ماكرون وترمب يسعيان لترميم علاقاتهما الشخصية وتحقيق تقارب في الملفات الخلافية

الرئيس الأميركي وصف إيران بـ«مركز الإرهاب» والفرنسي دعاها لمفاوضات جديدة

ترمب وماكرون خلال احتفال إحياء ذكرى إنزال النورماندي في كولفيل سور مير أمس (أ.ف.ب)
ترمب وماكرون خلال احتفال إحياء ذكرى إنزال النورماندي في كولفيل سور مير أمس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون وترمب يسعيان لترميم علاقاتهما الشخصية وتحقيق تقارب في الملفات الخلافية

ترمب وماكرون خلال احتفال إحياء ذكرى إنزال النورماندي في كولفيل سور مير أمس (أ.ف.ب)
ترمب وماكرون خلال احتفال إحياء ذكرى إنزال النورماندي في كولفيل سور مير أمس (أ.ف.ب)

كانت الشمس على موعد صباح أمس في منطقة النورماندي بعد أيام ماطرة وعاصفة. وقد يكون للعناصر الطبيعية دور في التقريب بين رئيسين باعدت بينهما السياسة والمصالح المتناقضة. والثابت أن المناسبة، وهي الاحتفال بالذكرى الـ75 لإنزال القوات الحليفة والأميركية بشكل خاص على شواطئ منطقة النورماندي صباح السادس من يونيو (حزيران) عام 1944 كان لها دور في دفع الرئيسين إيمانويل ماكرون ودونالد ترمب إلى إظهار تقاربهما من جديد بعد أشهر من التوتر.
وقال دبلوماسي فرنسي عالي المستوى لـ«الشرق الأوسط» في معرض توصيفه للعلاقات بين البلدين إنه «إذا غابت هذه المرة تغريدات ترمب السامة التي عودنا عليها، كما بعد مجيئه إلى باريس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإننا نكون قد اجتزنا مطبات هوائية خطرة ويمكن عندها أن نقول إنها كانت ناجحة».
الدبلوماسي الفرنسي كان يشير إلى ما كتبه ترمب عقب عودته إلى الولايات المتحدة الأميركية، تعليقا على ما سمعه في خطاب الرئيس ماكرون بمناسبة احتفالات التي وضعت عام 1918 حدا للحرب العالمية الأولى، وخصوصا في تصريحات للرئيس الفرنسي ومطالبته بقيام جيش أوروبي قوي «لحماية أوروبا من الصين وروسيا وحتى من الولايات المتحدة الأميركية»، الأمر الذي اعتبره ترمب «مهينا» لبلاده.
ولم يتردد ساكن البيت الأبيض وقتها في الاستهزاء بالفرنسيين بقوله إنه من دون تدخل القوات الأميركية في الحرب العالمية الثانية لكان الفرنسيون «يتعلمون اللغة الألمانية»، في إشارة للاحتلال الألماني لفرنسا طيلة خمس سنوات.
هذه الأجواء غابت أمس عن الاحتفالية التي حصلت على أرض أميركية، لأن مقبرة «كولفيل سور مير» في منطقة النورماندي التي تضم رفات عدة آلاف من الجنود الأميركيين ملك للدولة الأميركية. ومنذ وصول ماكرون وترمب إلى المكان بدا واضحا أنهما عازمان على قلب صفحة البرودة وحتى الفراق. وتبدى ذلك من خلال كثرة المصافحات.
ولم يتردد ماكرون أكثر من مرة في وضع يده على كتف ترمب أو أن يربت على ظهره ويرافقه كظله متنقلا من مكان إلى آخر. كذلك فعل ترمب الذي بدأ ودودا. والأهم من ذلك، أن الطرفين استفادا من دبلوماسية الاحتفاليات من خلال التركيز على معركتهما المشتركة من أجل الحرية والديمقراطية وعلى علاقاتهما التاريخية الصامدة عبر العقود. وجاءت هذه الصور لتذكر ببداية العلاقة بين الرجلين؛ حيث راهن الرئيس الفرنسي على إقامة علاقة شخصية مع نظيره الأميركي، معتبرا أنه سيكون قادرا على التأثير على قراراته. لكن رهانه جاء خاسرا، حيث إن ترمب لم يتجاوب مع دعوات ماكرون للبقاء داخل اتفاق باريس حول المناخ المبرم نهاية العام 2015 ولا قبل بالتخلي عن رغبته بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران «صيف العام 2015»، وما تبع ذلك من فرض عقوبات عابرة للحدود للمتعاملين معها أو الامتناع عن التنديد بالحلف الأطلسي أو بالاتحاد الأوروبي أو تشجيع بريطانيا على الانسحاب منه... وربما النجاح الوحيد الذي حصل عليه ماكرون كان بمساهمته في إقناع الرئيس الأميركي بعدم تنفيذ خططه، أواخر العام الماضي، بالانسحاب السريع من سوريا، وهو ما كانت تعارضه باريس.
وفي خطابه من المقبرة الأميركية، لم يتردد ماكرون في توجيه رسائل «مخففة» إلى ترمب، مثل إشارته إلى أن أميركا «ليست أبدا بهذه العظمة إلا عندما تبقى وفية للقيم العالمية التي دافع عليها الآباء المؤسسون»، أو في إشادته بالمؤسسات والمنظمات الدولية التي ينتقدها ترمب، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي.
كافة هذه الخلافات إما تراجعت أمس إلى المواقع الخلفية أو تم تناولها من غير عدائية. وأكد ماكرون، قبيل اللقاء الذي جمعه بترمب في مدينة كان، حيث استضافه على مأدبة غداء، أنه «متمسك بالعلاقات التاريخية (مع الولايات المتحدة الأميركية)»، التي رأى أنها «ضرورية للدفاع عن الديمقراطية والحرية»، مضيفا أنه «كلما كانت الحرية أو الديمقراطيات مهددة، نحن نعمل معا وسوف نبقى على هذا المنوال وسنبني مواقف مشتركة من أجل السير قدما».
وردا على ذلك، أعلن ترمب أن علاقاته مع ماكرون «استثنائية» وكذلك العلاقات الأميركية - الفرنسية. واستبق ذلك بتأكيده بتوجيه رسالة إلى «الأصدقاء والشركاء» بقوله إن «تحالفنا بني وسط المعارك واجتاز المحن واستقوى على الحروب، لذا فإنه سيبقى صامدا». وخلاصة خطاب ماكرون أنه «حريص على العلاقة التاريخية» التي تجمع البلدين.
كان واضحا أن الرئيسين عازمان على تجاوز خلافاتهما والتركيز على ما يجمعهما. والدليل على ذلك طريقة تناولهما الملف النووي الإيراني؛ حيث شدّدا على تلاقي مقاربتهما رغم الاختلاف المعروف بين واشنطن وباريس لجهة الاتفاق النووي ولجهة العقوبات أو مساعي فرنسا لإقامة الآلية المالية التي تمكن إيران جزئيا من الالتفاف على العقوبات الأميركية.
ورغم ذلك، فقد بدأ واضحا أن ماكرون اجتاز خطوات باتجاه مواقف ترمب، ما دفع الأخير إلى القول إن موقف بلاده يتفق مع فرنسا بشأن إيران، لأن «كلينا لا يرغب في أن تمتلك إيران أسلحة نووية». وأشار ماكرون إلى برامج إيران الصاروخية ـ الباليستية بتأكيده أنه يتعين على طهران أن تحد من أنشطتها الصاروخية ومن أنشطتها في المنطقة. وقال ماكرون: «يجب أن نضمن ألا تمتلك إيران أسلحة نووية ويتعين بدء مفاوضات دولية جديدة لتحقيق هذه الغاية». ويريد ماكرون أيضا العمل من أجل هدف تحقيق «السلام في الشرق الأوسط».
من جانبه، اتّهم ترمب إيران بأنها «ما زالت مركزا للإرهاب» في أنحاء الشرق الأوسط، معتبرا أن العقوبات الصارمة التي فرضها أخذت تفعل فعلها بحيث أن إيران أصبحت فاشلة كدولة. كما ذكّر ترمب باستعداده للتحاور مع الإيرانيين. واتهم ترمب إيران بأنها كانت ضالعة سابقا في 14 مسرحا قتاليا، ذاكرا منها سوريا واليمن وملاحظا أنها بدأت في التغير. وأبدى ترمب ثقة بالقدرة على تغيير الوضع، معتبرا أن العقوبات كانت «بالغة الفعالية» ضد طهران.
وبحسب مصدر دبلوماسي غربي في باريس، فإن «أيا من الطرفين لم يتخل عن مواقفه المعروفة، حيث إنهما يلتقيان حول الأهداف، بينما يختلفان بشأن السبل». وأضاف هذا المصدر أن ماكرون يدعو منذ وقت طويل إلى فتح باب المفاوضات مجددا مع طهران لاستكمال الاتفاق النووي، ولبحث سياسة إيران الإقليمية، ولتحجيم برامجها الصاروخية - الباليستية.
تأمل المصادر الفرنسية في معرض تناولها للعلاقات المعقدة مع واشنطن في ترميم «علاقات الثقة» بين الجانبين. ومن باب الواقعية السياسية، يعتبر ذلك ضروريا للطرفين ولباريس التي عليها أن تتعامل مع الرئيس ترمب ربما لخمس سنوات في حال نجح في المعركة الرئاسية القادمة. لكن يبقى السؤال عما إذا كانت علامات التقارب الشخصية التي برزت أمس سيكون لها تأثير ما على التقارب السياسي بشأن الملفات الخلافية أم أن التجارب السابقة لا تشجع على ذلك.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».