«جبهة الحدائق» في صنعاء... نهب لأموال الملاك وتنغيص عيد اليمنيين

الميليشيات الحوثية تعبث بمقدرات 35 متنزهاً كانت ملاذاً ومتنفساً للسكان

أطفال يلعبون بألعاب ميكانيكية مجانية بإحدى حدائق صنعاء (الشرق الأوسط)
أطفال يلعبون بألعاب ميكانيكية مجانية بإحدى حدائق صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

«جبهة الحدائق» في صنعاء... نهب لأموال الملاك وتنغيص عيد اليمنيين

أطفال يلعبون بألعاب ميكانيكية مجانية بإحدى حدائق صنعاء (الشرق الأوسط)
أطفال يلعبون بألعاب ميكانيكية مجانية بإحدى حدائق صنعاء (الشرق الأوسط)

للسنة الرابعة على التوالي يعود عيد الفطر هذه المرة وما زال الانقلاب الحوثي وميليشياته ينخرون في جسد اليمنيين، ويسلبون الفرحة والسعادة من قلوب السكان بهذه المناسبة الدينية التي لطالما اعتادوا على الاحتفال بها طيلة المراحل الماضية.
وسعى الانقلاب الحوثي على مدى 4 أعوام إلى تضييق الخناق على السكان المحليين في صنعاء ومناطق سيطرتها، والوقوف حجر عثرة أمام كل ما يسعدهم وأسرهم وينسيهم همومهم والتزاماتهم المعيشية الصعبة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير في نسب وأعداد مرتادي الحدائق والمتنزهات إلى أدنى مستوياته، إذ تحولت الحدائق إلى جبهة تنهب فيها الميليشيات أموال الملاك وتنغّص حياة السكان.
وشكا مواطنون في صنعاء من الوضع البائس الذي يعيشونه، وتعانيه أيضاً معظم الحدائق والمتنزهات في صنعاء. وقال المواطنون إن حدائق ومتنفسات صنعاء لم تعد هذا العيد، بسبب ما خلَّفه الانقلاب من تدمير ممنهج فيها، قادرةً على رسم بسمة غائبة حتى على الأطفال. وأشاروا إلى أن مثل هذه الأماكن كانت بالسابق متنفسا لهم ولعوائلهم، وأفادوا بأنها «لم تعد اليوم قادرة على التخفيف ولو قليلاً من معاناتهم، جراء الأوضاع المعيشية الصعبة».
وبدلاً من أن تتحول الحدائق والمتنزهات التي شُيدت في عدد من مديريات أمانة العاصمة على مدى فترات ماضية سبقت الانقلاب، إلى متنفسات للترويح عن النفس وتغيير الجو والهروب من الالتزامات والضغوط المعيشية القاسية التي خلفها الانقلاب، تحولت اليوم إلى تعكير صفو اليمنيين، حسب ما أفاد به سكان من صنعاء، وأضافوا: «الأوضاع التي آلت إليه اليوم مثل هذه الأماكن لا تسرّ أحداً، بل وتبعث على الأسى والحزن العميق... معظم حدائق ومتنفسات العاصمة المحتلة باتت اليوم مرتعاً ومأوى للمجانين وكثير من الحيوانات الضالة... مات في غضون السنوات الثلاث الماضية 6 مرضى نفسيين داخل ساحات حديقة حكومية واحدة فقط»، ويقول أحد سكان صنعاء: «لقد اتخذوا ساحاتها سكناً ومأوى مناسباً لهم بعيداً عن دور الرعاية».
جدير بالذكر أن «الشرق الأوسط» تحتفظ بأسماء المتحدثين وقايةً لهم من بطش الميليشيات التي تستهدف أي شخص يدلي بآراء مناهضة للجماعة الحوثية في وسائل الإعلام.
وعلى مدى 4 أعوام من الانقلاب تعرض مستثمرون بالمجال الترفيهي ومُلّاك حدائق بصنعاء لحملات اعتداءات وابتزازات واسعة من قبل الجماعة الحوثية تحت مبررات وأسباب عدة، على رأسها عدم إيفائهم بدفع إتاوات وجبايات للميليشيات تحت مسمى «مجهود حربي لدعم الجبهات».
وتوقع مصدر في الإدارة العامة للحدائق والمتنزهات (الخاضعة حالياً لسيطرة الانقلابيين) تراجع الزوار للحدائق والمتنزهات العامة بأمانة العاصمة هذا العام إلى 70 في المائة عن الأعوام التي سبقت اقتحام الجماعة لصنعاء ومدن يمنية أخرى. واعتبر أن التراجع متواصل منذ 4 سنوات من الانقلاب الحوثي على السلطة.
وقال المصدر، الذي فضَّل عدم الكشف عن هويته، لـ«الشرق الأوسط»، إن أكثر من 55 حديقة مفتوحة وعامة في العاصمة صنعاء كانت، قبل الانقلاب، تفتح أبوابها في مثل هذا اليوم لاستقبال ما يزيد على مليونين ونصف المليون زائر من أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء ومدن أخرى محاذية للعاصمة. وكشف عن تراجع عدد الحدائق والمتنزهات منذ 4 أعوام من 55 إلى 20 حديقة عامة ومفتوحة.
وأوضح أن «الحدائق الحالية لا ترقى لمستوى الحدائق والمتنزهات الموجودة في الدول العربية وبقية حدائق العالم. وأرجع السبب إلى تكرار عمليات الاستهدافات والنهب والسلب التي نفذتها وتنفذها الميليشيات بحق مالكي الحدائق والمستثمرين».
وقال إن إجمالي عدد العاملين بجميع حدائق ومتنزهات العاصمة صنعاء وصل في عام 2013 (قبل اجتياح الميليشيات لصنعاء) إلى أكثر من 3 آلاف موظف، ما بين مشرف ومهندس وفني وعامل وحارس وبستاني.
وكشف لـ«الشرق الأوسط» عن تراجع أعدادهم اليوم إلى قرابة 830 موظف، نتيجة الأوضاع المأساوية التي شهدتها البلاد جراء الحرب والانقلاب.
وتطرق المسؤول إلى أن كبرى حدائق أمانة العاصمة الحكومية لم تعد اليوم كما كانت عليه في السابق، أي قبل الانقلاب. وقال إن خدماتها المقدمة للزوار تأثرت وبشكل كبير، خصوصاً فيما يتعلق بـ«الإنارة والنظافة والصيانة الدورية للألعاب والتشجير والمنظر الجمالي العام». وبينما اعتبر أن نهب الميليشيات لمعظم صناديق أمانة العاصمة الإيرادية، كصناديق البلديات والبيئة والنظافة والتحسين وغيرها كان سبباً رئيسياً في تدهور الحدائق والمتنزهات، خصوصاً الحكومية، تحدث أيضاً عن غياب شبه كامل هذا العيد للنظافة والشكل الجمالي في أكثر من حديقة ومتنزه حكومي بالأمانة.
وفي الوقت الذي أشار فيه المسؤول الحكومي إلى تغييب الميليشيات للوحات واللافتات التوعوية والإرشادية التعليمية والصحية المتنوعة للأطفال، التي كانت تملأ معظم ساحات الحدائق العامة. قال أيضاً إن صور صرعى الميليشيات وقياداتها وشعاراتها الطائفية هي فقط اليوم التي تعج بها معظم باحات وساحات وواجهات الحدائق والمتنزهات العامة، وعلى رأسها الحديقة التي تتوسط ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء.
من جهته، قال عامل في حديقة عامة بصنعاء، إنه وقبل الانقلاب الحوثي، كانت الحديقة التي يعمل فيها منذ 18 عاماً تستقبل أكثر من 300 ألف زائر في الثلاثة أيام الأولى من كل عيد فطر. وأكد العامل، الذي رفض الكشف عن هويته، تراجع الزوار هذا العام إلى أكثر من النصف.
وأشار في حديثه إلى أن العوامل السلبية المختلفة التي خلفتها الميليشيات منذ انقلابها، عملت على عزوف غالبية الأسر اليمنية عن الأشياء الكمالية، وتركز اهتماماتهم فقط بالأشياء الضرورية والأساسية. وأشار إلى تحول كثير من الاحتياجات التي كانت ضمن قائمة الأساسيات لدى الأسر في أول يوم عيد إلى احتياجات كمالية.
وقال: «كان يعمل في الحديقة بمثل هذا اليوم العيدي من كل عام أكثر من 300 عامل وموظف في استقبال الزوار للحديقة، لكن اليوم، وللأسف، لم يعد يعمل هنا سوى 80 عاملاً، والسبب يرجع لقلة عدد الزوار والمرتادين للحديقة».
ونتيجة لسياسات «التطفيش» المتعمدة من قبل الميليشيات في حقّ مالكي الحدائق والمتنزهات وعدم فقد دفع العشرات من الشباب والأطفال المرتادين للحدائق العامة بصنعاء حياتهم ثمناً لذلك.
وفي منتصف العام الماضي، شهدت حديقة السبعين حادثاً أليماً يُضاف إلى مآسي اليمنيين المتعاقبة نتيجة الانقلاب الحوثي، حيث لقي 3 شبان، بينهم طفل، مصرعهم جراء تعرضهم لماس كهربائي في إحدى نافورات المياه داخل الحديقة.
مستثمرون في حدائق ومتنزهات بصنعاء تحدثوا عن تعرضهم لعمليات ابتزاز ونهب واسعة من قبل مجاميع تابعة للميليشيات تجبرهم بشكل متواصل على دفع مبالغ شهرية للحوثيين. ولمرات كثيرة أطلق مستثمرون محليون بصنعاء نداءات ومناشدات لإنقاذهم وحمايتهم من جور وبطش الميليشيات التي سعت وتسعى بشكل مستمر لاستهدافهم ضمن مخططها الرامي للقضاء على ما تبقى من الاستثمارات داخل البلاد، لكن من دون جدوى.
بدوره، قال سعد (وهو اسم رمزي اختاره أحد مرتادي الحديقة)، إنه اشترط ليلة العيد على أبنائه الخمسة أن يجمعوا «عَسب العيد» أو «العوادة» (العيدية) التي سيحصلون عليها من الأقارب والأصدقاء والجيران ليتمكن من الذهاب بهم إلى الحديقة للتنزه. وأضاف: «بعد أن جمع أولادي مبلغ 15 ألف ريال ذهبت بهم في أول يوم عيد للتنزه والاستمتاع في الحديقة».
موقف محزن ومؤثر شاهده لحظة وصوله وعائلته إلى الحديقة: «رأيت طفلاً صغيراً يستجدي أحد عاملي الألعاب بالسماح له باللعب مجاناً. ألحّ في طلبه الموظف الذي كان يعرض عنه قبل أن يصرخ زاجراً إياه: (أنا مجرد عامل ولن أدعك تلعب من دون تذاكر)». يقول سعد: «تدخلتُ على الفور واشتريت له تذكرة ليلعب... كلنا مع أبنائنا معرضون لهذا النوع من المواقف».
يُشار إلى أن الميليشيات أغلقت أواخر العام الماضي أبواب مدينة ألعاب حديقة السبعين وسط صنعاء (كبرى الحدائق في العاصمة صنعاء) بعد رفض مالك الحديقة دفع نصف الإيرادات لمجهودها الحربي.
وتحدثت مصادر محلية عن تشكيل الميليشيات لجنة لاقتحام مدينة ألعاب حديقة السبعين، وخلعت أبواب الحديقة بتكسير جميع أقفالها والسيطرة عليها وطرح جميع الزائرين والعاملين في الحديقة.
وقالت المصادر إن الجماعة وجهت بعد الاقتحام بإعادة افتتاح الحديقة وتشغيلها من قبل تابعين لها، وعلى أن تذهب جميع إيرادات الحديقة لخزينة أمانة العاصمة (الخاضعة للانقلابيين)، وحرمان مالك الحديقة والعاملين فيها من إيراداتها.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

السيطرة على حريق في خط بترول شمال القاهرة

حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)
حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)
TT

السيطرة على حريق في خط بترول شمال القاهرة

حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)
حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)

سيطرت قوات الحماية المدنية المصرية على حريق في خط «ناقل لمنتجات البترول»، بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، الثلاثاء، فيما أعلنت وزارة البترول اتخاذ إجراءات احترازية، من بينها أعمال التبريد في موقع الحريق، لمنع نشوبه مرة أخرى.

وأسفر الحريق عن وفاة شخص وإصابة 8 آخرين نُقلوا إلى مستشفى «السلام» لتلقي العلاج، حسب إفادة من محافظة القليوبية.

واندلع الحريق في خط نقل «بوتاجاز» في منطقة (مسطرد - الهايكستب) بمحافظة القليوبية، فجر الثلاثاء، إثر تعرض الخط للكسر، نتيجة اصطدام من «لودر» تابع للأهالي، كان يعمل ليلاً دون تصريح مسبق، مما تسبب في اشتعال الخط، حسب إفادة لوزارة البترول المصرية.

جهود السيطرة على الحريق (محافظة القليوبية)

وأوضحت وزارة البترول المصرية أن الخط الذي تعرض للكسر والحريق، «ناقل لمُنتَج البوتاجاز وليس الغاز الطبيعي».

وأعلنت محافظة القليوبية السيطرة على حريق خط البترول، بعد جهود من قوات الحماية المدنية وخبراء شركة أنابيب البترول، وأشارت في إفادة لها، الثلاثاء، إلى أن إجراءات التعامل مع الحريق تضمنت «إغلاق المحابس العمومية لخط البترول، وتبريد المنطقة المحيطة بالحريق، بواسطة 5 سيارات إطفاء».

وحسب بيان محافظة القليوبية، أدى الحريق إلى احتراق 4 سيارات نقل ثقيل ولودرين.

وأشارت وزارة البترول في بيانها إلى «اتخاذ إجراءات الطوارئ، للتعامل مع الحريق»، والتي شملت «عزل الخط عن صمامات التغذية، مع تصفية منتج البوتاجاز من الخط الذي تعرض للكسر، بعد استقدام وسائل مخصصة لذلك متمثِّلة في سيارة النيتروجين»، إلى جانب «الدفع بفرق ومعدات إصلاح الخط مرة أخرى».

ووفَّرت وزارة البترول المصرية مصدراً بديلاً لإمدادات البوتاجاز إلى محافظة القاهرة من خلال خط «السويس - القطامية»، وأكدت «استقرار تدفق منتجات البوتاجاز إلى مناطق التوزيع والاستهلاك في القاهرة دون ورود أي شكاوى».

وتفقد وزير البترول المصري كريم بدوي، موقع حريق خط نقل «البوتاجاز»، صباح الثلاثاء، لمتابعة إجراءات الطوارئ الخاصة بـ«عزل الخط»، وأعمال الإصلاح واحتواء آثار الحريق، إلى جانب «إجراءات توفير إمدادات منتج البوتاجاز عبر خطوط الشبكة القومية»، حسب إفادة لوزارة البترول.

تأتي الحادثة بعد ساعات من إعلان وزارة الداخلية المصرية القبض على تشكيل عصابي من 4 أفراد قاموا بسرقة مواد بترولية من خطوط أنابيب البترول، بالظهير الصحراوي شرق القاهرة. وقالت في إفادة لها مساء الاثنين، إن «إجمالي المضبوطات بلغ 3 أطنان من المواد البترولية، و25 ألف لتر سولار».