مياه البحر الأحمر العميقة تتجدد أسرع بكثير مما كان يعتقد

حطيط وفريق عمله خلال تحليلهم للمعلومات عن البحر الأحمر في مختبر «كاوست» للتصوير العلمي
حطيط وفريق عمله خلال تحليلهم للمعلومات عن البحر الأحمر في مختبر «كاوست» للتصوير العلمي
TT

مياه البحر الأحمر العميقة تتجدد أسرع بكثير مما كان يعتقد

حطيط وفريق عمله خلال تحليلهم للمعلومات عن البحر الأحمر في مختبر «كاوست» للتصوير العلمي
حطيط وفريق عمله خلال تحليلهم للمعلومات عن البحر الأحمر في مختبر «كاوست» للتصوير العلمي

اكتشف علماء الأرض والمحيطات في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أن المياه العميقة في البحر الأحمر تتجدد أسرع بكثير مما كان يعتقد سابقاً، وأن دورتها تتأثر مباشرة بالأحداث المناخية الكبيرة، ومنها الاندفاعات البركانية. كما كشفت دراسة أخرى عن أن درجات حرارة السطح في البحر الأحمر، لا ترتفع.
وأوضح البروفسور إبراهيم حطيط، الأستاذ المساعد في هندسة وعلوم الأرض، أن الباحثين استطاعوا استخلاص المزيد من الأفكار المهمّة عن دوران المياه العميقة في البحر الأحمر باستخدام نظام محاكاة لدوران المحيط وبيانات درجة الحرارة والملوحة، التي جُمعت خلال ست رحلات بحرية على طول المحور المركزي للبحر الأحمر. ووجد الفريق البحثي أن أعماق البحر الأحمر تعرضت لعمليات تجديد سريعة للمياه، وهو ما يتعارض مع الاعتقاد السائد بأنها راكدة إلى حد كبير.
مياه متجددة
تعدّ المياه الموجودة على أعماق تتراوح بين 300 إلى 2000 متر في البحر الأحمر من أدفأ وأملح بيئات المياه العميقة في العالم. وأشارت الأبحاث، التي أجريت حتى الآن، إلى أن المياه العميقة في البحر الأحمر راكدة نسبياً، ويستغرق تجديدها ما يتراوح بين 36 و90 عاماً، وأن المصدر الرئيسي للتجديد هي المياه المتدفقة من خليجي السويس والعقبة في الشمال إلى الحوض الرئيسي للبحر.
في «كاوست» عمل العلماء على ربط عمليات تجديد المياه العميقة هذه بتقلبات المناخ العالمي المترافقة مع اندفاعات بركانية بعيدة والتقلبات في شمال الأطلسي، وهو تقلب جوي متأصل يؤثر بصورة رئيسية على أوروبا. والاندفاعات البركانية تسخن عادة الغلاف الجوي المتوسط للمدارين بإطلاق كميات كبيرة من هباء (المواد المتطايرة) الكبريتات الجوي، التي تمتص أشعة الشمس لمدة تصل حتى عامين. ويصبح النفث المتجه غرباً عبر المحيط الأطلسي أقوى مع تكيف دوران الغلاف الجوي مع هذا التسخين. ويزيد هذا بدوره من الرياح الجافة الباردة الشمالية الغربية فوق البحر الأحمر: تنتقل الحرارة من مياه البحر إلى الهواء، وتنخفض درجة حرارة السطح بما يكفي لإطلاق عملية صعود المياه الدافئة ونزول المياه الأبرد. ويعرف هذا بانتقال الحرارة العميق بالحمل في المحيط المفتوح. وخلافاً للدراسات السابقة، توصل علماء «كاوست» إلى أن انتقال الحرارة هذا ناجم عن اندفاعات بركانية تشكل المصدر الأولي لتجديد مياه البحر الأحمر العميقة، في حين أن تدفقات المياه الآتية من خليجي السويس والعقبة ليست سوى مصادر ثانوية.
جدير بالذكر أن فهم تيارات المحيط العميقة في البحر الأحمر يتيح لباحثي الجامعة قياس مدى التأثير البيئي بصورة أفضل، إذ أن المادة العضوية في المياه السطحية تسقط إلى الأعماق وتتحلل إلى مكوناتها المعدنية الأساسية. وتحمل حركات هذه المياه الغنية بالمعادن مغذيات مهمّة تدعم الأنظمة البيئية والحياة البحرية.
درجة حرارة سطح البحر
من جانب آخر، كشفت دراسة أخرى أجراها علماء الأرض والمحيطات في «كاوست» عن أن درجات حرارة السطح في البحر الأحمر، لا ترتفع.
وأوضح تحليل مجموعات بيانات طويلة الأجل أن معدلات الاحترار المرتفعة حالياً للبحر الأحمر ناجمة على ما يبدو عن أثر مشترك للاحترار العالمي وتغييرات طبيعية طويلة الأجل في درجات حرارة سطح البحر.
ويشير البروفسور إبراهيم حطيط إلى أن الدراسة كشفت عن تناوب سلسلة من الاتجاهات الموجبة والسالبة في درجات حرارة سطح البحر الأحمر. وتشير الاتجاهات إلى طور تبريد قد يعاكس آثار الاحترار العالمي على مدى العقود المقبلة.
وحلل حطيط وزملاؤه في مجموعة نمذجة وتنبؤات البحر الأحمر بيانات 100 عام من الأقمار الصناعية التي تظهر أن التقلب المستمر في المحيط الأطلسي على مدى عقود متعددة يؤثر بشدة على درجات حرارة سطح البحر الأحمر. وخلافاً للاتجاهات العالمية على صعيد تغير المناخ، يشير البحث إلى طور تبريد على مدى العقود القليلة المقبلة.
اعتمد الفريق البحثي على بيانات الأقمار الصناعية وبيانات تاريخية من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي والإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) في الولايات المتحدة الأميركية ومكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة. وتشمل المؤسسات المتعاونة المعنية بالبحث، الذي نشرته مجلة خطابات البحوث الجيوفيزيائية - Geophysical Research Letters العلميّة المحكّمة، زملاء من جامعة أثينا والمركز اليوناني للأبحاث البحرية. وتصف الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة الأميركية التقلب المستمر في المحيط الأطلسي على مدى عقود متعددة بأنه «سلسلة متواصلة من تغيرات طويلة الأجل في درجة حرارة سطح محيط شمال الأطلسي». وهذه التغييرات، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، «طبيعية، وكانت تحدث خلال الألف عام الماضية على الأقل».
ويبيّن عمل فريق «كاوست» أن التقلب طويل الأجل في المحيط الأطلسي على مدى عقود متعددة قد عدّل احترار البحر الأحمر على مدى العقود الثلاثة الماضية. ويتوقع أن يدخل طوراً سالباً في الأعوام المقبلة بعد أن بلغ ذروته خلال العقد الماضي. وأوضح حطيط أن التقلب المستمر في المحيط الأطلسي على مدى عقود متعددة سمة دائمة للنظام المناخي للأرض، ويقترن في المقام الأول بتقلبات تحدث في الحزام الناقل في المحيط الأطلسي. وكان هذا التقلب مرتبطاً أيضاً بآثار مهمّة لتغير المناخ، ومنها التقلب المستمر على مدى عقود متعددة لدرجات الحرارة الوسطية في نصف الكرة الشمالي.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً