قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟

التوازنات السياسية في كردستان تدفع ابن الرئيس إلى القمة

قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟
TT

قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟

قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟

مع اقتراب انتهاء المشاورات التي يجريها نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني نيجيرفان بارزاني لتشكيل الحكومة الثامنة التي كلف برئاستها في إقليم كردستان العراق، يبدو أن قيادة الاتحاد الوطني وعبر مكتبه السياسي استقرت على ترشيح قباد طالباني، نجل الرئيس العراقي جلال طالباني، نائبا لرئيس الحكومة المقبلة.
ويأتي ذلك رغم أن ملامح التشكيلة المقبلة لم تتضح بعد، وأن هناك خلافات عميقة بين الاتحاد الوطني، الذي ينتمي إليه قباد، وحركة التغيير الكردية المعارضة بقيادة نوشيروان مصطفى، حول احتلال هذا المنصب في التشكيلة الحكومية المقبلة، مما وضع المكلف برئاسة الحكومة في موقف حرج للغاية بسبب عجزه عن التوفيق بين الطرفين، خاصة أن الطرفين يتمسكان بهذا المنصب المهم وليسا مستعدين للتنازل عنه تحت أي ظرف كان. وحتى الحلول الوسط لم تعد تنفع بإقناع الطرفين على تقديم بعض المرونة لكي لا يتأخر تشكيل الحكومة أكثر من ذلك، إذ مضت أكثر من أربعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية دون ولادة الحكومة المرتقبة.
ومن بين الحلول التوفيقية تعيين ثلاثة نواب لرئيس الحكومة، يكون أحدهم قباد طالباني والثاني من حركة التغيير والثالث يكون وزير الموارد الطبيعية، آشتي هورامي. لكن هذا المقترح بدوره يلقى اعتراضا شديدا من الطرفين (الاتحاد والتغيير) على حد سواء.
ويقول قيادي في حزب الاتحاد الوطني، الذي يقوده الرئيس العراقي جلال طالباني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاتحاد الوطني ليس مستعدا للتنازل عن منصب نائب الرئيس، فالمرسوم الرئاسي الذي سيصدر من رئاسة الإقليم بتكليف نيجيرفان بارزاني بشكل رسمي بتشكيل الحكومة سيضم أيضا اسم مرشح الاتحاد الوطني لمنصب نائب الرئيس كما هو معتاد، أي أن التكليف سيصدر باسمي الرئيس المكلف ونائبه، وهذا له تأثير معنوي كبير على الاتحاد الوطني، إذ سيظهره طرفا أساسيا في إدارة السلطة والحكومة ويطمئن أعضاءه وأنصاره بأنه ما زال محتفظا بقوته، وأنه ما زال داخل السلطة، ولذلك فإن مجرد التنازل عن هذا المنصب يعني أن الاتحاد الوطني خرج تماما من معادلة السلطة، ومن الصعب جدا على الاتحاد أن يتحول إلى حزب معارض، أو أن يستعيد دوره السياسي خصوصا في هذا الوضع الصعب بعد الهزيمة الانتخابية التي مني بها، لذلك فإن الاتحاد يشدد دائما على الاحتفاظ بثقله السياسي، ويسعى للتعامل معه على أساس هذا الثقل وليس على أساس عدد مقاعده». يذكر أنه منذ مرض جلال طالباني ومغادرته العراق إلى ألمانيا في ديسمبر (كانون الأول) 2012، هناك مخاوف على مستقبل الاتحاد وقوته.
بدوره، يشدد قيادي في حركة التغيير على التمسك بهذا المنصب، ويخالف القيادي بحزب الاتحاد بالقول «إنه على جميع الأطراف أن تحترم إرادة الناخبين، وأن تلتزم بالنتائج التي تمخضت عن تلك الانتخابات، وإلا فما فائدة تنظيم الانتخابات واللجوء إلى الشعب لانتخاب من يرونه مناسبا لتمثيلهم بالسلطة». ويضيف «نحن حصلنا على المرتبة الثانية في الانتخابات ولنا استحقاقات، وعلى الطرف الآخر أن يعترف بهذه الحقيقة وأن يعطينا ما أعطاه سابقا للاتحاد الوطني كقوة ثانية بالإقليم، بمعنى أننا سننتزع جميع الاستحقاقات التي حصل عليها الاتحاد الوطني باعتباره القوة الثانية في كردستان، وعليه فإن من حقنا أن نتسلم منصب نائب رئيس الحكومة». وحول مقترح تعيين ثلاثة نواب لرئيس الحكومة قال القيادي بحركة التغيير «هذا أمر مرفوض، لأن الهدف منه هو تهميشنا، فكما علمنا من مصادرنا فإنهم يريدون النائب الأول من الاتحاد الوطني والثاني منا، وفي العادة فإنه في منطقتنا لا يمتلك نائب الرئيس أي صلاحيات مهمة، فكيف ستمنح الصلاحيات للنائبين الثاني والثالث؟ لذلك نحن نرفض هذا الحل التوفيقي، ونصر على حصولنا على منصب نائب الرئيس بشرط أن يكون واحدا فقط».
وبانتظار أن تحسم الأطراف المفاوضة هذا الأمر، يبقى قباد طالباني هو المرشح الأقوى للمنصب.
فمن هو قباد طالباني؟
إنه النجل الأصغر للرئيس العراقي والأمين العام للاتحاد الوطني، ولولادته مفارقة غريبة يرويها لـ«الشرق الأوسط» القيادي الكردي عادل مراد، وهو عضو مؤسس للاتحاد الوطني الكردستاني وأحد اقرب المقريين من الرئيس جلال طالباني. يقول مراد «كنت مسؤولا عن إدارة مكتب الاتحاد الوطني في بيروت عندما جاء مام جلال وزوجته السيدة هيرو وكانت حاملا في قباد، ودخلت المستشفى لوضع الوليد، وفي هذه الأثناء كانت هناك اتصالات مكثفة بيننا وبعض الإخوة بتنظيم كردي في تركيا من أجل إدخال مام جلال إلى كردستان العراق، إذ إنه بعد إعلان تأسيس الاتحاد الوطني في دمشق وإرسال أولى المفارز المسلحة إلى كردستان العراق وإعلان الثورة الجديدة بقيادة الاتحاد الوطني لم يكن مام جلال قد زار كردستان، وكانت هناك طلبات ملحة من قوات البيشمركة ومن أنصار حزبنا بالداخل بضرورة الإسراع بوصوله إلى جبال كردستان ليتسلم مهام قيادة الثورة كزعيم لها، لكن الظروف الإقليمية لم تكن تسمح بذلك إلى أن أبدى الرفاق بتنظيم (ddkd) الكردي السري استعدادهم لإدخال مام جلال عبر الأراضي التركية إلى كردستان العراق، وهكذا وصل قائد الثورة إلى داخل الأراضي الكردستانية يوم 20-7-1977 وبعد يوم واحد من وصوله إلى كردستان ولد قباد طالباني».
ويستطرد مراد «بعد ثلاث سنوات زار طالباني زوجته، هيرو خان، وولده قباد بمنزل إبراهيم أحمد جد قباد في لندن، وعندما قرع الباب فتح له قباد ورأى رجلا غريبا، فهرب إلى والدته وقال لها (هناك رجل يقف بالباب يطلبك)، ولم يكن يعرف أن الرحل هو أبوه. وبعد أن عرف بذلك سأله ماذا جلب له من الهدايا معتقدا أن أباه جاء بعد جولة، ولم يكن يعرف أنه جاء من كردستان من وسط نيران المدافع وهدير الطائرات».
دخل قباد المدارس البريطانية وأكمل تعليمه الثانوي والجامعي هناك، ولم يكن له أي شأن سياسي أو حزبي طيلة الأعوام التي تلت ولادته إلى حين عام 2000، إذ عين في مكتب الاتحاد الوطني في الولايات المتحدة الذي ترأسه الدكتور برهم صالح. وتعلم قباد في تلك الفترة المهارات الدبلوماسية التي ساعدته على تطوير علاقاته في واشنطن، وبعد انتقال صالح إلى كردستان العراق ليتولى رئاسة حكومة الإقليم التي أعلنها الاتحاد الوطني بمحافظة السليمانية، أصبح قباد رئيسا لمكتب العلاقات هناك. وبعد توحيد الحكومتين في أربيل والسليمانية عام 2005، عين قباد طالباني مديرا لمكتب علاقات حكومة الإقليم وممثلا عنها بواشنطن.
حاول قباد طالباني طوال فترة رئاسته لمكتب العلاقات بواشنطن تأسيس لوبي كردي هناك ليتمكن من خلاله من التأثير على مراكز القرار السياسي بالإدارة الأميركية. وبحسب تقرير أعده محرر صحيفة «واشنطن بوست» راجيف شاندا سيكاران «سعى قباد إلى إقامة لوبي كردي وذلك عن طريق التشاور مع المسؤولين الأميركيين، والشخصيات الأميركية المتنفذة داخل وخارج الإدارة الأميركية حول التطورات الجارية في إقليم كردستان. وحث الأطراف الأميركية على ضرورة البقاء الطويل الأمد في العراق، والتشديد على تطبيق النظام الفيدرالي الذي يساعد الحركات الكردية على الاستقلال في شمال العراق، بما يؤدي على الأقل إلى شبه انفصاله إن لم يكن إلى انفصاله الكامل».
وسعى قباد طالباني أيضا إلى كسب الأصدقاء الأميركيين، وذلك عن طريق ضم المزيد من الأميركيين إلى عضوية اللوبي الكردي والمشاركة في فعالياته، وبناء الروابط التجارية، وذلك عن طريق إقناع رجال الأعمال الأميركيين والشركات الأميركية بالاستثمارات التجارية والنفطية في منطقة كردستان، وحاليا يقوم اللوبي الكردي بالتنسيق مع بعض الشركات الأميركية النفطية الراغبة في الاستثمارات النفطية في شمال العراق، ويصف قباد طالباني العلاقات الكردية - الأميركية في الوقت الراهن (بالوقتية)، مؤكدا على ضرورة تحويلها إلى (دائمة واستراتيجية)، وذلك من خلال مساعدة عدد من جماعات الضغط والشركات الأميركية. ويعتبر قباد طالباني شخصية مقربة من مجلس الشيوخ الأميركي ومن رجال الدولة الأميركية رغم أنه لم يزل شابا في الثلاثينات من العمر.
تزوج قباد من شيري ج. غراهام، التي عملت قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 مستشارة لنائب وزير الخارجية، وكانت تشرف على المساعدات الأميركية الخارجية، وهي خريجة كلية القانون وإدارة أعمال وقد أخذت شهادة في العلوم السياسية وركزت في دراستها على الصراعات الدينية والإثنية في الشرق الأوسط.
ومعروف عن قباد طالباني أنه مرح ونادرا ما تفارقه الابتسامة، لكنه أيضا طموح ومصر على إثبات نفسه سياسيا، وهو حاليا يشغل منصب وزير التنسيق والمتابعة في حكومة إقليم كردستان. ويرجح المراقبون السياسيون إن قباد سيكون له الدور البارز في الحزب بعد والده رغم وجود منافس قوي له هو الدكتور برهم صالح الذي بينت استفتاءات واستطلاعات الرأي أنه هو الأقوى من بين جميع قيادات الاتحاد الوطني لاحتلال موقع أمين عام الحزب، ففي استطلاع أجرته صحيفة «روداو» الكردية على موقعها، أظهرت النتائج أن 90 في المائة ممن صوتوا على الإنترنت يعتقدون أن برهم صالح، نائب الأمين العام للحزب ورئيس الوزراء السابق، هو من أكثر الأشخاص المناسبين لقيادة الحزب.
وكانت زيارة قامت بها هيرو إبرهيم أحمد، زوجة الرئيس العراقي المريض حاليا، إلى طهران والتقت فيها بالقادة هناك، فسرت في حينها بأنها تتعلق بمسألة خلافة طالباني، وبحسب بعض المصادر الخاصة بـ«الشرق الأوسط» فإن إيران مهتمة جدا بوضع الحزب بعد طالباني الذي كان من أقوى حلفاء إيران خلال العقود الأخيرة، ولذلك فإنها تهتم كثيرا بمن سيخلف طالباني في موقعه في قيادة الحزب. وهناك من يؤكد أن زوجة الرئيس طالباني تعمل حاليا على تقديم قباد كوجه جديد داخل قيادة الحزب، وهناك إشارات على هذا التوجه، إذ خرج قباد بالعديد من التصريحات مؤخرا حول تأشير أسباب أزمة حزبه الداخلية، ودافع عن الانتقادات الموجهة إلى قيادة الحزب بسبب انتكاسته الأخيرة في الانتخابات البرلمانية. ففي تصريحات قال قباد طالبان «إن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده والده لن يكون بمقدوره البقاء إذا استمر في العمل وفق نهجه الحالي، وإن نهوض الاتحاد الوطني مشروع طويل الأمد ولن يعالج ذلك في يوم أو اثنين»، داعيا إلى «إجراء مراجعة داخلية قبل أي خطوة أخرى حتى يعود الاتحاد الوطني صانعا للسياسات وليس منفذا لها».
وكان الحزب قد خسر نفوذه في البرلمان بنسبة تقرب من 38 في المائة منذ أن غاب رئيسه جلال طالباني بسبب المرض أواخر عام 2012، إذ أجريت انتخابات برلمانية في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي انتهت بحصول الحزب على 18 مقعدا بعد أن كان يشغل 29 مقعدا في الدورة المنتهية.
ويتوقع أن يرشح قباد طالباني خلال المؤتمر الحزبي القادم عضوا بقيادة الحزب تمهيدا لانتخابه عضوا في المكتب السياسي لتعلن هيرو بعدها الانسحاب من عضوية المكتب السياسي، تاركة مناصبها ونفوذها لابنها قباد طالباني.



جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو
TT

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو

فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية».

وُلد جان نويل بارو يوم 13 مايو (أيار) 1983 في العاصمة الفرنسية باريس، وهو يتحدّر من عائلة سياسية معروفة، إذ كان والده جاك بارو، الذي تُوفي عام 2014 سياسياً بارزاً من كتلة الوسط المسيحي، وكان قد شغل عدة حقائب وزارية، إضافة لمنصب نائب رئيس اللجنة الأوروبية وعضو «المجلس الدستوري»، وهو منصب مرموق لا يشغله سوى الساسة المحنَّكين في فرنسا.

ثم إن جدّه نويل بارو كان مناضلاً في الجيش السّري، ومقاوماً لـ«نظام فيشي» المتعاون مع النازية إبّان الحرب العالمية الثانية، وكان مكلفاً بتهريب الأدوية إلى أفراد المقاومة الشعبية بحكم عمله صيدلياً. وبعد انتهاء الحرب شغل منصب نائب في البرلمان، وعمدة لمدينة إيسنجو الصغيرة (بجنوب شرقي فرنسا).

جذور عائلية سياسية

الجذور السياسية لعائلة بارو ضاربة إذن بقوة في منطقة الأوت لوار، بجنوب شرقي فرنسا. والواقع أن التمثيل النيابي للمنطقة - القريبة من مدينة ليون - ظل داخل هذه العائلة من عام 1945 حتى عام 2004 دون انقطاع، منتقلاً من الجَد إلى الأب، قبل أن يلحق بهما الحفيد جان نويل (41 سنة). وهذا الحفيد، الذي بات، اليوم، وزيرخارجية فرنسا، فاز بأول مقعد نيابي له عام 2017. ثم إن جان نويل لم يرِث من والده وجَدّه المنصب فحسب، بل ورث منهما أيضاً القناعات السياسية والالتزام بتيار يمين الوسط. فعائلته محسوبة على خط يمين الوسط المعتدل أباً عن جَدّ، فالجدّ نويل كان رئيساً لحزب الوسط الديمقراطي لسنوات، والوالد جاك كان السكرتير العام لكتلة الوسط (أو دي إف)، أما ابنه جان نويل بارو فعضو في «الحركة الديمقراطية (مودام)»، التي تمثل، اليوم، تيار الوسط في فرنسا، وكان ناطقاً وطنياً باسمها (في 2018)، ثم أميناً عاماً (بين 2018 و2022)، قبل أن يغدو نائباً لرئيس هذه الكتلة السياسي البارز فرنسوا بايرو، وأحد أقرب المقرّبين منه (منذ يوليو/ تموز 2022).

خبير في الاقتصاد وإدارة الأعمال

تلقّى جان نويل بارو تعليمه العالي في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للتجارة «آش أو سيه»، وعلى شهادة الماجستير من معهد باريس للعلوم السياسية «سيانس بو» المرموق. ولقد عمل زميلاً بحثياً في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «إم آي تي»، إحدى أرقى جامعات العالم والولايات المتحدة، بين 2013 و2017.

وفي 2018 عُيّن وزير الخارجية الجديد، في فرنسا، أستاذاً محاضراً بالمعهد العالي للتجارة «آش أو سيه». وتناولت أبحاثه مجال الشؤون المالية، وشبكات الإنتاج، وتقييم السياسات العامّة لدعم المنشآت وتمويل الشركات، وسياسات دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. ونُشرت أعماله في مجلات دولية رائدة مثل المجلة الفصلية للاقتصاد، ومجلة الاقتصاد المالي، وعلوم الإدارة.

إنجازاته في الحكومة

أما سياسياً، فقد شغل بارو منصب الوزير المنتدب للشؤون الأوروبية بحكومة غبريال أتال بين فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول) 2024. وقبلها كان الوزير المنتدب للشؤون الرقمية في حكومة إليزابيث بورن من 2022 إلى 2024، وكانت له عدة إنجازات في هذا المجال أشادت بها وسائل الإعلام، إذ كتبت صحيفة «شالنج» الفرنسية، في موضوع تحت عنوان «الصعود الخارق لجان نويل بارو»، ما يلي: «في مجال الرقمنة، كانت حماية الطفولة في الشبكة العنكبوتية من أهم اهتمامات السيد بارو، حيث اقترح حجب المواقع الإباحية ومكافحة ظاهرة التنمّر الإلكتروني. كذلك بذل مجهوداً كبيراً للتنبيه إلى خطر التدخل الأجنبي بغرض التأثير، وبالأخص التدخل الروسي في مواقع التواصل إبّان الانتخابات الأوروبية الأخيرة».

وشرحت الصحيفة الفرنسية كيف أن الوزير كان في غاية الجرأة والشجاعة، واستطاع الوقوف في وجه عمالقة التواصل الاجتماعي حين هدّد بحظر منصّة «إكس (تويتر سابقاً)»، ما لم تحترم قواعد الاعتدال المعتمَدة في دول المجموعة الأوروبية. وعقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها فرنسا عام 2023 ضد غلاء المعيشة، أقدم بارو على إجراء استثنائي تمثَّل بحظر كل المحتويات التي تُحرّض على العنف في منصّتي «تيك توك» و«إكس».

المشاركة السياسية

على صعيد آخر، بدأت المشاركة الفعلية لجان نويل بارو في المجال السياسي عام 2015، حين انتُخب مستشاراً جهوياً (عضو المجلس المحلي) عن محافظة إيسنجو، وهو المنصب الذي شغله جدّه، ثم والده لسنوات قبل وفاته بسكتة قلبية عام 2014. وعلى الأثر، قرّر الانخراط في «الحركة الديمقراطية» إلى جانب إيمانويل ماكرون، وبالفعل انتُخب نائباً برلمانياً عن الدائرة الثانية في محافظة الإيفلين الباريسية (عاصمتها فرساي) من 2017 إلى 2022، حيث شغل فيها منصب نائب رئيس اللجنة المالية، وكان مسؤولاً عن تقديم تقارير الهجرة والميزانية واللجوء. وفي 4 يناير (كانون الثاني) 2021، كلّفه رئيس الوزراء السابق، جان كاستيكس، بمهمة لمدة 6 أشهر للعمل مع برونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية حينذاك، لمساعدة المناطق على الخروج من الأزمة والتعافي الاقتصادي. وبعدها أعيد انتخاب بارو نائباً بنسبة 72.69 في المائة من الأصوات يوم 9 يوليو 2024، بعدما حلّ رئيس الجمهورية البرلمان، حيث ترأّس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، ابتداءً من 20 يوليو 2024، قبل أن يُعيَّن أخيراً وزيراً للشؤون الخارجية.

حديث العهد بالدبلوماسية

يتولى بارو منصبه «رئيساً» للدبلوماسية الفرنسية، اليوم، في مناخ سياسي دولي متوتر... من أخطر ملامحه الحرب الأوكرانية الروسية، وانفجار الأوضاع في الشرق الأوسط. واللافت أنه فور الإعلان عن تعيين الوزير الشاب، قدّمته الصحافة الفرنسية على أنه «حديث العهد بالدبلوماسية»، بل، على الرغم من أن نشاطه وزيراً للشؤون الأوروبية وخبرته في مجال إدارة الاعمال والاقتصاد شكّلا «نقاط قوة» كبيرة له في منصبه الجديد، فإن قلّة التجربة الدبلوماسية لفتت الانتباه، وفتحت باب النقاش في مصير الدبلوماسية الفرنسية التي تراجعت فاعليتها خلال السنوات الأخيرة، بعدما قادتها شخصيات لم تترك بصمات قوية.

وفي حوار مع يومية «لوباريزيان»، شرح برتران بادي، الأستاذ في معهد «سيانس بو»، أنه «ما كان غريباً اتجاه الرئيس ماكرون إلى تعيين شخصية لا تتمتع بتجربة سياسية، فهو يريد أن يفرض رأيه ويسيطر على زمام السياسة الداخلية والخارجية، كما فعل مع كاترين كولونا، وستيفان سيجورنيه، اللذين لم يتركا أي بصّمة على الدبلوماسية الفرنسية».

وفي مقال بعنوان «أوروبي في الخارجية»، نقلت «لوباريزيان» شهادة أورليان تاشي، نائب كتلة «فرنسا الأبيّة» (اليسار)، الذي صرَّح بأن «وزير الخارجية الجديد شخصية سياسية معتدلة، فهو مستعد للحوار مع أي طرف»، وهو - كما يقول نائب اليسار - من أحسن الخصوم السياسيين احتراماً للمعارضة، «لكنني أشكّ بأن يكون لديه هامش من الحرية، بحيث يَسلم من تدخُّل ماكرون وسيطرته...».

وفي مقال آخر بعنوان «جان نويل بارو: مبتدئ على رأس الخارجية»، شرحت صحيفة «اللوموند» بأن وزير الخارجية الجديد «يفتقر إلى الخبرة لكنه مجتهد، أثبت كفاءته فيما يخّص الملفات الأوروبية التي يعرفها عن ظهر قلب». وتابعت أنه «أولاً، قبل كل شيء أوروبي عن اقتناع، ويؤمن بجوهرية العلاقات الفرنسية الألمانية لبناء أوروبا قوية، إذ كانت آخِر مباحثاته في باريس مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. ولقد لقي خبر تعيين جان نويل بارو ترحيباً في إيطاليا، حيث تربطه علاقات جيدة مع رافاييلي فيتو وزير الشؤون الأوروبية في حكومة جورجيا ميلوني، وسبق لهما التعاون في ملفات الهجرة بنجاح (الذي عُيّن منذ فترة نائباً لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين)».

وتابعت «اللوموند» بأنه سيتوجب على الوزير الجديد العمل على كثير من الملفات في وقت قياسي، وعليه أيضاً أن يفرض نفسه لأنه «خفيف الوزن في غابة العلاقات الدولية».

قضايا ساخنة... ومناخ دولي متوتر

وحقاً، تنتظر وزير الخارجية الجديد قضايا دولية ساخنة جداً، فالحرب في أوكرانيا مستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، دون الوصول إلى حلّ. ثم هناك بين القضايا الدولية الحسّاسة الأخرى الحرب في السودان، والقضية النووية الإيرانية، وقبل كل شيء انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط، مع استعار الحرب في قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي على لبنان.

وهنا نشير إلى أنه فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية». وبالفعل، ندّد بارو بموجة التفجيرات القاتلة التي وقعت في لبنان، خلال الفترة القصيرة الماضية، عبر أجهزة اللاسلكي، قائلاً، لإحدى وسائل الإعلام: «حتى وإن كنا نعترف بحق إسرائيل في ضمان أمنها، فهناك هجمات أصابت المدنيين بشكل عشوائي، وتسببت في إصابة الآلاف من الجرحى وقتل الأطفال». وفي المقابل، أدلى بتصريحات داعمة لإسرائيل، بعد اجتماع مع نظيره يسرائيل كاتس، قال فيها إن «حزب الله» اللبناني «يتحمل مسؤولية كبيرة على صعيد اتساع نطاق الحرب في لبنان، بعدما جرَّ لبنان إلى حربٍ لم يخترها». وأردف أن فرنسا «ملتزمة التزاماً لا يتزعزع بأمن إسرائيل...»، علماً بأن التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون جاءت متعارضة مع كلام وزير خارجيته حين قال إن «الأولوية، اليوم، هي العودة إلى حلّ سياسي، والكفّ عن تسليم الأسلحة لخوض المعارك في غزة». وذكر أن فرنسا «لا تُسلّم أسلحة»، ما أغضب الأطراف الإسرائيلية، وأكد التوقعات بأن ماكرون سيفسد مساعي بارو بتدخلاته وتصريحاته المتعارضة.