عزيز ضياء... أسرة إعلامية

عزيز ضياء... أسرة إعلامية
TT

عزيز ضياء... أسرة إعلامية

عزيز ضياء... أسرة إعلامية

من يريد أن ينتقي سيرة ذاتية لا تنقصها الشفافية والأسلوب، فعليه باقتناء روايته «حياتي مع الجوع والحب والحرب» ذات الأجزاء الثلاثة، التي صدرها بالمثل الفرنسي «الحياة كالبصلة، يقشرها المرء وهو يبكي»، وإن كان البعض قد أخذ على مؤلفها، وهو الأديب الناقد العملاق، أنه استخدم في كتابتها لهجته المحلية، في حين رأى البعض ألا عيب في ذلك، مستشهدين بما كتبه أدباء كبار مرموقون، كنجيب محفوظ (الأديب النوبلي) ويحيى حقي والطيب صالح.
ووصْفُه هنا بالأديب العملاق لا يقتصر على كونه روائياً مجيداً، فهو يستحق اللقب مُضاعفاً بوصفه صحافياً بارعاً، وفناناً مبدعاً، وإذاعياً محترفاً، تمتد ذائقته الإذاعية من الإلقاء إلى الإخراج، وانتقاء الموسيقى العالمية وصرفها كما تصرف السبائك الثمينة، فضلاً عن كتابة البرامج المنوعة والتعليقات السياسية باسمه الصريح أو المستعار.
وعندما حظيت الإذاعة السعودية بجدة في نهاية الأربعينات بانتمائه إليها، بعد عودته من الهند، كان بالنسبة لمنسوبيها مدرسة من نسيج وحده، فاجتمع هناك عرابون ثلاثة يتسيدون المشهد الإذاعي، يُطلق على كل واحد منهم لقب «بابا»، ليس لارتباط بعضهم بتقديم برامج الأطفال فحسب، ولكن لأنهم كانوا بمثابة آباء للجيل الذي جايلهم، وهم: بابا عزيز ضياء، وبابا طاهر زمخشري، وبابا عباس غزاوي، يضاف إليهم بكل جدارة ماما أسماء زعزوع، زوجة عزيز ضياء الإذاعية الرائدة، وكانوا وأقرانهم من الأدباء البارزين في مجتمع الحجاز آنذاك قُبيل منتصف الستينات مقصد الناشئين من أمثالي، يتحلقون حول هؤلاء الأساتذة، ويتعلمون منهم، ويأنسون بتوجيهاتهم، وكان ممن بقي من زملاء المهنة عبد الله راجح ود. محمد صبيحي ومحمد مشيخ وعبد الكريم الخطيب، فكانت الإذاعة ثم التلفزيون حينها بيوتاً حقيقية للإعلاميين والمثقفين والمبدعين، يُمضون في أروقتها أكثر مما يقضون من الوقت مع أسرهم، وذلك قبل أن تُبتلى مبانيهما بإجراءات أمنية معقدة. هذه الأسرة الضيائية الإعلامية بأفرادها، الأب والأم والبنت دلال والابن ضياء الفنان التشكيلي رسام بوابة مكة المكرمة، كانت ظاهرة، مجموعة من المواهب، ينجلي عنها الاستغراب إذا ما عُرف أن البداية كانت في الأربعينات، عندما افتتحت إذاعة عموم الهند، والتحق بها الزوجان لتقديم برامجها الموجهة إلى مستمعيها الناطقين باللغة العربية.
عبد العزيز ضياء الدين زاهد مراد اسماً، أو عزيز ضياء لقباً، المولود في المدينة المنورة، 22 يناير (كانون الثاني) 1914، مُدركاً العهود الثلاثة (العثمانية والهاشمية والسعودية) في الحجاز، والمتوفى في جدة عام 1997، عاش في مقتبل حياته عيشة بائسة، إذ تركه والده في طفولته، وسافر إلى موسكو في بداية الحرب العالمية الأولى، بحثاً عن تمويل المسلمين الأثرياء لمشروع جامعة إسلامية في المدينة المنورة، فلم يعُد الأب، وربما يكون قد قُتل هناك.
مرّ في مقتبل حياته بمدرسة صحية، ومارس أعمالاً أمنية وتجارية بسيطة، ودرس في القاهرة وبيروت، ثم هاجر إلى الهند، وعاد لوظيفة حكومية، ثم صار مديراً لمطابع مؤسسة الصحافة والطباعة والنشر بجدة، ورأس تحرير صحيفتي «عكاظ» و«المدينة»، وبرز كاتباً وناقداً وشاعراً وصحافياً ومعلقاً سياسياً أيام التراشق الإعلامي مع مصر في أعقاب مشكلة اليمن 1963.
واتسم فكره وثقافته الرفيعة بجرأة تجاوزت قيود ثقافة المجتمع، ذلك أنه إبان توليه رئاسة تحرير صحيفة «المدينة»، في عهد وزير الإعلام المستنير جميل الحجيلان، سلك في تحريرها منحى بالغ المرونة، متخطياً القيود التي تحظر نشر صور نساء متبرجات، فانتهز فرصة عيد تتويج ملكة بريطانيا، لينشر لها صورة باذخة بكامل زينتها، مما أوجب لوم الوزير له على تصرفه، لكن القشة التي أدت إلى إعفائه جاءت في مناسبة أخرى، نشرت الصحيفة فيها صورة جاكلين كينيدي بالمايوه مع زوجها، وهو ما اعترف به في مقال نشره بعد سنوات، بعنوان «جاكلين نحتني عن جريدة (المدينة)»، في 13 يونيو (حزيران) عام 1994. وربّما كانت جرأة شخصيّته هي التي صدت عنه تبوأ مناصب إعلامية أو سياسية جديرة به، وهو جدير بها.
وبتمكنه من إجادة الإنجليزية والفرنسية والتركية والأوردية، اطلع على ذخائر الأدب العالمي، ونشر ترجمات لمقتطفات منها في الصحافة، كما ترجم مجموعة ما يزال بعضها مخطوطاً من القصص القصيرة للروائي الإنجليزي سوموست موم، ولشاعر الهند طاغور، والمسرحي الآيرلندي أوسكار وايلد، وألف في أدب الاعتراف لأعلام الفكر والفن، كأندريه جيد وجان جاك روسو، وله مؤلف في السير والتراجم، في شكل مقالات عن أعلام الفكر في الشرق والغرب.
وبلغ عزيز ضياء من تنوع الثقافة وعالميتها منزلة ربما جاراه فيها في حينه الأديب السعودي عابد خازندار، وحقق في المكانة الأدبية والعبقرية الذهنية مستوى أقرانه النوابغ حمزة شحاتة ومحمد حسن عواد ومحمد حسن فقي، ونشر إنتاجه الفكري في الصحف المبكرة، كـ«صوت الحجاز» و«المنهل»، وفي دوريّات عدة، وأصدر كتاباً بعنوان «هذا أنا»، أوجز فيه قصة حياته التي قضاها «بصلة كان يقشرها بعيون تدمع».
وأصدرت مكتبة الملك فهد الوطنية عام 2005 رصداً ببليوغرافياً (في 200 صفحة) عن حياته، وما كتب عنه، وعن آثاره التي ربت على 25 كتاباً.
- باحث إعلامي سعودي



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».