لعنة «الأمن المهتز» تلاحق طرابلس مجدداً

الفقر المدقع العامل الأبرز وراء التحاق عدد كبير من شباب المدينة بالمجموعات المتطرفة

شرطيون لبنانيون في موقع الهجوم الذي تعرضت له دورية لقوى الأمن الداخلي في مدينة طرابلس يوم الإثنين الماضي (رويترز)
شرطيون لبنانيون في موقع الهجوم الذي تعرضت له دورية لقوى الأمن الداخلي في مدينة طرابلس يوم الإثنين الماضي (رويترز)
TT

لعنة «الأمن المهتز» تلاحق طرابلس مجدداً

شرطيون لبنانيون في موقع الهجوم الذي تعرضت له دورية لقوى الأمن الداخلي في مدينة طرابلس يوم الإثنين الماضي (رويترز)
شرطيون لبنانيون في موقع الهجوم الذي تعرضت له دورية لقوى الأمن الداخلي في مدينة طرابلس يوم الإثنين الماضي (رويترز)

ظنّت طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، أنها طوت في عام 2015 صفحة سوداء من تاريخها لطّختها دماء المئات من أبنائها الذين قُتِلوا سواء في الصراع المذهبي التاريخي الطويل بين أبنائها العلويين الذين يسكنون في «جبل محسن» وأبنائها السنّة الذين يتمركز قسم كبير منهم في «باب التبانة»، أو في التفجيرات الانتحارية المتلاحقة التي شهدتها. إلا أن لعنة «الأمن المهتز» عادت لتلاحقها مجدداً مع إقدام أحد العناصر اللبنانيين الذين كانوا يقاتلون في صفوف «داعش» بسوريا على استهداف آليتين للجيش وقوى الأمن الداخلي في المدينة عشية عيد الفطر، ما أدى إلى مقتل 4 عناصر أمنيين عن طريق الغدر.
وعلى الرغم من كل التطمينات التي تصدر من هنا وهناك حول كون الحادثة فردية وأن الإرهابي الذي فجّر نفسه غير مرتبط بقيادة التنظيم أو بمجموعة كبيرة، تفاقمت مخاوف الطرابلسيين من عودة المسلسل الأمني الدامي ليطرق أبوابهم بقوة بعد نحو 4 سنوات من الاستقرار الذي نعموا به كما باقي المناطق اللبنانية، وذلك منذ سير القوى السياسية بالتسوية التي أدت لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة.
وتتركز الأنظار حالياً على العناصر الذين قاتلوا إلى جانب التنظيمات المتطرفة سواء في سوريا أو العراق وعادوا في الفترة الأخيرة إلى لبنان بعد أن تشربوا «الفكر المتطرف» واكتسبوا خبرات قتالية وأخرى مرتبطة بكيفية تنفيذ أعمال إرهابية. وفيما تتكتم الأجهزة الأمنية حول العدد التقريبي لهؤلاء، تتحدث بعض المصادر عن أنه يتخطى الـ500، علماً بأن أعداداً أخرى منهم تُقدَّر بـ600 جرت محاكمتهم في فترات سابقة بعد أن تم إلقاء القبض على معظمهم عند حدود لبنان الشرقية، وهم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، في وقت لا يزال المئات من أمثالهم قيد التحقيق والمحاكمة.
وقبل نحو أسبوع، أعلنت قيادة الجيش اللبناني أن مديرية المخابرات أحالت إلى القضاء المختص، 8 عناصر ينتمون إلى خلية تابعة لتنظيم «داعش» بعد أن تم رصدهم وتوقيفهم في مناطق لبنانية مختلفة، وقد دخلوا الأراضي اللبنانية خلسة إثر تضييق الخناق عليهم في الداخل السوري وبالتحديد في منطقة الباغوز. وكانت مديرية المخابرات تسلّمت، العام الماضي، ثمانية لبنانيين، بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية كانوا يقاتلون في صفوف «داعش» في سوريا والعراق، وباشرت التحقيق معهم بإشراف القضاء العسكري. وقد أدت التحقيقات إلى توقيف عناصر تابعين للتنظيم في لبنان، كانوا ضمن خلايا نائمة.

الأولوية للعمل المخابراتي
لا تزال الأجهزة الأمنية والعسكرية تدقق في العملية الأمنية الأخيرة التي شهدتها طرابلس، وإن كانت مصادر أمنية لا تخفي أنه يتم التحقيق مع عدد من الموقوفين لتبيان ما إذا كان الإرهابي عبد الرحمن مبسوط الذي نفذ العملية قد خطط لها وحيدا أم أنه مرتبط بخلية إرهابية. وتشير مصادر عسكرية إلى أن العمل اليوم يتم على خطين أساسيين لتفادي تكرار العملية التي شهدتها طرابلس سواء في المدينة نفسها أو في مناطق لبنانية أخرى، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه، ومنذ فترة، بدأ الانكباب على محاولة ضبط الحدود رغم صعوبة الأمر لغياب العدد والعتاد اللازم لقطع الطريق على عمليات تهريب وعودة العناصر الإرهابية من سوريا إلى لبنان. وأوضحت أن الطبيعة الجغرافية لجهة تداخل الأراضي والقرى تصعّب المهمة رغم أن أبراج المراقبة التي تم إنشاؤها غطت مساحات كبيرة إضافة للدوريات التي نقوم بها والتي هي الأخرى أسهمت بضبط الوضع ولكن ليس بالمستوى المطلوب، وهو ما يجعلنا نركّز بشكل أساسي على العمل الأمني والمخابراتي الداخلي الذي يقوم على ملاحقة ومتابعة العناصر العائدين، وقد أسهم ذلك إلى حد كبير بالتضييق عليهم ما صعب مهمتهم بضرب الاستقرار الداخلي. وتشدد المصادر العسكرية على وجوب أن يترافق كل هذا العمل الأمني والمخابراتي مع العمل على محاربة الفكر التكفيري، وهذا يتطلب مجهوداً كبيراً وتضافر جهود عدة فرقاء، لافتة إلى أن تطوع عدد كبير من أبناء طرابلس في الجيش يساهم كثيرا في هذا المجال إضافة إلى الدور الذي تلعبه مديرية التعاون المدني – العسكري في الجيش، التي تنفذ الكثير من المشاريع الإنمائية والنشاطات.
وشهد لبنان ما بين عامي 2013 و2015 عدداً كبيراً من التفجيرات الإرهابية، أغلبها نفّذت بواسطة انتحاريين، دخلوا بسيارات مفخخة من سوريا إلى لبنان، والبعض الآخر عبر دراجات نارية مفخخة وأحزمة ناسفة أوقعت عشرات الضحايا، والآن يُخشى من عودة هذا الكابوس، وفق التقييم الأمني، رغم أن خطره تقلّص إلى حدّ كبير.
ولا ينفي السياسي الطرابلسي والمستشار السياسي لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الدكتور خلدون الشريف، أن العملية الإرهابية التي شهدتها طرابلس «معرضة للتكرار في المدينة كما في أي منطقة لبنانية أخرى، فالخلايا الإرهابية موجودة بكل مكان في العالم وقد ضربت في عدد كبير من الدول، وبالتالي المطلوب العمل اليوم على تعزيز الأمن الوقائي ورفع مستوى التضامن بين أهل الحكم، لأن الأمن الاجتماعي كما الأمن السياسي أساسيان لتوفير الاستقرار الأمني». ويضيف الشريف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «القوى الأمنية تقوم بدور ممتاز، لكن المطلوب تنسيق أكبر في ما بينها ومتابعة الأشخاص المشكوك بهم بشكل لا يمس الأمن العام والأمن القومي».
ويرى الشريف أنه من الطبيعي والمنطقي أن يعود العناصر الذين قاتلوا إلى جانب المجموعات المتطرفة سواء في سوريا والعراق إلى المناطق ذات الغالبية السنية؛ إن كان طرابلس أو عكار أو البقاع الغربي وغيرها من المناطق، لأن كل هؤلاء من أبناء الطائفة السنية، وبالتالي سيعودون إلى البيئة التي ينتمون إليها، مشدداً على أن ذلك لا يعني على الإطلاق أن هذه البيئة كلها متطرفة، بل على العكس تماماً، باعتبار أن عدد المتطرفين صغير جداً، وهو ما أثبتته التجربة الأخيرة حين عبّر أهالي طرابلس عن كرههم ولفظهم للعملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفتهم أصلاً. ويضيف: «لا شك أن الأمن الوقائي عنصر أساسي للتعامل مع هؤلاء العناصر مع أهمية إنشاء مراكز تأهيل للخارجين منهم من السجون لإعادة تكوين شخصيتهم».

خطر إدلب يلاحق لبنان
يعتبر العميد المتقاعد محمد رمال أن ما دفع الخلايا النائمة الإرهابية للتحرك مجدداً من بوابة طرابلس هو الجو العام في البلد وإقحام الأجهزة الأمنية مادّةً من مواد السجال السياسي، لافتا إلى أن الإرهاب لا يتوقف بتوقيف أشخاص وعناصر فالفكر يبقى موجودا، وحين يتحين أصحاب هذا الفكر الفرصة المناسبة لا يتأخرون عن تنفيذ ضرباتهم. ويوضح رمال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الخلايا النائمة تستفيد من أوضاع متشنجة سواء سياسية أو أمنية لتخرج لإعادة ممارسة نشاطها الإرهابي، أما في مرحلة الاستقرار فهي تجمد عملها لأنها تعي أن لا قدرة وجرأة لها لتخرج في أوضاع مماثلة تسهل عملية كشفها. ويضيف: «أخيرا عاد التشنج السياسي إلى البلد على خلفية ملفات عديدة، حتى إنه تناول مواضيع وقيادات أمنية، ما جعل هذه الخلايا تعتقد أن الفرصة باتت مواتية بعد نحو 3 أو 4 سنوات من الاستقرار والتنسيق الأمني الممتاز بين الأجهزة الذي منع تحركها».
ويتحدث رمال عن مصدرين أساسيين لمد الخلايا النائمة بالعناصر حالياً، أولاً: المجموعات التي يتم توقيفها فتحاكم وتنهي محكوميتها أو يتم الإفراج عنها لأسباب أو لأخرى، وثانياً، المجموعات التي تأتي من سوريا، لافتاً إلى أن «الأنظار تتجه اليوم إلى محافظة إدلب، وما إذا كانت الأمور تتجه هناك لحسم عسكري لصالح النظام السوري ما سيدفع المسلحين هناك للبحث عن منفذ وبما أن معظم الأبواب مغلقة بوجههم سواء لجهة الحدود التركية - السورية أو العراقية - السورية، فإن قسماً كبيراً منهم قد يتجه إلى لبنان باعتبار أن هناك مناطق حدودية غير ممسوكة تماماً». ويضيف: «إذا وجد هؤلاء وضعا أمنيا متوترا وبيئة مناسبة فقد يعودون لممارسة الأعمال الإرهابية. ونخشى أن يكون ما حصل في طرابلس أخيرا محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال محاولة جس النبض حول إمكانية أن يكون الشمال اللبناني مكانا مناسبا لتحرك المسلحين الذين يدخلون إلى لبنان».
وقد تحولت محافظة إدلب السورية التي تسيطر على الأجزاء الأكبر منها، «هيئة تحرير الشام»، التي تشكل «جبهة النصرة» عمودها الفقري، إلى مأوى لعشرات المطلوبين للسلطات اللبنانية الذي غادروا مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين الواقع في مدينة صيدا جنوب لبنان قبل نحو عامين. فبعد الإعلان عن وصول شادي المولوي، وهو أحد أبرز هؤلاء المطلوبين إلى الشمال السوري في عام 2017 انضم إليه هيثم الشعبي الملقب بـ«أبو مصعب»، وهو أحد أبرز مسؤولي «الشباب المسلم»، وكان يتزعم مجموعة مؤلفة من نحو 40 عنصراً في المخيم. وقد غادر «عين الحلوة» برفقة الشعبي أيضاً محمد العارف وهو أحد المنتمين إلى «جبهة النصرة»، وقاتل في صفوفها بسوريا، لينضما بذلك لآخرين سبقوهم ومنهم «أبو خطاب» الذي اتهمه الجيش اللبناني بتزعم خلية كانت تخطط لتنفيذ عمليات «إرهابية» في الداخل اللبناني.
واليوم وبعد إعادة طرح مصير إدلب على طاولة المباحثات، يتخوف المسؤولون اللبنانيون من عودة من فروا من لبنان إليه مع عشرات آخرين من العناصر المتطرفة في حال تقرر الحسم العسكري هناك. وما يفاقم المخاوف هو عدم قدرة الجيش اللبناني سواء من حيث عدد عناصره أو العتاد الذي يمتلكه من ضبط الحدود الشاسعة مع سوريا بشكل كلي، ما قد يسهل مهمة تسلل هؤلاء إلى أكثر من منطقة لبنانية خصوصاً المناطق التي قد يجدون فيها أرضية مناسبة لاستعادة نشاطهم.

الفقر والسياسة... سببا البلاء
يُعتبر الفقر المدقع العامل الأبرز الذي يؤدي لالتحاق عدد كبير من شباب المدينة بالمجموعات المتطرفة، إذ تُعد طرابلس من أفقر المدن على حوض البحر المتوسط، وهو ما جعل كثيراً من أبنائها يلتحقون بالتنظيمات الإرهابية ويشاركون بأكثر من 20 جولة قتال بين باب التبانة وجبل محسن منذ عام 2007. وبحسب الأرقام المتوافرة لدى مجموعات المجتمع المدني، فإن 57 في المائة من المقيمين في طرابلس يعيشون تحت خط الفقر والحرمان، فيما 77 في المائة من العائلات في المدينة محرومة اقتصاديا (95 في المائة في التبانة والسويقة). وتصل نسب البطالة في طرابلس إلى مستويات مرتفعة جدّاً، تصل لثلث الشباب، فيما لا يتخطى دخل نحو نصف الأسر في طرابلس 500 دولار أميركي شهرياً.
ورغم كل الوعود التي أغدقها زعماء المدينة على أهلها خلال الانتخابات النيابية الماضية، لم يلحظ هؤلاء تطبيق أي منها على أرض الواقع. وهو ما تعبّر عنه ح. ي. (40 عاماً) لافتة إلى أن المدينة لا تزال تتخبط في فقرها وعوزها، وكأنه لم يكن ينقصها إلا تحريك الوضع الأمني مجددا كي يتحول الوضع فيها إلى «كارثي» بكل ما للكلمة من معنى. وتشير ح. ي. في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أكثر من يثير السخرية هو أن «من لم يلتفت إلينا طوال العام الماضي عاد إلى المدينة في الانتخابات الفرعية الأخيرة ليردد نفس الوعود التي رددها في مايو (أيار) 2018، لكن جواب الأهالي كان حاسما هذه المرة، باعتبار أن نسبة الاقتراع لم تتجاوز الـ12.5 في المائة».
وقد تمكن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي من حصد العدد الأكبر من المقاعد النيابية في المدينة في الانتخابات العامة بحيث فاز تيار «العزم» الذي يرأسه بـ4 مقاعد مقابل 3 لـ«تيار المستقبل» الذي يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، ومقعد لفيصل كرامي.
إلا أن المعركة الانتخابية الضارية التي شهدتها طرابلس في مايو 2018 لم تتكرر أخيراً خلال الانتخابات الفرعية التي شهدتها المدينة بعد إبطال المجلس الدستوري نيابة مرشحة «المستقبل» ديما جمالي، فقد نجح الحريري في الأشهر الماضية بإصلاح علاقته بكل الزعماء والقوى الطرابلسية انطلاقاً من ميقاتي مروراً بوزير العدل السابق أشرف ريفي، وقد طوى مع الأخير ثلاث سنوات من الخلافات المستحكمة، ما مهَّد لفوز جمالي مجدداً بمقعدها النيابي.
وكان الافتراق وقع بين الحريري وريفي على أثر إعلان الأخير استقالته بشكل مفاجئ من حكومة الرئيس تمام سلام، في 21 فبراير (شباط) 2016، من دون التنسيق مع الحريري الذي سمّاه وزيراً للعدل في تلك الحكومة، ووصل الخلاف ذروته بين الرجلين، خلال الانتخابات البلدية التي خاضها ريفي في طرابلس بمواجهة تحالف الحريري ورئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، وتمكن خلالها ريفي من اكتساح المقاعد البلدية بكاملها، لكنه أخفق في تكرار هذا الانتصار في الانتخابات النيابية.

الحقبة السوداء
وعرفت طرابلس ما بين عامي 2007 و2015 «حقبة سوداء» في تاريخها، فشهدت منطقتا جبل محسن وباب التبانة أكثر من 20 جولة قتال أدت لمقتل وجرح المئات، وتأججت جولات العنف هذه بعد العام 2011 على خلفية النزاع السوري مع وقوف غالبية السنَّة في لبنان إلى جانب المعارضة السورية وتأييد العلويين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي شهر أغسطس (آب) 2013 تم تفجير مسجدي «التقوى» و«السلام» في طرابلس، ما أدى إلى سقوط 42 قتيلاً ونحو 500 جريح. واتهم القضاء اللبناني في عام 2016 ضابطين في المخابرات السورية بالوقوف وراء التفجيرين وشملت الخلية اللبنانية المنفذة 5 أشخاص من جبل محسن، بحسب القرار الاتهامي.
واستمر المسلسل الأمني في عام 2014. إذ شهدت منطقة التبانة، مواجهات بين الجيش ومجموعتي شادي المولوي وأسامة منصور المنتميين فكريّاً لـ«جبهة النصرة»، انتهت بهروبهما من المنطقة.
وفي يناير (كانون الثاني) من عام 2015، قُتِل 9 أشخاص وأصيب 37 آخرون بجروح في تفجيرين انتحاريين وقعا في منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية. إلا أن هذا المسلسل وصل إلى نهايات سعيدة مع توصل القوى السياسية المعنية إلى نوع من التسوية في العام نفسه أدَّت إلى خروج أمين عام الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد من جبل محسن إلى سوريا، علماً بأن المحكمة العسكرية الدائمة أصدرت حكماً غيابيّاً قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بحقه، وذلك لإدانته بجرم التحريض على الاقتتال بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة وتوزيع الأسلحة والحضّ على القتل، بينما صدرت مذكرة بحث وتحرٍّ في حق والده علي عيد للتحقيق معه في مسألة إخفاء أشخاص مقربين منه متهمين بالتورط في تفجيري المسجدين بطرابلس.
ولا يزال رفعت عيد في سوريا، وهو يحمّل حلفاءه في قوى «8 آذار» مسؤولية «نفيه». وقد قال في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» إن «التسويات السياسية في لبنان دائماً تحصل على دمنا، وليس الخصوم فقط من يتحملون المسؤولية، بل عتبنا أيضاً على حلفائنا بالدرجة الأولى الذين هم من طلبوا منا الخروج من طرابلس وجرت معنا اتصالات من أعلى المستويات لهذا السبب»، رافضاً تسمية هذه الجهات.



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.