد اتفقت غالبية الدول العربية على إدانة إيران والتنديد بتهديدها المستمر للمنطقة. كما أدانوا الهجمات التي يقوم بها الحوثيون بدعم من إيران باستثناء تحفظ قطر على بياني القمتين الخليجي والعربي.

دعم الحوثيين
دعم إيران للحوثيين جاء بتزويدهم بالأسلحة والصواريخ الباليستية إضافةً إلى الدعم اللوجستي، كما تم اكتشاف عناصر من «الحرس الثوري» ممن يقومون بتدريب الحوثيين في صعدة. وانعكس ذلك على إطلاق الحوثيين ما يزيد على 225 صاروخاً باليستياً و145 طائرة مسيّرة على منشآت حكومية سعودية استهدفت عدة مدن من ضمنها الرياض ونجران والعاصمة المقدسة مكة المكرمة. وجاءت عدة حوادث للكشف عن سفن ومراكب إيرانية محمّلة بذخائر وأسلحة بهدف تسليح الحوثيين، مثل ما حدث في 23 يناير (كانون الثاني) 2013 حين تم اعتراض سفينة «جيهان 1» الإيرانية وهي محملة بأسلحة عبارة عن صواريخ من طراز «كاتيوشا» وأنظمة رادار وصواريخ مضادة للطائرات ومتفجرات وأسلحة أخرى، بهدف دعم الحوثيين بها. ويظهر التغلغل الإيراني في اليمن ودول أخرى بتصريح قائد «الحرس الثوري» الإيراني في يناير 2016 بوجود 200 ألف مقاتل مرتبطين بـ«الحرس الثوري» في خمس دول في المنطقة: اليمن وسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، إضافة إلى «حزب الله» وميليشياته الإرهابية.

تأثُّر المتطرفين
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عدة مناسبات رسمية أن بلاده عازمة على منع النظام الإيراني من حيازة أسلحة نووية ووقف تمويله للإرهاب. وقد أظهرت معلومات استخباراتية أميركية أن فرض العقوبات الأميركية على إيران لم يتسبب فحسب في تدهور الوضع الاقتصادي فيها، وإنما كذلك الجماعات المدعومة من إيران تواجه أزمة مالية نتيجة نقص تمويل إيران لها. وحسب المعلومات التي نشرتها قناة «فوكس» الإخبارية فإن إيران أخبرت عدداً من الميليشيات الشيعية المتطرفة أنها بحاجة إلى إيجاد مصادر أخرى للدخل لأنها لم تعُد في وضع يتيح لها تزويدها بالأموال.
وتزامن ذلك مع دعوات أصدرها «حزب الله» على وسائل التواصل الاجتماعي طالب فيها أنصاره بالتبرع بالأموال. كما هدد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بأن أي حرب ضد إيران ستُشعل المنطقة. وعلى الرغم من أن «حزب الله» لا يزال يُظهر مواقف قوية داعمة لإيران؛ فإن تقريراً نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية أشار إلى أن إيران لم تعد تعتبر «حزب الله» ذراعها الأهم للقيام بعملياتها والمشاركة في حروبها في المنطقة، وإنما هناك توجه إلى جعل الحوثيين الذراع الأهم، بالأخص في ظل اشتعال التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران. وأشار التقرير إلى رأي الباحث في معهد دراسات سياسة الشرق الأدنى في واشنطن مايكل نايت، أن إيران اختارت جعل التهديد عبر الحوثيين ليقع رد الفعل والهجوم داخل اليمن وليس في إيران، وليصبح الاستهداف موجهاً إلى السعودية لا إلى مصالح الولايات المتحدة بشكل مباشر لأن ذلك سيتسبب في رد فعل عنيف لا محالة.

دعم الميليشيات
يظهر تغلغل إيران ودعمها للجماعات المتطرفة في الدول التي تعاني من انعدام الاستقرار والأمن مثل دعمها للحوثيين في اليمن ولجماعات متطرفة في سوريا. لذلك ليس بمستغرب قلة عدد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها، باستثناء هجمة إرهابية في 7 يونيو (حزيران) 2017 استهدفت البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني وأسفرت عن مقتل 17 شخصاً، وتبنى تنظيم «داعش» العملية الإرهابية، وسبقها في 15 يوليو (تموز) 2010 هجومان انتحاريان على مساجد في مدينة زاهدان في محافظة سيستان بلوشستان، وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010 هجوم انتحاري في يوم عاشوراء تبنّته حركة جند البلوشية.
وتُتهم إيران بتقديمها الدعم المالي واللوجيستي وحتى إيوائها لأعضاء وقياديي تنظيمات إرهابية أبرزها «القاعدة»، وأبناء أسامة بن لادن، وأبرزهم حمزة بن لادن، وسيف العدل الذي أسهم في هجمات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، إضافة إلى سليمان أبو غيث المتحدث السابق باسم تنظيم «القاعدة». وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أخيراً عن أن إيران تواصل تمددها في الجنوب السوري ودير الزور وأماكن أخرى في دمشق وريفها. حيث إنها تقوم بالاستقطاب والتجنيد من خلال شبكة العرّابين والوكلاء بهدف ترسيخ وجودها هناك. وفي أعقاب التوتر الأميركي الإيراني حثّ قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني، قادة الميليشيات المدعومة من إيران في مناطق الشرق الأوسط على التحضير للحرب بالوكالة. ومن بينها «لواء الفاطميون» الذي يتكون مقاتلوه من الهزارة الأفغان من الأقلية الشيعية، وقد لوحظ مغادرتهم من سوريا لانتقال قتالهم إلى منطقة أخرى. ويعد «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» الإيراني والمسؤول عن تصدير الثورة الإيرانية، وقد وُضع قائده قاسم سليماني في فترة سابقة على قائمة الإرهابيين. ولـ«فيلق القدس» ميزانية سرية، ويظهر تورطه في كلٍّ من العراق وسوريا، وحسب وثيقة سنة 1998 لاتحاد العلماء الأميركيين فإن التركيز الأساسي لـ«فيلق القدس» هو على «تدريب الجماعات الإرهابية الأصولية الإسلامية».
الموقف الإيراني حيال منطقة الشرق الأوسط وإذكائه للاضطراب السياسي ليس بأمر سرّي، فإيران تقسّم العالم ما بين ثورة إسلامية وحدها هي الصائبة والتي ينبغي للعالم أجمع أن يتبعها، وبين بقية العالم ممن يمثلون التطرف والشر وهم كل من يقف ضد الجمهورية الإيرانية. ما يدل على ذلك هو استنكار الرئيس الإيراني حسن روحاني، تصنيف الولايات المتحدة لأول مرة «الحرس الثوري» على أنه تنظيم إرهابي، والرد الغرائبي الذي وصف فيه روحاني ذكر الولايات المتحدة بأنها «زعيمة الإرهاب العالمي». فيما يتلخص الطموح الإيراني إلى تغلغل الثورة الخمينية في منطقة الشرق الأوسط فيما ذكره النائب البرلماني الإيراني علي رضا زاكاني في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 من أن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران وتابعة للثورة الإسلامية»، وأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة بعد كل من بغداد وبيروت ودمشق.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.