الحرب على المخدرات تنتصر في السينما وتفشل على أرض الواقع

فيلم ينتقل إلى البدايات ويعود للسبعينات

لقطة من «طيور المعبر»
لقطة من «طيور المعبر»
TT

الحرب على المخدرات تنتصر في السينما وتفشل على أرض الواقع

لقطة من «طيور المعبر»
لقطة من «طيور المعبر»

في الفيلم الكولومبي الجديد «طيور المعبر» تتغير حياة واحدة من قبائل المواطنين الأصليين لكولومبيا تبعاً لاختيار أحدهم بيع المخدرات لتجار أميركيين، وذلك في مطلع سبعينات القرن الماضي. النجاح يصيبه والقبيلة التي كانت تقتات على سبل حياتها التقليدية المحدودة للعيش. وإذ يزداد الدخل تتسع المسافة بين قطبي حياة: واحد مستقر وعادي ومليء بالتقاليد والمتوارثات، وآخر ينزع صوب العنف والجريمة. في الأول لم يكن المال همّـاً؛ كون المبادئ هي التي تتحكم بالماديات. في الآخر، تتحكم الماديات بالمبادئ وتعيد صياغتها والثقافة المتوارثة التي تلحق بها.

نظرة من الداخل
«طيور المعبر» (Birds of Passage) من إخراج سيرو غويرا وكريستينا غاليغو، وفي حين تتحدث أفلام عصابات الكارتل عن حكايات تُـتلى من الجانب الأميركي وتتعامل - في الغالب - مع السعي الكبير والمجهد لقوى الأمن الأميركي في مواجهة العصابات اللاتينية العاملة في هذا الحقل، يعود الفيلم إلى النشأة الأولى سارداً حكايته (المأخوذة عن أحداث واقعة) من وجهة نظر ذلك المنشأ. الضحايا هنا ليسوا أميركيين أو رجال القانون، بل هم أبناء المزارع والقرى الكولومبية التي سقطت تحت عواقب الرغبة في الانتقال بنفسها من حياة إلى أخرى.
لا يريد المخرجان تحقيق فيلم عصابات تكر وتفر ضد بعضها بعضاً. ولا الغاية هي سرد الأحداث مع التركيز على الحركة والمطاردة والعنف. معظم المشاهد التي تنص على العنف تقع خارج الكاميرا.
تنطلق الأحداث في عام 1968 في منطقة تُكنّـى باسم القبيلة الهندية الكبيرة التي تسكنها غواييرا (في شمال كولومبيا). سكانها ما زالوا يتحدثون لغتهم بكل فخر، والفيلم قلما يخون التفاصيل التي تشكل حياتهم بما فيها استخدام لغة القبيلة الأم عوض الإسبانية. هذا يلتقي ورغبته في تحاشي تقديم فيلم للتجارة. لكن حكايته لا تقل إثارة عن أي فيلم من النطاق التقليدي ذاته. يبدأ الفيلم بالحب. فتاة اسمها زايدا ترقص بثوبها الأحمر أمام أفراد القبيلة، ويتقدم صوبها الراغب في الزواج منها في حلقة الرقص.
العلاقة الأولى تثمر عن علاقة عمل مطرد والتجارة المحدودة تبرهن على أن المال يمكن أن يؤمّن كل ما يرغبه رابايت ويزيد. هذا ما يدفعه للاستمرار وتكوين نظام عمل موسع. لكن المهم هنا ملاحظة أن هذه التجارة لا يعتبرها أبناء القبيلة من الممنوعات. السلطات تعتبرها كذلك. جمارك الحدود تواجهها. السلطات في كل مكان تحاربها. لكن القبيلة تعتبر الماريوانا من أسباب نشر السعادة.
خلال السبعينات تزداد التجارة وتتوسع ويصير على رابايت طلب معونة أحد وجهاء القبيلة الذي كان استقر بعيداً في مزرعته.
العصابتان تتحالفان: رابايت لديه قنوات التواصل، والآخر لديه العدّة اللازمة. مع ارتفاع الإيرادات يرفع الآخر، أنيبال، من حصته ويوافق رابايت وكل شيء يبدو كما لو كان على ما يرام باستثناء أن الفيلم، من منتصفه، يوعز حثيثاً بغير ذلك. وعندما يقوم قريب لرابايت باغتصاب ابنة أنيبال. لا شيء سوف يعوض الإهانة التي يشعر بها أنيبال. يرفض الصلح ويرفض الفدية، بل يرفض تنازل رابايت عن كل التجارة مع توفير عناوين كل عملائه.
هنا، وفي فصل عنوانه «حرب» تتلاحم القوّتان. كلٌ تدمر الأخرى والقتلى بالعشرات في الوقت الذي ما زال فيه رابايت للسلم.
فوق ابتعاد «طيور المعبر» عن مشاهد القتال وتحبيذه تشكيل الدراما من تفاصيل الحياة الخلفية، ومن توفير صبغة تكاد تكون أنثروبولوجية، تؤدي المرأة دوراً قوياً في الفيلم يكشف عن دورها القوي في الحياة. الزوجة التي يفوز بها رابايت لديها المكانة والرأي. أمها تقود القبيلة بأسرها من مقعدها الثاني خلف رابايت. والمشاهد التي تتحدث فيها نيابة عن القبيلة وفي مواضيع عمل عادة ما هي حكر على الرجال كثيرة.
الفيلم بدأ بالحب وخلاله لم يعد للحب مكان في أحداث تتجاوزه طمعاً في المال والسُلطة. حين يدرك رابايت، وقد بات وحيداً، ذلك يقول لأنيبال في المشهد الأخير «أنا ميت منذ حين». أنيبال يوقع هذا الإعلان برصاصة.

حرب داخل حرب
أفلام الكارتل نشطة (أقل من عمليات الكارتل بقليل) في الجانب الأميركي. الحرب على المخدرات انطلقت في السبعينات عندما تأكد للحكومة الأميركية أن لديها مشكلة مع الكمية الكبيرة من المخدرات (كوكايين وهيرويين وخلافهما) التي تغزو البلاد. البوليس الفيدرالي الأميركي حاول منذ ذلك الحين رصد السبل الكفيلة بإلحاق الهزيمة بتلك التجارة، لكن العمليات التي قامت بها، وسلطات الحدود وأجهزة الأمن الأخرى، لم تثمر إلا عن ملايين الدولارات هدرت في كل عام في السبعينات من دون أن تحقق النجاح المنشود ولا حتى بعضه.
ليس أن التجارة لم تكن موجودة من قبل، لكنها كانت محدودة في أوساط معينة تستطيع تسديد الثمن المطلوب. التجارة انتشرت منذ أواخر الستينات واتسع نطاقها بحيث لم يسلم منها أي فريق أو كيان من المجتمع الأميركي. من رجال الأعمال إلى الهيبيين ذوي الشعر المسترسل. من نجوم المجتمع (سينما، موسيقى، عرض أزياء، إلخ...) إلى مراهقي المدارس والراشدين العاديين على حد سواء.
في فيلم «أميركان مايد» (American Made) لدوغ ليمان (2017) نجد أن للسياسة نصيباً في هزيمة القوانين ورجال القانون في مواجهة شكيمة وقوة المتاجرين. ذلك الفيلم يسرد حكاية الطيار المدني باري سيل (شخصية واقعية) الذي رضي بالعمل مع «سي آي إيه» طياراً خاصاً لنقل السلاح إلى بعض القوى السياسية في أميركا الجنوبية. عندما يبدأ باري (ما أداه توم كروز) العمل في تهريب المخدرات لصالح عصابة «مديلين» تلم «سي آي إيه» بهذه الحقيقة وتتركه يعمل في التهريب. كل هذا والرئيس الراحل رونالد ريغان يخطب في الشعب الأميركي طالباً منه أن يقول: «لا» (كما كان الشعار آنذاك: Just Say No).
كان «أميركان مايد» الفيلم الوحيد حول هذه الشخصية، لكنه لم يكن الوحيد الذي سعى لاستثمار الموضوع على الشاشة. من مطلع القرن الحالي إلى اليوم لا يقل عدد الأفلام التي تعاملت وعصابات الكارتل عن 50 فيلماً، من أهمها فيلم دنيس فيلنييف «سيكاريو» (2015) الذي يتحرى الصدق عندما ينقل إلى الشاشة كيف يتجاوز رجال المؤسسات الأمنية الأميركية القانون في حربهم من دون الفوز بها. بعد ثلاث سنوات، وتبعاً لنجاح هذا الفيلم، تم تحقيق فيلم ثانٍ أقل نجاحاً على الجانبين الفني والتجاري، ولو إنه ما زال جيد التعامل مع الموضوع ذاته.
قبلهما ببضع سنوات أنجر تد ديمي فيلماً جيداً بعنوان «أنفخ» (Blow) عن شخصية واقعية أخرى بطلها جورج جونغ (قام به جوني دب) الذي عرف كيف يترك طموحاته الرياضية وينقلب مستورداً أساسياً للكوكايين من كولومبيا.
وكان المخرج ستيفن سودربيرغ ألقى نظرة ملية على عالم التجارة بالممنوعات في «ترافيك» (2000). هنا يختار المخرج حكايات عدة عمادها الأول قصة القاضي (مايكل دوغلاس) الذي اضطلع بمهمة تكوين قوّة عمل تحارب التجارة ليكتشف أن ابنته مدمنة. وبعده بسبع سنوات قام الأخوان جووَل وإيثن كووَن بتحقيق «لا بلد للعجائز» الذي يتابع الأجواء ذاتها، وإن كان يتحدث عن جرائم قتل تقع بسببها أكثر مما يتحدث عن التجارة ذاتها.
بطبيعة الحال، تم استيحاء الحرب على المخدرات، في أعمال لا فنية ولا قائمة على أحداث فعلية، بل كاستثمار مادي في موضوع يهم الباحثين عن فيلم معارك دامية.
فن دايزل لعب، سنة 2003 بطولة «رجل ممزق» (A Man Apart). داني تريّو حارب الخارجين على القانون بالفأس، من بين أسلحة أخرى، في «ماشيت» (2010) وتصدى ستيفن سيغال للعصابات في «كارتلز» (2016).
أما أرنولد شوارتزنيغر فيجد لزاماً عليه مواجهة العصابات في بلدته الحدودية مع المكسيك. والفيلم المقبل لسلفستر ستالون هو «رامبو 5» الذي ينتقل فيه من المسرح الأميركي (في «رامبو» الأول)، ثم الحرب في فيتنام «رامبو 2» إلى أفغانستان «رامبو 3»، ومنها إلى الحدود الكمبودية «رامبو 4»، إلى الشق اللاتيني من العالم ليقاتل أولئك الذين يوزعون سمومهم على الأميركيين.
المشكلة التي تتعامل معها هذه الأفلام وسواها تتوزع بين المصدر والموزع الكبير والموزع المحلي والمهرب والمستهلك. كل واحد من هذه الفئات لديه نصيب من المسؤولية التي تتعامل معها تلك الأفلام من وجهات نظر مختلفة يغلب عليها إدانة العصابات أساساً كما التشهير بفساد رجال أمن فاسدين. الضحايا قلما يتمتعون بالاهتمام كون حكاياتهم دوماً داكنة ولا تؤدي إلى تجارة سينمائية رابحة.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.